من الأفازيا إلى الفن إيليش بريسكو تعيد تصوّر التواصل البصري

صمتٌ صار لغة

أغلبنا يعتبر القدرة على التواصل أمراً بديهياً: نكتب، نتحدث، نشير. لكن ماذا يحدث حين تتصدّع هذه القدرة الإنسانية الأساسية فجأة؟

الفنانة والمصممة إيليش بريسكو عرفت جيداً الفراغ المرعب الذي ينشأ حين ينكسر الكلام. بعد جَلطة أصابتها تركتها مصابة بالأفازيا، أي فقدان فهم اللغة وإنتاجها، واجهت مفترق طريق إبداعي كان ليُخرس أصواتاً كثيرة إلى الأبد.

بدلاً من الاستسلام، اكتشفت إيليش أمراً مذهلاً: عندما يخوننا الكلام التقليدي، تنبثق أشكال تواصل جديدة من بين ركامه.

حياة تغيّرت بين ليلة وضحاها

بدأت رحلتها في أول إغلاق لِكوفيد-19 عام 2020، حين كانت في الخامسة والعشرين وانتقلت لتوّها من شمال غرب إنجلترا إلى لندن لتطلق مسيرتها المهنية. ما بدا في البداية كصداع نصفي عنيف تطور سريعاً إلى شيء أخطر: دوار، ضيق تنفس، تنميل امتد إلى الوجه والذراع، وغثيان شديد.

لم يتعرف أحد على هذه الأعراض كإشارات جلطة لأنها لم تتطابق مع الاختصار الشائع FAST (وجه، ذراع، كلام، زمن)، لذا لم تُشخّص إصابتها إلا بعد نحو 25 ساعة من ظهور الأعراض الأولى.

في اليوم الثاني بالمستشفى حاولت إيليش أن تدون أحاسيسها، لكن بدلاً من أفكار مترابطة خرجت خطوط متعرجة لا معنى لها. كانت تعاني من ديسغرافيا—أو عسر الكتابة—اضطراب عصبي جعل الكتابة شبه مستحيلة، وهو ما مثّل ضربة قاسية لشخصية حياتها المهنية تقوم على التواصل البصري.

تدهورت حالتها خلال الأسابيع التالية حتى أصبحت عاجزة تماماً، تحتاج إلى رعاية مكثفة على مدار الساعة. فقدت القدرة على الكلام والحركة واضطرت إلى الاعتماد في أبسط أعمالها اليومية على من حولها.

عندما تختفي الكلمات

أدركت إيليش في تلك الفترة حقيقة عميقة: التعبير ليس مسألة مفروغ منها، بل هو ترف قد يفقده الإنسان. الأدوات التي كانت تبدو تلقائية—الكتابة، الحديث، الإبداع—اختفت فجأة.

يقرأ  كولاجات ورقية نابضة بالألوانللورانس ميجو — تستكشف الحياة اليومية وعمق النفس البشريةكولوسال

جاء التعافى تدريجياً، بدعم من أخصائيي التأهيل، الأسرة، وإصرار إيليش على التمرّن. تمرين واحد صار ذا دلالة خاصة: جلوسها مع والدتها لنسخ الحروف مراراً وتكراراً.

ورق التدريبات تلك بات لاحقاً قاعدة لعملها الفني الثوري. ما بدأ كتمارين إعادة تأهيل تحوّل إلى تأمل فني عميق في هشاشة وقيمة التعبير الإنساني.

هذا الصيف، يقدم معرض آرت براكتس في شرق لندن—مؤسسة تعاونية أطلقها فنانون معروفون—تحقيق إيليش الأخير في هذه المنطقة بين اللغات والصمت. المعرض بعنوان «لا أملك الكلمات» ويُقام في الفترة من 7 إلى 25 أغسطس.

حكاية إيليش ليست مجرد انتصار شخصي؛ بل تعليمٌ بصري عن كيفية تحويل تجربة فردية مؤلمة إلى عمل يُلامس تجربة عامة، ويبيّن أن اللغة قد تفشل أحياناً لكن الحاجة إلى التواصل لا تزول. هذه تجربه إنسانية تُعيد تعريف حدود التعبير.

أضف تعليق