صورة التُقِطت عام 1968 بواسطة دوريس ديربي تصوّر فتاة تقف متأمّلةً من خلف نافذة متجر ألعاب في جاكسون بولاية ميسيسيبي؛ تنظر إليها بعين الشغف والرغبة. في الإطار نفسه تظهر شخصية مصوّر آخر يركع ويحمل كاميرا 8 ملم على مستوى عين الطفلة، لالتقاط وجهة نظر طفولية تفيض بالحنين. ما تبدو لوهلة لحظة هادئة وبسيطة تتعاكس مع صور أخرى ارتبطت بتلك الحقبة، من صور جنازة إيميت تيل المفتوحة في شيكاغو عام 1955 إلى لقطات احتجاجات مقاعد الغداء في جاكسون عام 1963؛ فالتصوير الصحفي عبر عقدٍ كامل جسّد الاحتجاجات والمظاهرات والمطالب بالعدالة كمرآةٍ للاضطراب الاجتماعي والسياسي لتلك السنوات.
هذا التلاقي بين القلق والسكون هو أحد محاور معرض “التصوير وحركة الفنون السوداء، 1955–1985” في المتحف الوطني للفنون بواشنطن دي.سي. (ممتد حتى 11 يناير 2026). المعرض، الذي يضم نحو 150 صورة وعملة فنية، يقدم مسحًا لمجموعة من المصوّرين السود الذين وثّقوا حركة الحقوق المدنية وحركة التحرر السوداء، وصوّروا قادة الحقوق المدنية والعاملين للمساواة والنشطاء، فضلاً عن شبكة من الموسيقيين والفنانين والمثقفين والشعراء والكتاب وصانعي الأفلام الذين حفّزت أعمالهم حركة الفنون السوداء وحافظت على زخمها. لم يكتف الناشطون باستخدام الصورة كأداة للمطالبة بالتغيير، بل صاغوا من خلالها أيضًا خطابًا جماليًا حول التحرر والجمال والسلطة.
تقول الفنانة والكاتبة والمعلّمة ديبورا ويليس، التي تنسّق المعرض مع فيليب بروكمان، إنّ “التصوير كان محوريًا في حركة الفنون السوداء لأن من يصنعون الصور لم يكونوا مجرد موثّقين فحسب، بل كانوا فنّانين من داخل الحركة.” بعض الذين التقطوا هذه الصور لم يكونوا معروفين آنذاك كمصوّرين فنيين بالمعنى التقليدي، لكن لمساتهم البصرية كانت جزءًا لا يتجزأ من السياق السياسي والثقافي.
درست ديربي، على سبيل المثال، الأنثروبولوجيا الثقافية في نيويورك قبل أن تصبح سكرتيرة ميدانية في لجنة تنسيق الطلاب اللاعنفية (SNCC) ومصوّرة ميدانية. صورها لا تُبرز فقط دور النساء السود في الحركة، بل تلتقط أيضًا لحظات هادئة ومؤثرة توازن بين الصور الإعلامية الحادة التي عرّفت الحقبة. كما تروي ويليس عن اكتشافها لأعمال ديربي الأقرب إلى الحميمة: فتيات صغيرات جلسن على مقعد رواق، يتناولن الآيس كريم أمام محلّ في الجنوب—تفاصيل يومية تضيف عمقًا إنسانيًا للذاكرة الجماعية انذاك.
روحٌ أساسية تتجلّى في الأعمال المختارة للمعرض هي رفض الفنّانين السود—وبامتدادهم حركة التحرر—أن يُختزلوا في وسيط أو صوت واحد أو أيديولوجيا موحّدة. تلك التعبيرات المتعدّدة للّون الأسود تقدم صورة أشمل لكيفية مشاركة الفنانين في تشكيل وتعريف وأرشفة عناصر حركة الفنون السوداء؛ ومن خلال عمل نحو مئة فنان تقريبًا، نلحظ تقاطعات بين الحراكين الفني والتحرري تجاوت الحدود الجغرافية والإيديولوجية، كما نرى أيضًا لحظات تصادم بين رؤى مختلفة تُفضي إلى نموّ وتحوّل.
افتتح كتالوج المعرض بمقالة كتبتها الناشطة السياسية والأسطورة الأكاديمية أنجيلا ديفيس، التي تؤكد أنّ “الحركات الناجحة تدمج دوماً علاقة مركزية مع الخيال، ومن ثم مع صناعة الفن والمعرفة الجمالية التي تساعدنا على الشعور بمستقبلٍ جديد وتجربة طرق جديدة لتصوّر ذلك المستقبل.”
بدايات هذا التيار في معارض ويليس وبروكمان انطلقت من عمل المصوّر روي ديكارافا، الذي أصدر عام 1955 كتابه The Sweet Flypaper of Life، قبل انطلاق موجات قوية من حركة الحقوق المدنية. الكتاب جمع صورًا لحياة السود في هارلم مصحوبة بصوتٍ قصصي مختلق لشخصية تُدعى ماري برادلي، اختراعٌ سرديٌّ للكاتب لانغستون هيوز. في إحدى صور الكتاب تبدو عازفة الباس إيدنا سميث منظوّرة جزئيًا بضوء واحدٍ بعيد؛ نزول نظرتها يوحي بالكأبة، وظلال المشهد تعزّز ذلك الإحساس، بينما يلتقط بريق ساعة معصمها اهتمام المشاهد نحو آلة الباس كطُرُقٍ منارة.
نُشر كتاب ديكارافا بعد عقودٍ من عصر نهضة هارلم، بعد سنةٍ من قرار براون ضد مجلس التعليم وفي أشهرٍ تلت اغتيال إيميت تيل؛ وكان وقتها التصوير يكتسب اعترافًا أوسع كفن رفيع، خصوصًا بعد معارض ثورية مثل “عائلة الإنسان” في متحف الفن الحديث عام 1955. ومع هذا الاعتراف انتهز الفنانون السود فرصة لتأليف سرديات بصرية قوية وغنية، تترسّخ في الذاكرة الثقافية وتعيد تشكيل فهمنا للتاريخ والهوية. «التعاون بين لانغستون هيوز وروي دي كارافا كان له أثر بالغ على كثير من المصوّرين والفنانين، جزئياً لأن كلاهما كان يمعن النظر في مجتمعاته الخاصة، وصنعا معاً سرداً متوجّهاً إلى الداخل»، تقول بروكمان.
أحد أهداف المعرض هو إبراز السبل المتعدِّدة التي أسهمت بها الصورة الفوتوغرافية في تشكيل مشهد بصري حول حركة الفنون السوداء، من أزياءِ الجمال إلى بناء المجتمع ونضالات العدالة الاجتماعية. «بدأنا نفكّر في كيفية سرد أثر التصوير ليس كمجرد توضيح لحظة، بل كجزء لا يتجزأ من حركة»، تضيف ويليس. «كثير من الفنانين — رسامين، مُركِّبين، ونحاتين — استعانوا بصور محورية من تلك الحقبة في أعمالهم».
التصوير اتخذ أشكالاً شتى في الأعمال المعروضة بالمتحف الوطني للفنون؛ بعضها صور ثوبانية، كما في صورة باركلي هندريكس لرجل في فيلادلفيا يرتدي بدلة بيضاء كاملة وقبعة وأحذية مطابقة، والتي خلّدها هندريكس لاحقاً في لوحته عام 1973 بعنوان Dr. Kool. أعمال أخرى اعتمدت على صور أرشيفية، مثل استكشاف بيتي سار الأيقوني لمسرحية السخرية التي تحولت إلى ثورة بان‑أفريقية في العمل الثلاثي الألواح «دعوني أسليكم» (1972)، حيث تظهر في خلفية اللوحة المركزية نسخة من صورة lynching، وفي اللوحة الأخيرة يحلّ لون علم بان‑أفريقيا مكان خلفية الصورة ليحوّل بنية جيم كرو المهينة إلى شخصية سوداء محرّرة ذات كينونة.
يولّى المعرض اهتماماً خاصاً بالنساء السود، لا كموضوعات فحسب بل كصانعات صورٍ وراويات بصريات. من صور مينغ سميث الحالمة التي يبدو فيها سَن رَأْ وهو يطفو من مسحوق النجوم في Sun Ra Space II (1978)، إلى تغطية ماريلين نانس الشاملة لفيستاك ’77 في لاجوس، نيجيريا، وصولاً إلى استكشاف جين موتوسامي‑آش ودوريس ديربي لتقاليد «أفرو كارولاينا» في الجنوب، تحتل النساء السود مكانة فريدة — وغالباً ما تُهمَل — داخل هذا الوسط والحركة.
أعمال أخرى داخل المعرض تشهد على التأثير الدائم للتصوير على فنّانين بصريين معروفين. روماري بيردن، مثلاً، بدأ في منتصف ستينيات القرن الماضي يستكشف فن الكولاج الفوتوغرافي؛ وقد أصبح ذلك نمطاً فنيّاً استعمله لصنع بعض أشهر أعماله. «روماري بيردن كان دائماً محورياً لفهم حركة الفنون السوداء»، تقول بروكمان. «باستخدامه الصور في كولاجاته، يربط مباشرة بين التصوير بجميع صوره وحركة الفنون السوداء — وهو جانب لم أكن أدركه جيداً من قبل: مدى دمج التصوير في فنّه البصري، بما في ذلك الرسم، في تلك الفترة».
مجموعة من الفنانين، من بينهم جيف دونالدسون والرسّام الجداري ويليام ووكر، أسَّسوا منظمة الثقافة الأمريكية السوداء، سلف مجموعة AfriCOBRA في شيكاغو، ونظّموا عملاً تعاونياً للمدينة بعنوان «جدار الاحترام» (1967) — لوحة جدارية في الهواء الطلق ضمّت أكثر من خمسين بورتريها لزعماء ونشطاء ورياضيين وموسيقيين أسهموا في تشكيل الثقافة السوداء. يضم المعرض صورة مكتشَفة مؤخراً للمصوّر روي لويس لنينا سيمون واقفة أمام الجدار الذي لم يعد قائماً اليوم.
عبر لقطات مسروقة ولحظات مُنسَّقة بعناية، تبقى الفوتوغرافيا وسيطاً قوياً لحفظ الذاكرة، وتقوية الروابط، وتخيّل واقعيات جديدة. إنها تواصل تعليمنا دروساً في المقاومة والتضامن والوكالة. «الأعمال التي أنجزها الفنانون والمصوّرون قبل وخلال وبعد حركة الفنون السوداء ترسّخ استراتيجية من الانخراط المجتمعي»، تختتم بروكمان. «وهو ذلك الانخراط الذي يمكّن المجتمعات من تعريف نفسها ويشرك الناس في أشكال جديدة من النظر».