مهرجان برلين للأفلام الإباحية يحتفل بمرور ٢٠ عاماً

«هل هي إباحية أم فن؟» سؤال يتكرر لدى الفنانين وصنّاع الأفلام المشاركين في مهرجان أفلام الإباحة في برلين (PFFB)، الذين اعتادوا تحدّي الحدود الصارمة الفاصلة بين الفيلم الإباحي والعمل الفني. يسعى المهرجان السنوي، الممتد على مدار ستة أيام، إلى خلق فضاء شامل وإيجابي تجاه الجنس يسمح باستكشاف الرغبة الإنسانية من منطلقات نقدية وإنسانية.

هذا العام احتفى المهرجان بمرور عشرين عاماً على تأسيسه على يد المنتج والمخرج يورغن بروينغ. حضر عشّاق السينما ليلة الافتتاح يوم الثلاثاء 21 أكتوبر، وامتلأ قاعة كولوسيوم سينماثيتر في حي برنتسلاور بيرغ السكني في برلين عن آخره.

بروينغ استلم جائزة عن مسيرته وقال وهو يبتسم إنّه «في التسعينيات كنت أنتج مواد إباحية وكنت أعتقد أن الفصل بين الإباحة والفن فكرة سخيفة». وحيّا وييلاند سبيك، المخرج والرئيس السابق لقسم بانوراما في مهرجان برلين السينمائي، رؤية بروينغ في تأسيس فضاءات سينمائية بديلة. من بين الأعمال التي أنتجها بروينغ فيلم No Skin Off My Ass (1991) للمبدع الكندي رائد سينما الكويركور بروس لا بروس، الذي عُرض في بانوراما بيرليناله عام 1996.

ورغم حرص بروينغ على التشديد أن هناك أفلاماً جيدة وسيئة ضمن التيار الإباحي السائد—مقاربة تكسر الصورة النمطية القائلة إن الصناعة فاسدة بالكامل—ظل المهرجان منذ بدايته منبراً لسينمائيين بديلين وأشكال سردية غير تقليدية. بوليتا بابيل، منسقة PFFB ومؤسسة شركة الإنتاج المستقلة هاردويرك، احتفلت بتنوّع برامج المهرجان التي احتضنت هذا العام عرضاً للنتاج المستقل للشركة، معتبرة أن المهرجان يحتفل بأنواع مختلفة من الأفلام التي تعكس وجهات نظر نسوية ومجتمعات LGBTQ+ وممارسات الكينك والهويات المتحرّكة جنسياً. «المهرجان عن الإباحة طبعاً، لكنه أيضاً عن سياسة الجسد»، قالت على خشبة المسرح في ليلة الافتتاح.

العمل التنظيمي للمهرجان أوضح لها، كما قالت لاحقاً في مقابلة، أن «من الممكن أن نعيش في مجتمع تتطور فيه علاقة أكثر أخلاقية وفرحاً مع المواد الإباحية؛ فقد بُنيت هنا مجتمعات ملهمة ونشيطة».

برنامج المهرجان لم يقتصر على عروض أفلام فقط، بل تضمن ورش عمل ومحاضرات حول الإباحة النسوية، كتابة الإباحة، ممارسات متطرفة مثل الليزين فستنغ (lesbian fisting) والبلع العميق، وغيرها من الموضوعات الحسّاسة، بعضها ضمن منتدى الصناعة البالغة الذي دخل عامه الرابع، وهو مؤتمر مهني امتدّ ليومين ووفّر فرص تواصل، وركّز على معايير أخلاقية، تعليم جنسي، واستراتيجيات تسويق ووسائط اجتماعية.

يقرأ  ديوالي — مهرجان الأنوارما ينبغي أن تعرفه

خيطٌ واضح عبر برمجة المهرجان هو بروز النساء ليس فقط كنجمات أمام الكاميرا بل كصانعات خلفها. قالَت العالِمة الجنسية لورا ميريت إنّ «الدعم المتبادل كان دائماً حاضراً بيننا وبين بروينغ والمهرجان». مع بولّي فانلاف أسّست ميريت جائزة PorYes للسينما الإباحية النسوية عام 2009، التي كرّمت منذ ذلك الحين أعمالاً تعيد تشكيل مفاهيم القبول والرغبة.

حضرت أيضاً إريكا لوست، وهي من أبرز صانعات المحتوى الصناعي المستقل؛ عرضت مقرراتها الأولى هنا عام 2006 وأسّست شركة ومنصة مخصّصة للسينما المثيرة. عُرضت لها في البرنامج الخاص لهذا العام أيضاً أفلام تمثّل مبادرة لإظهار أشكال مُغايرة لرغبة النساء، من بينها إشادة بالمخرج كايسي كالفرت وفيلمه Sorrow Bay (2022) الذي يتناول جنسانيّة النساء فوق سن الستين، وهو تصوير نادر في المشهد السينمائي الإباحي.

الفنانة التايوانية-الأمريكية شو ليا تشيانغ تعتبر من وجوه المهرجان الثابتة؛ قالت إن حضورها هناك لهّ معنى بالغاً لأنها عرَضت فيلمها I.K.U. في افتتاح المهرجان حين انطلق عام 2006، ومنذئذ وهي تعود بانتظام. تشيانغ تعمل حالياً على إنتاج جديد في برلين وقد قدمت هذا العام عرضاً لمسلسل ويب من أربع حلقات بعنوان Wonders Wander (2017) يحتفي بمقاومة المجتمعات الكوير بين الأجيال ويرصد منابر العنف المتحوّل ضد المتحوّلين جنسياً والتمييز ضد المثليين في ضواحي مدريد. بروينغ بدوره أنتج عدداً من أفلامها وشارك في فيلم قصير يصوّر رغبات رجال في عمر متقدم.

يلعب مهرجان PFFB دوراً محورياً في ربط المجتمعات الموجّهة بـ«الإيجابية الجنسية» والحركات النسوية وLGBTQ+ عبر الحدود، ودعم صانعين من دول تضيق فيها السلطات على الحقوق الجنسية والإنجابية أو تنتشر فيها أعمال عنف ضد queer وtrans أشخاص. هذا العام احتفى البرنامج بقسم Taiwan Porn Shorts الذي تنوّعت مواضيعه بين استكشاف الجنس لدى أشخاص يعانون من الشلل الدماغي إلى قصص مستقبلية إيروتيكية.

فيلم افتتاح الدورة هذا العام، Fucktoys (2025)، للمخرجة والبطلة انابورنا سريرام، جسّد بروح الفرح الحي المتأصل في المهرجان: يحكي قصة AP، عاملة جنس شابّة في الجنوب الأميركي تتهاوى حياتها بعدما يخبرها متبصر أنها ملعونة. عندما تُفصل عن عملها كراقصة استعراضية تلجأ AP وصديقتها داني (الممثلة سادي سكوت) إلى أفعال محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك التعامل مع زبون لديه هاجس خطير تجاه الأشياء الحادة. ورغم سوداوية السياق، فإن الفيلم يبقى سخرية نابضة تُفكك صورة «الفتاة الطيبة» بمزيج من ذاتية محزنة وحس كوميدي ومظهرِ كامبي واضح.

يقرأ  الخيال الفيتيشي وراء الأضرحة «التبتية» المعروضة في المتاحف

في نقاش تلاه العرض، قالت سريرام إنها نشأت على مشاهدة أعمال جون ووترز وكانت تعتقد أنها ستصنع أفلاماً شبيهة، لكنها سرعان ما أدركت أن الصناعة ليست مُرحّبة دائماً بالمخرجين والممثلين الملونين. وأضافت: «أردت أن أوجد تمثيلاً لفتايات بنّيات مثلي، قِمْنْنَ بالـ…» — (هذا مقتطف عن رغبتها في تحدّي الوصمات)— وأنها حسّاسة إزاء وصمة أن يُوصَف عملها بأنه «قذر»: «يجرحني ذلك دائماً».

بوليتة بابيل ومنسقة المهرجان والسنمائية انابورنا سريرام ظهرا سوياً مرّة أخرى على المسرح، في إشارة إلى الشراكة المستمرة بين صانعي الأفلام والمنظمين.

يبذل المهرجان جهداً منظّمياً لتقديم تجارب سينمائية غير تقليدية للمتلقين، مختبراً أشكالاً بديلة للذهاب إلى السينما، ومجدداً الالتزام بجعل المساحات العامة مكاناً للقاء والجسور عبر الاختلاف. عاد واحد من فعاليات المهرجان المحبّبة ليومه الثاني: «الليلة الطويلة للجنس بين النساء» أقيمت مرة ثانية في سينما كينو موفيمنتو في كرويتسبرغ، حيث عُرِضت أفلام متزامنة في قاعتين. الحضور مُرحّب بهم للتحدّث طيلة العرض، والمغادرة وإعادة الدخول وتبديل القاعات وقتما شاؤوا. مشاهدة فيلمين في آن واحد، وبقطع متقطّعة، مع تبديل الأجواء والتمتّع بالمشروبات في الصالة كانت تجربة محرّرة للغاية؛ فكّكت الهالة الأسطورية عن السينما الإيروسية عندما بدأ المشاهدون بالتعليق على المشاهد بصوت مرتفع وإطلاق النكات. وكان التحرّر نفسه متعلقًا أيضاً بالاستمتاع الجماعي بالمشاهدة في زمنٍ حقيقيّ.

مزج ثقافة السينما الجادّة مع الكينك والمرح ظهر جليّاً في اختيار أماكن العرض. كولوسيوم سينما كلاسيكية تقف كاستحضار لعظمة ما قبل عصر البثّ المباشر بستائرٍ مخملية حمراء ومَسرح محاط بإطار، بينما أُقيمت حفلة الختام في نادي Klub Verboten — نادي صديق للفيتيش يتم فحص روّاده بدقّة قبل السماح لهم بعضوية أو دخول غرف اللعب. في سنوات سابقة أقام المهرجان حفلات في أماكن مثل Ficken 3000، بار كوير حيث تشتعل الحفلة في الطابق العلوي، في حين تُخصّص الغرف المظلمة في الأسفل للحديث الحميمي واللعب الخاص.

ذائقة PFFB الانتقائيّة تشمل الكاوبوي والمرعب وأفلام الدرجة الثانية إلى جانب أفلام الفن والرسوم المتحرّكة. هذا العام برزت أفلام الجريمة بقوّة بحسب القائمين على البرمجة، كما احتلّ الوثائقي حيزًا بارزًا، بما في ذلك أفلام تصوّر الحياة الجنسية أو تُعيد استدعاء شخصيات محورية في تاريخ المثليّة والجنس.

يقرأ  رحيل مؤثرة وعضوة مجلس المدينة عن عمر يناهز ثلاثين عاماً

في مجموعة أولى، بطَل فيلم دينيس كوتيه «بول» (2025) يدير حساب إنستغرام بعنوان Cleaning to Save My Life، يستخدمه لملاقاة نساء مسيطِرات ينظّفنَ منازلهنّ مقابل جلسات س/م؛ الفلم، كما في عمل سريرام «فاك تويز»، يصوّر طقوس التنظيف المنغمس في الكينك بنبرة عفوية ومنعشة.

أما فيلم أنجيلو مادسن ميناكس «جسد للعيش فيه» (2024) فغارق بصريًا في سرد حركة ثقب الأجسام شبه المجهولة في كاليفورنيا سبعينيّات القرن الماضي عبر سيرة قائدها الروحي رولاند لوميّس المعروف بفاكير مسافار. يدمج الفيلم شهادات المشاركين مع روايات مسافار ومواد أرشيفية، بما فيها ظهوره التلفازي، ليتعمّق في صِلَة الألم الجسدي بالتسامٍ الروحي، وفي الوقت نفسه يتساءل عن تملّك زعيم الحركة لطقوسٍ من الشعوب الأصلية وجنوب آسيا واستغلالها.

من الأفلام الهجينة اللافتة هذا العام «إندلس» لوويتشيك بوش، حيث يُجسّد المخرج بنفسه تلاشي الحدود بين الإيروس والفن، مدمجًا السينما والتصوير الفوتوغرافي والتركيب والواقع الافتراضي في ممارسة واحدة. في «إندلس» يزاوج بصريًا تأملات شخصياته الميتافيزيقية واعترافاتهم بمرضٍ جوهريّ عميق الجذور مع لقطات لأفعال جنسية، فيعمل الفيلم كقصة أشباح تلامس الواقع، وتقدّم قلقًا وجوديًّا لأبطالها المتحوّلين وغير الثنائيين، الذين يشغلون معًا داخل شقق مظلمة في وارسو وبيتًا فخمًا في ألمانيا يملكه تاجر فنون كويري. يتحدّى بوش ضيق مفهوم الانتقال الجنسي كقصة خطية «قبل-وبعد»؛ خطّ الزمن الجسدي عنده ينزف إلى ما بعد الحياة، كأنّ شخصياته تتكلّم من وراء القبر، فتبني خيالًا شعريًا أوسع وأعمق.

بوش وصف PFFB في رسالة إلكترونية لصحيفة Hyperallergic بأنها «بروح بنك حقيقية»، وقد تعرف على المهرجان أول مرة في 2023 عبر رافال زفيرك، الشريك المؤسس لمهرجان Post Porn Arts في وارسو. زفيرك عرّفه على برونينغ، الذي ساعده في التعرّف على عالم المهرجانات، بما في ذلك العرض الدولي الأول في مهرجان روتردام السينمائي.

«كنت في غاية السعادة عندما دعا برونينغ فيلمي ليُعرض في مهرجان أفلام البورن في برلين، لأنني أعتبر هذا الحدث منصّة هجينة ثقافيًّا مهمة — يحتاجها المشهد اليوم،» قال بوش. «في ظلّ تصاعد الفاشية والقوميّة والحركات المعادية للمثليين، يشعر المرء أنه بحاجة إلى ميناء آمن للسينما المستقلة لصانعيها».

أضف تعليق