شهدت المشاهد الفنية المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي — البحرين، الكويت، عُمان، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة — نمواً سريعاً بقيم مالية ضخمة خلال الفترة الأخيرة. بالنسبة للمشهد الفني العالمي، تُعدّ الأجيال المسماة بالميلينيالز وجيل زد، اللتان نشأتا مع تسارع التحضّر، رصيداً واعداً لم يُستغل بعد. في هذا الإطار تبرز نادين خوري، جامِعة أعمال فنية ومنسِّقة ومستشارة فنية مقيمة في دبي، وشركتها الاستشارية “ناسج” التي تحوّل المهنيين الخليجيين الطموحين إلى جامعين متمكّنين وفق أسلوبها: شغوف، صبور، ومقدّر للفن بوصفه أفضل سجل للإنسانية. ولدت خوري في قبرص وتلقّت تعليمها في الغرب؛ ونادين، وهي من جيل الألفية، انشأت في عام 2023 “دائرة الجامعين الشباب” التي تتيح للمتابعين فرصاً للتقارب مع الفن الإقليمي بشروطه الخاصة. تضمنت الفعاليات السابقة زيارات استوديو فنية، أمسيات طعام مع جامعين راسخين، وخروجات جماعية لافتتاح معارض في دبي ومحيطها. لمعرفة المزيد عن دائرة الجامعين الشباب ومستقبل الجمع في الخليج، حاورتها مجلة ARTnews حول البرامج والشراكات ومكانتها المتفائلة في مناخ ثقافي مزدهر.
مقالات ذات صلة
آرت نيوز: كيف بدأت فكرة دائرة الجامعين الشباب؟
نادين خوري: انطلقت الفكرة من المحيط الأقرب إليّ: أصدقاء ومجموعات من مهنيين شباب يعملون في مجالات مختلفة. لم يكن لدى كثيرين منهم معرفة واسعة بالفن خارج كوني أعمل فيه، فحبيت أُشركهم وأعرّفهم. منذ ذلك الحين نمت الدائرة عبر الكلام المتداول والشبكات الشخصية. أنشر كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي — محتوى قصير وبسيط قادر على استقطاب مدى الانتباه السائد حالياً. يأتي الناس إلى الفعاليات ويخبرونني أنهم عرفوا عن الدائرة من إنستغرام.
هل وُجدت مؤسسات في الخليج ألهمت عملكم؟
لم يكن هناك سوق مخصّص للجمعيين الشباب وجمهور أصغر سناً ليتعلم أكثر عن الفن. مؤخراً تغيّر ذلك بظهور أندية ومبادرات مثل 1833 كلوب وذا آرت سيركل، لكنها تعمل بنظام العضوية، أما مساحتي فليست كذلك. مساحتي أشبه بمكان مفتوح للجميع. فكّرت في اعتماد مستويات عضوية لدائرة الجامعين الشباب، لكني لم أطلقها بعد؛ أتردّد لأنني أشعر أنني خلقت مساحة آمنة.
كيف قادك مسارك الشخصي إلى تأسيس الدائرة؟
بين 2015 و2017 عملت في Green Art Gallery في دبي. بعد سنتين أدركت أنني أرى نفس الجامعين يعودون دائماً لشراء الأعمال. توقفت وفكّرت: السبب أن الشباب من جيلي لم يتلقّوا تربية أو تعليماً يبرز أهمية الجمع أو دلالته الثقافية. وبقائي في الامارات سمح لي بالتعارف على شباب من خلفيات متنوعة، كلهم يمتلكون إمكانات حقيقية لأن يصبحوا جامعين ومشاركين في المشهد الفني.
كيف صممتِ برنامج الدائرة؟
من البداية رغبت في تفكيك الصورة القائلة إن الفن ترف ورفاهية. سمعتُ كثيرين يقولون إنهم يخشون حضور فعالية لأنهم «لا يعرفون شيئاً عن الفن». لذا بنَيت برنامجاً يشمل جولات في استوديوهات الفنانين أو لقاءات مع أصحاب الصالات. كانت البادرة الأولى مع Tabari Artspace في دبي، حيث عرضت الفنانة اللبنانية شغاف غدار أعمالها، قدّمت جولة وناقشت تطورها الفني. تطرقنا أيضاً إلى كيفية تغذية كل إمارة لسوق الفن في الدولة: تحدثنا عن الشارقة، وأبوظبي كمجال ذو طابع دولي، ودبي بمعظم معارضها التجارية وبعض استوديوهات الفنانين. كانت تجربة رائعة لكنها تحوّلت إلى محاضرة إلى حد ما؛ وكنت أروم أن يلتقي الناس بعضهم ببعض بطريقة أكثر ودّية.
وكيف أنشأتِ ذلك الجو الودّي؟
حدّدت الحضور حتى خمسة عشر شخصاً. لم أرغب أن يكتفي الناس بإيجاد «زميل فن» يحضر معهم الفعاليات، بل أردت أن تنهار الحواجز بين الجامع والفنان وصاحب الصالة. في دورة لاحقة تعاونت مع نادٍ للولائم وأقمنا فعالية في بيت عائلي قديم حوله أخوان إلى صالة ومعمل فني بالقرب من الشارقة يُدعى بيت الممزر. بين كلّ طبق وآخر كنّا نزور الاستوديو، وكانت الأسئلة مفتوحة وحماسة الجمهور واضحة. أحد المشاركين أرسل لي بعد أشهر صوراً لأعمال اشتراها بعد أن ألهمته تلك الزيارة. التركيز على التعليم يبعد الجامعين الشباب عن فكرة أن الفن موجود فقط في المعارض. وفي دورة أخرى رغبت في توسيع آفاقهم مع Atassi Foundation، وهي مؤسسة غير ربحية في دبي تركز على الفن السوري؛ كان لها معرض في مساحة تُعرف بـ«فاوندري»، فزرناهم وشرحوا للدائرة ما تقوم به المؤسسة — وكان الأمر جديداً لكثيرين لأن الأعمال لم تكن معروضة للبيع، والأسئلة التي طُرحت كانت مثيرة للاهتمام.
ما نوع الأسئلة التي وُجهت إليكم؟
أغلبها كان عن كيف تبني المؤسسة مجموعتها، أو عن بنية المؤسسة نفسها: من يقوم بالبحث؟ من أين يطلعون على الأعمال؟ يتسع أفق المعلومات ويبدّل وجهة نظر الجامعين. في الربيع الماضي، خلال شهر رمضان، نفذت سلسلة لقاءات تناولنا فيها شاي الكرك كعادة محلية وزرنا استوديوهات فنانين. حقيقة إمكانية زيارة استوديوهات الفنانين — أو أننا نملكها أصلاً — ليست مروّجة بما يكفي هنا.
وتأخذون الدائرة لالتقاء جامعين أكثر رسوخاً أيضاً؟
نعم، ونفعل ذلك باستمرار. أتعاون مع نادٍ محلي للولائم وجامع يملك مجموعة كبيرة في دبي تُعرف بمجموعة ييس (عائلة السيداوي). لديهم فيلتان متصلتان بحديقة تشكل مساحة عرض ومنزل معاً. أدير نادي العشاء وأضع نشاطًا لكسر الجليد على مقعد كل شخص، يتناول فكرة كيفيّة أن تعيش مع الفن داخل بيتك. هناك نوع من الوصمة المرتبطة بهذا الموضوع، تتعلق بالخط الفاصل الدقيق بين التصميم الداخلي والفن؛ وهو حاجز آخر أحاول تفكيكه.
عندي علاقة حبّ وكراهية بفكرة إقامة آرت بازل في قطر. أميل إلى رؤية معارض فرعية محلية ناشئة في المنطقة بدلاً من ذلك؛ من الأفضل أن تظهر معارض جديدة تدعم صالات عرض أصغر تسلّط الضوء على فنانين في بداياتهم، وأعمالهم تكون أكثر قدرة على تحمّل الشّراء بالنسبة لمقتنين شباب. أخشى أن آرت بازل سيستهدف شريحة واحدة محدّدة من السوق. ومع ذلك، لا ينبغي أن نرفض هذا النمو كليًا، لأنه يبقى تطورًا في سوق فنون الخليج وعلى مستوى أوسع في الشرق الأوسط.
هناك تقليد طويل لذهاب شباب من العالم العربي للدراسة في الغرب وبقاء كثيرين منهم هناك. لكن في السنوات الأخيرة، خصوصًا في السعودية، عاد كثيرون للعمل في مشهد فني آخذ في التنامي. جئت قبل عشر سنوات وشهدت مدى ضآلة المشهد آنذاك؛ كانت الفرص محدودة جدًّا. اليوم يعود شباب لتوهم من لندن أو الولايات المتحدة ويتساءلون: إلى أين نتوجه؟ طويلاً بقينا نحن محترفو الفنون من العرب في الغرب. آمالي أن تمنح المؤسسات—سواء كان غوغنهايم أبوظبي أو آرت بازل قطر أو صالات دبي—فرصًا للشباب العرب الذين يملكون إمكانات نمو كبيرة.
هل أودّ أن أعمل على مشاهد فنية خليجية أخرى؟ البحرين، بنسبة مئة في المئة. لي ارتباط خاص بها، جزئيًا لأنني عشت هناك، وجزءًا بسبب الحوارات المستمرة مع الناس هناك اليوم. هناك شخص رائع يُدعى بدر السعّاد يعمل مستشارًا في الفنون والثقافة ويقوم بتنظيم معارض مؤقتة. نتحدث دائمًا عن نقص التمويل للفنون والثقافة في البحرين، مع وجود عدد كبير من الفنانين الممتازين. نعم، جرت استثمارات، ولكن، للأسف، ليست على مستوى السعودية أو الإمارات. وضعت البحرين في المقلاة الخلفية رغم أنها جزيرة في قلب الإمكانات الكبيرة التي ناقشناها.
في معرض حديث عن الحداثة الخليجية في صالة فنون جامعة نيويورك أبوظبي، أكّد القيمون على المعرض أن العرض لم يكن ليتحقق لولا إعارات من جامعين خاصين. كيف تتحدث مع المقتنين الشباب عن فكرة الإعارة للمؤسسات؟ عملت على معرض في البحرين بالتعاون مع السركال أفينيو، والمتحف الفلسطيني، ومؤسسة بارجيل. طلبت من جامعين محليين إعارة أعمال، وكان ذلك نقطة أساسية في المحاضرة التي قدّمتها. عندما تجمع فنًا، فأنت تجمع جزءًا من التاريخ. إذا أخرجت مجموعتك من منزلك، فإنها تصبح جزءًا من حوار أوسع. الجامعون الأقدمون يدركون ذلك، أما الجامعون الجدد—ولا أعني بالجديد العمر وحده—فيحتاجون لتعلّم كيف يمكن لمجموعتهم أن تصبح جزءًا من معرض مثل ذلك الذي أقامته جامعة نيويورك.
هل يتجاوب المقتنون مع هذا الطرح؟ كانت الاستجابة ممتازة، رغم أن الأمر بدا غريبًا في البداية؛ يسألون: «كيف تفرّط بعمل ليذهب إلى مكان آخر؟» لكن تخيّل أنك تشتري عملًا من منطقة تعاني انعدام الاستقرار السياسي، وتعلم أن شرائك قد أنقذ القطعة من التدمير. الشراء يحتفظ بهوية الفنان وتاريخه معنا، وتنتقل قصته عبر المعارض والمتاحف حول العالم، مما يضمن أن تظل حية. إنها رسالة جميلة.