مصر الإلهية الحدث الضخم الجديد في المتحف المتروبوليتان عرضٌ يليقُ بالآلهة

كتلة من الحجر الجيري منحوتة لتحتوي أربعة آذان، زوج فوق زوج. تمثال على هيئة أفعى برأس امرأة حيث يفترض أن يكون للزواحف وجهها. تميمة تشبه حصانًا من نوع ما، لكن بأقدام عظمية بدل الحوافر. تمثال لصقر طويل القامة يحرس إنسانًا. وبرونز يصور هجينة بين كوبرا وسمكة ثعبان وإنسان.

هذه القطع تبدو من المرادف الغريب الذي نتوقعه في فضاءات الفن المعاصر اليوم، في زمن سيطر فيه نوع جديد من السريالية. لكن المفاجأة أن هذه الأمثلة أقدم من ذلك بكثير: فهي تعود إلى أكثر من ألفي عام، وجميعها معروضة في معرض “مصر الإلهية” بالمتحروبليتان للفنون، الذي سيفتتح قريبًا، ما يوحي أن المصريين القدماء لم يكونوا أقل غرابة مما نتصور.

ذات صلة

لم أذكر أكثر الأعمال غرابة في المعرض: كتلة هائلة من الكوارتز ديوريت منحوتة على شكل حشرة الجعران، ظهرها المصقول ذو أناقة مخالفة للفكّين المرعبين أسفلها. هذا الخنفساء يمثل الخبري (خِبْرِي) إله الفجر، وكان المصريون القدماء يعرفون هذا الارتباط. ومع ذلك، أراهن أن حتى الملمين بهذا الميثوس لرأوا في هذا التمثيل شيئًا غريبًا وغير دنيوي تمامًا.

هناك بالطبع الكثير من الأعمال التي تبدو مألوفة أكثر للعين المعاصرة: توابيت على شكل قطط وتماثيل لملوك الفراعنة وتمائم فايانس وقلائد ذهبية. لكن “مصر الإلهية”، الذي يفتتح في 12 أكتوبر، يحوي عددًا كبيرًا من القطع التي تقفز فوق مسألة التفسير السهل. ذلك نتيجة حتمية لتلاشي التاريخ: القيمون المعاصرون يعتمدون على سجلات جزئية طمرها الزمن، وما زالوا يجتهدون لسد الفراغات التي تقيد فهمنا لمصر القديمة. وفي الوقت نفسه، يكشف المعرض الشامل عن تعدد الآلهة التي عبدت عبر عصور وملكات مختلفة أن عناصر اللا-المعرفة كانت مندمجة في هذا الفن، مما جعل هذه الكائنات الإلهية تبدو وكأنها تعمل بمعزل عن تجاربنا الإنسانية.

يقرأ  أول حالات قتل تُسجّل في المغرب منذ اندلاع احتجاجات «جيل زد»

لماذا يتوافد الناس دائمًا إلى المتحف لرؤية فنون مصر القديمة؟ قد يكون ذلك بسبب الإحساس بالغموض الذي جذبه الجمهور عبر عقود، كما قال مدير المتحف السابق توماس هوفينغ تعليقًا على الحشود التي حضرت معرض توت عنخ آمون عام 1978؛ فقد تكوّن لدى الزوار انطباع “عظمة وسحر الماضي القديم”. وبمعايير عدة، كان معرض توت حدثًا استثنائيًا وعرضًا استقطب أعدادًا هائلة ونادرًا ما تكرر مثيله.

“مصر الإلهية” ليس معرض توت ضخمًا بالمعنى الهوليوودي؛ هو حدث هادئ الطرح لكنه ضخم من حيث الحجم، إذ يضم نحو 210 قطع ذات قيمة تاريخية عالية. (حوالي 140 من هذه الأعمال من مقتنيات المتحف المصرية الواسعة؛ ومن الغريب أن بقية القطع ليست معارة من مصر نفسها.) ربما يقام المعرض في إحدى أكبر قاعات العرض الخاصة بالمتحف، لكن قلائل من هذه القطع ضخمة على مستوى الحجم؛ الكثير منها تمائم وتماثيل صغيرة مصقولة ببراعة يمكن أن تُحمل بكف اليد لو لم تكن محمية داخل واجهات زجاجية.

أعدّت القيّمة ديانا كريغ باتش، بمساعدة الباحث بريندان هاينلاين، معرضًا لا يعلن بصخب عن مكانته كحدث ضخم، لكنه بلا شك مناسبة كبرى، ومن نوع المعارض التي يبدع المتحف في تقديمها، مع وضوح غرض نادر في العروض الكبيرة.

المعرض يدور حول حوالي 1,500 إله عبدت في مصر، لكن باتش تفضلت بتركيزها على نحو 25 إلهًا فقط. في أقسام مصغرة مثيرة مُرتبة بطريقة غير زمنية، يعرض القيمون كيف صيغت صور الآلهة وأُعيد تشكيلها بحسب الزمان والمكان داخل مصر القديمة. أيقوناتهم أعيد مزجها وإعادة تشكيلها وتحدّيها، ولعل أكثر من ذلك أن بعض الآلهة اندمجت ببعض.

يفتتح القيمون العرض بمنطقة مخصصة لآثار كانت متاحة فقط للملوك؛ بمعنى أنها لم تكن للاستهلاك العام. هناك يمكن تتبع كيف شكلت الأيقونات معالم آلهة مصر: فحورس، على سبيل المثال، كان إله السماء وغالبًا ما صوّر بسمات صقرية. تراه في تمثال حجر جيري هنا، جالسًا منتصبًا ويده خلف ظهر الملك حورمحب، الذي يظهر كما لو كان رفيقًا لحورس. وتراه أيضًا في تمثال جميل من الحجر المتين حيث يقف الملك نختنبو الثاني الصغير بين مخالب متباعدة.

يقرأ  محمد حميديرحيل رائد الحداثة التشكيلية المغربية عن 84 عاماً

مع بعض الآلهة، الأمور أقل بساطة. في قسم عن حتحور، إلهة الأمومة والرقص والفرح، تساءل: ما الذي يخبرنا به الوجه؟ في شظية عمود هنا، تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وجه حتحور بشري بأذنين بقرّيتين. وفي تمثال مجاور من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، تتحول إلى هيئة بقرية تمامًا، وعيونها اللوزية مشكَّلة من بلورات صخرية. وفي قطعة أخرى بالمعرض، قلادة دقيقة تعود للفترة بين القرنين الثاني عشر والسابع قبل الميلاد، تتحول حتحور إلى “بات” إلهة بقرية مختلفة تمامًا بجبين مثلثي وعيون من ذهب.

في النهاية، يتبين أن الآلهة عند المصريين القدماء كانت متحولات الشكل—كائنات قادرة على تبديل ملامحها وصيغها بحسب الحاجة والرمزية. تميمة من الفيانس المزجّج الأزرق تُصوّر تمساحًا برأس طائر — واضحة الدلالة ومؤرّخة بين القرن السابع والقرن الأوّل قبل الميلاد. رأس الطائر إشارة محتملة، كما توقعت، إلى حورس؛ أما الظهر الطويل المكسو بالحراشف فإيماءة إلى سوبك، إله النيل، وربما إلى تجلٍ محدّد منه يُعرف بسقنوبايوس، الذي كان يُعبد في فايوم.

مجموعة تماثيل تصور الإله حورس والملك حورمحب (حوالي 1323–1295 ق.م.) تبيّن كيف أن صور الآلهة لم تَحْصُر نفسها داخل أروقة المعابد التي كان الفراعنة وحدهم ينفذونها؛ بل امتدت إلى الجمهور عبر خواتم صغيرة، وتمائم تُحمل في مزارات أو تُعرض ضمن مواكب، وتحوّلت مع الزمن إلى أشكال جديدة. يمكن لصورة إله أن تُلهم لعبة لوحية — لا تفوتوا لوحة لعب مبنية على جسم ميهن الملتف — كما أنها تؤثر في طقوس الموت؛ صفات الإلهة باستت الشبلية ولّدَت ثروة من القطع ذات الطابع القططي، ومنها قطة موميائية تشبه إلى حدّ بعيد الطفل في فيلم Eraserhead.

القطة الموميائية تثير ذلك الإحساس بالغموض الذي لاحظه هوفينج في 1978، لكنها لا تفيض بالعظمة. وهذا ليس أمراً مُضرًّا: من مكاسب معرض «مصر الإلهية» أنه يبيّن أن حضور الآلهة الغامض لم يكن معادياً للحياة اليومية؛ فقد تُخَلَّد هذه الكائنات الإلهية ليس فقط في المعابد الضخمة والسراديب الثقيلة، بل أيضاً في أشياء صغيرة محمولة تُعلن غُربتها بمقاييس أصغر.

يقرأ  البحث عن أعمال فنية نازية مَنْهوبة يقود إلى إصدار أمر بالإقامة الجبرية في الأرجنتين

أنصح بأن تُكرِس وقتًا لبعض أصغر القطع المعروضة. أحبُّ قطعة قلادة لهاتحور ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد، عندما حكم الملوك النوبِيّون مصر. رأس الإلهة مُغطّى بورق ذهبي فخم فوق كتلة من البلّور الصخري المنحوت بعناية، وكانت صاحبتها — ملكة لبيي — تعلم أن البلّور كان يحتضن شيئًا ذا قيمة بالغة: «مادة سحرية» ربما، أو دعاء ملفوف بالذهب، كما يقترح القيمون على المعرض. اليوم لا يُرى سوى الرواسب البنية التي تركها ذلك الشيء. بعد ألفي عام ما تزال التميمة تحتضن أحاجٍ تقاوم أن تُفكّ خيوطها.

أضف تعليق