مَأْزِقُ الدِّعَايَةِ

في مركز الطباعة نيويورك يقف معرض بعنوان «وعي البيانات: إعادة تأطير السودية في الطباعة المعاصرة» عند مفترق حاسم. خلفية المعرض واضحة: جذوره في سلسلة من الرسوم البيانية التي وضعها دبليو. إي. بي. دو بوا حول واقع حياة السود اليومية بعد التحرر، والتي كانت مهيّأة للعرض في معرض باريس العالمي عام 1900. ما كان دو بوا يسميه «بورتريهات بياناتية» أعاد الفنان ويليام فيلالونغو والمخططي الحضري شرادها راماني تخيله كعمل فني بامتياز أكثر من كونه مشروعًا اجتماعيًا صرفًا. عملا على مجموعات من المحافظ البيانية باستخدام تقنيات الطباعة المختلفة، وحين حدّثا بياناتهما استعانا بباحثين سود، وعلماء اجتماعيين، وناشطين يعملون على دراسات تتعلّق بحياة السود الراهنة في الولايات المتحدة. كما أضافا إلى المشروع أعمالًا نحتية وفيديوية ونسيجية وتركيبية لفنانين مثل كاميلة جانان رشيد، طاهر هيمفيل، جوليا مالوري، وسيلاس مونرو.

المأزق المحوري هنا أن البيانات التي استند إليها مشروع دو بوا الأصلي كانت تهدف إلى إقناع الجمهور وقلب مواقفه. في إحدى صور المحفظة اقتبس فيلالونغو وراماني من دو بوا (1926): «هكذا كل فن هو دعاية وسيظل كذلك … أقف بلا خجل وأقول إن كل الفن الذي أملكه في الكتابة استُخدم دومًا كدعاية للحصول على حق السود في الحب والاستمتاع». لكن مشهديّة المعرض تتجاوز مجرد الإقناع؛ هي تسعى إلى تعقيد قراءتنا للبيانات وإجبارنا على إعادة التفكير في ما تَدلُّ عليه الأرقام والخرائط.

مثال على ذلك عمل رشيد التركيبى «Plot It/Point Moving» (2025): شاشة فيديو، مخططات مؤطرة، وصورٍ متناثرة بالأبيض والأسود لأشياء مثل الأيادي وشقائق ورق تحمل نصوصًا غير مكتملة. لا توجد جملة كاملة تقريبًا على هذه القصاصات؛ بدلاً من ذلك تتبدى أفكار هائمة ومحاولات للتقاط التناقضات، كما في عبارةٍ تقول: «الفرك: التناقضات والغمومات تندمج». التجربة البصرية هنا تفرض على المشاهد إتمام النقص بنفسه.

يقرأ  قطط معبرة تنبثق من خطوط جرافيت نابضة بالحياة في رسومات شو شين — كولوسال

الرسوم البيانية لفيلالونغو وراماني غالبًا ما ترفض الفهم السطحي السهل. لا أستطيع قراءة «Visualizando La Afrodignidad Skin Color & Race in Puerto Rico» بسهولة: حقل تدرّج لوني من الرمادي الفاتح إلى الداكن مقسوم بخطوط حمراء متموجة. وكما توضح التسمية التفسيرية، الهدف إظهار أن التمييز على أساس اللون في بورتوركو يؤثر سلبًا وبشكل غير متناسب على أصحاب البشرة الأغمق، لكن علىّ أن أؤخذ بكلامهم من باب الثقة.

ومن جهة أخرى، ثمة مخططات ناجحة بدقة عالية. خريطة للولايات المتحدة القارية ترمز توزّع السود بلغة لونية ذكية: تتجه إلى الظلمة حيث يتناقص التواجد، وتصير أكثر إشراقًا وألوانًا حيث تزداد الكثافة السكانية. وهناك مطبوعات تكاد تكون بلاغة واضحة جدًا، مثل الإنفوجرافيك «الأطفال السود الملتحقون بالمدارس الاستشارية والخاصة والعامة»، حيث يشير مدّ أحمر هائل تحت دوامات أصغر من الأصفر والأزرق إلى أن الأطفال السود يعتمدون على التعليم العام اكثر بكثير من أنواع التعليم الرسمية الأخرى.

ما ينجزه الفن المعروض هنا يتجاوز تأثير الدعاية بمراحل. فبقدر ما تسعى الدعاية إلى فرض وجهة نظر أحادية، يدعو المعرض المتلقي إلى التفكير بتعدّد الاتجاهات وأحيانًا بتضادها. التجربة تشبه لقاء جبل جليد للمعنى: مشاهدة بنية هائلة مع إدراك أن الجزء الأكبر منها مخفي وربما لا يمكن إدراكه كاملًا. هذا بالذات ما يفعله الفن في أفضل حالاته—حثنا على إدراك تعقيد الوجود الإنساني، حتى وإن أربكنا هذا التعقيد وأحاط بنا من كل جانب.

معرض «وعي البيانات: إعادة تأطير السودية في الطباعة المعاصرة» مستمر في مركز الطباعة نيويورك (535 ويست 24 ستريت، تشيلسي، مانهاتن) حتى 13 ديسمبر. أُنسق المعرض برعاية تيفاني إ. باربر.

أضف تعليق