لو زُرتَ حيّ بلوك 3600 في شارع هايدلبرغ في ديترويت حوالى عام 1986، لالتقيتَ على الأرجح بفنان شاب يبدأ مشروع عمرٍ كامل. قطع معادَ تجميعها وأشكال مطلية تحوّلت بسرعة إلى زخارفٍ تُعيد الحياة لأراضٍ عشبية ومنازل مهجورة في حي عانى من تلاشي الاستثمارات، فباتت تلك الفراغات مساحات إبداعية حيوية.
على نحوٍ مفاجئ، نشأت بيئة فنية شاملة، عامية الطابع، تجمع بين مواد يومية عادية وما يبدو كترجمة صوفية ومن عالَم آخر. مخترِع هذه التركيبة الممتدة—التي لا تزال مستمرة حتى اليوم—هو الفنان تايري غايتون، الذي سمّى عمله الأشهر في حيّه الأمّ ماكدوجال هانت باسم «مشروع هايدلبرغ».
يمتد المشروع على مدار ما يقرب من أربعة عقود وعراضات عدة، ليصبح مقصداً للسياح والسكان المحليين على حد سواء، إذ تتغلغل فلسفات غايتون الروحية في كل زاوية من الملكية. هناك بيت منقط شهير، وآخر مغطى بلوحات طويلة للأحذية، ومجموعة من البورتريهات على أغطية سيارات، إلى جانب عدد لا يحصى من المنحوتات والتجميعات التي تكاد تنبض بالحياة. وبما أن الأعمال معرّضة لعوامل الطبيعة، فالصيانة وإعادة الاستخدام جزءان دائمان من المشروع، حيث يضيف الفنان إلى قطعة قائمة أو يعيد تشكيل المواد من جديد.
وتُعرض عدة أعمال مستقلة لغايتون في مركز جون مايكل كولر للفنون في شيبويغان، ويسعى العرض الواسع النطاق، المعنون «هايدلبرغولوجي: هل هذا فن الآن؟»، إلى دراسة المادة المهملة المتضمّنة في نسيج المجتمع وآثارها على هذا النسيج.
أما غايتون نفسه، فهو يتحدّث بصورة أكثر تجريدية؛ في مكالمة هاتفية من ديترويت قال إن المعرض يدور حول «السحر. ٢ زائد ٢ تساوي ثمانية، هايدلبرغولوجي… هناك ناس لم يأتوا من قبل، وقد جئتُ لأعطيهم سبب المجئ. إنه دعوة».
وبينما يقام العرض في فضاء معرض أبيض تقليدي، استحضر غايتون تركيزه المجتمعي إلى شيبويغان. دعا السكان المحليين ليطبعوا نقاطه الحبيبة على الجدران، موفّرين خلفية حيوية ومعبرة لأعماله الضخمة. عند المدخل يلوح بعمله الخاص لفلك نوح، مؤلّف من حيوانات محشوة وألعاب أطفال جُمعت من الجمهور وُوضِعت فوق قارب مصوّر كقارب صيد.
يؤكد غايتون صِلةً صريحةً بالإله—وبخاصة بالاسم يهوه—طوال المعرض وفي أعماله بشكل عام؛ فهو يعتبر مشروع هايدلبرغ مرآة للمجتمع ومَمَرّاً إلى قوةٍ عليا، يترجم رسائلها ويشاركها مع كل من يتعرّض للعمل.
«ما أراه يحدث في العالم؟ أضعه على شاشات التلفاز، أضعه في متحف، أحوّله إلى أعمال فنية، لأعيده إلى الجمهور وأقول لهم: انظروا إلى ما يحدث، هل يمكننا رؤيته؟ أراه عبري أنا»، هكذا يشرح غايتون.
كما يكرّم المعرض تاريخ الفنان، وبالأخص جده سام ماكي الذي قدّم له الفن وهو طفل. تُعلّق مجموعة من رسومات ماكي الأخيرة داخل بنية على شكل بيت في مركز المتحف؛ أعمال عائلية لا تُعرض عادة في ديترويت وتمنح رؤية خاصة ونادرة لخلفية الفنان.
بينما يستعد غايتون وفريق المشروع للمستقبل، ينوون نقل مشروع هايدلبرغ إلى المجتمع المحلي ليصبحوا أوصياء على هذا الجهد الضخم ويستثمروا في الحي أكثر. «أنا هنا لأفعل شيئاً يبقى عندما أموت»، يقول الفنان. «أعتقد أن ما فعلته هنا فلسفي لدرجة أنه يعلّمني، وأنا أحبّ ارتكاب الأخطاء».
وعند سعيه لتأمين دعم للمشروع، لا يتشبّث غايتون بأعماله؛ بل يتقبّل التغيّر بسهولة. فعند انتهاء عرض شيبويغان، ستُعاد المنحوتات واللوحات التي حُفِظت بعناية داخل المتحف إلى الهواء الطلق، وإن وُجدت مواقع جديدة فقد تذهب إلى أماكن مختلفة، لأن الفنان قد يملأ الموقع السابق بشيء جديد.
بهذه الطريقة، يظل مشروع هايدلبرغ دائماً في حركة، مقدّماً رسائل جديدة لغايتون ليتعلّمها ويشاركها—عبر تلفاز مغطى بالغرافيتي أو عمل مُجمّع على لوحة. وعند سؤاله متى يشعر بأن العمل قد اكتمل، يجيب بوضوح: «عملي ينتهي عندما أموت».
يمكن زيارة «هايدلبرغولوجي: هل هذا فن الآن؟» حتى 15 فبراير 2026. وأثناء تواجدك في المنطقة، لا تغفل عن زيارة بيئات فنية متقنة تقع على بعد أميال قليلة في «آرت بريزرف». للمزيد من المعلومات عن المشروع، زيارة الموقع والحساب على إنستغرام تقدمان مصادر إضافية للمشاهدة والمتابعة.
مشروع هايدلبرغ يظلّ احتفالاً متجدداً بالإبداع الجمعي وبقوة الفن في تحويل الأماكن وإعادة تعريف معنى البيت والمجتممم.