سيال فلويَر — رحلت يوم الخميس عن عمرٍ ناهز 57 عاماً. اعلنت غاليري “إستر شيبر” في برلين، التي كانت تمثلها إلى جانب مَعارضٍ مثل Lisson و303، أنّ وفاتها جاءت بعد صراع طويل مع المرض.
اشتهرت فلويَر بأعمالٍ نِحِيلةٍ متقشفةٍ تجمع بين السحر والإرباك. انخرطت في تقليدٍ طويلٍ من الفنّ المفاهيمي الممتدّ منذ ستينيات القرن الماضي، وكانت تصنع تماثيل من أشياءٍ مألوفة — سلالم، مظلات، مصارف، إيصالات — لتسائل ما الذي يحدث للمنظور اليوميّ حين يُرتقى إلى صفة العمل الفنيّ.
عملها غالباً ما حمل طابعاً لاذعاً من الطرافة الجافة. أشهر أعمالها “مفتاح النور” (Light Switch، 1992–1999) اعتمد على جهاز عرض يرسل صورة لشريحة 35مم تُظهر مفتاحَ ضوءٍ على الحائط؛ ما عُرض لم يكن مفتاحاً حقيقياً بل صورةٌ له — وهو تفنّنٌ في التناقض إذ أن المحاكاة القائمة على الصورة تُتَحقّق عبر ضوءٍ كهربائي. وفي “الدلو” (Bucket، 1999) صاغت دلوًا بلاستيكياً مع سلكٍ يدخل إليه، بداخله جهاز تشغيل أقراصٍ مضغوطة يشغّل تسجيلاتِ قطّرات ماء؛ لا ماء حقيقيّ هنا، بل وهمُه فقط.
عن عملها قالت فلويَر: “أعتبر الأشياء التي أصنعها انعكاسية بذاتها؛ فهي ليست بالضرورة عن شيءٍ خارج العمل نفسه وسياق إنتاجه، وأعني ذلك سواء من ناحية صنعه أو من ناحية عرضه. يصبح فعلُ صنع العمل والنتيجةُ المترتّبة على عرضه أمرين لا ينفصلان.”
كانَت تتوخّى أحياناً عناصرَ آدائية في أعمالها. “حبرٌ على ورق (فيديو)” (1999) فيديو مدّته 52 دقيقة يظهرها وهي تمسحُ بقلمٍ ماركر على ورقة؛ لا يحدث كثيرٌ سوى تحول الصفحة البيضاء إلى سوداء. و”Nail Biting Performance” (2001) كان مشهداً بسيطاً: تقف الفنانة على خشبة المسرح قبل عرضٍ لموسيقىٍ من باخوفن وسترافينسكي في قاعة سمفوني برمنغهام، وتباشر قضمَ أظافرها ثم تغادر المشهد؛ في كلا العملين تغرّب فلويَر المتلقّي بإمكانية حدوث شيءٍ ما قبل أن تقوّض تلك التوقّعات.
من أعمالها المصوّرة: Ceal Floyer، Monochrome Till Receipt (White)، 1999. تصوير: Stefan Rousseau/PA Images عبر Getty Images.
كتب الناقد نيكو إسرائيل في مجلة Artforum عن عرضٍ لها في 2000 أنّ “عمل فلويَر في بدايته لا يبدو كثيراً للعيان. يتطلّب نظرةً مضاعفة، بل ثلاثة، عمليةً من الإدراك الغريب لقراءة الصورة. ومع ذلك فالقليل في فنّها مخفي.”
عُرضت أعمالها على نطاقٍ واسع؛ شاركت في بينالي البندقية 2009 ودُوكومنتا 2012، كما في بيناليات شنغهاي، ليفربول، إسطنبول، وزيورخ. في 2007 نالت جائزة Preis der Nationalgalerie، أهمّ جائزات الفن في برلين، حيث كانت تقيم حتى وقت عزائها. وقد أُجري معرضٌ استعراضي لأعمالها في متحف الفن المعاصر في نورث ميامي عام 2010.
ولدت في كراتشي، باكستان، عام 1968 ونشأت في إنجلترا. درست في كلية غولدسميثز بلندن وتخرجت في منتصف التسعينات، الفترة التي كانت فيها الكلية بوتقةً حامية للتيّارات المفاهيمية الجريئة. كان أحد أوائل معارضها الفردية في 1996 لدى Gavin Brown’s Enterprise في نيويورك، والمجلس التالي أتى في 1997 مع معرض Lisson، وهو الأوّل من بين سبعة عروض منفردة أقامتها مع هذا المعرض طوال حياتها.
في عملٍ آخر بعنوان Taking a Line for a Walk استعملت آلةً تُستخدم عادةً لرسم الخطوط على ملاعب الرياضة؛ سحبتها حول الفضاء حتى نفدَ الطلاء عنها، محوِّلة نشاطاً وظيفياً بسيطاً إلى حدثٍ بصري وتفكيري.
على الرغم من جمودِ بعض أعمالها الشكلاني فإنّها حملت في باطنها حسّاً عاطفياً خافياً. قطعة الصوت ’Til I Get It Right (2005) التي عرضتها في دُوكومنتا استندت إلى كلماتٍ غنّتها تامي وينيت: “I’ll keep on falling in love ’til I get it right.” تتكرّر العبارة لتلمّح إلى تكرار الفشل في بلوغ النجاح. و”Fallen Star” (2018)، إسقاط نجمة على أرضية معرض، واصل تلك المواضيع واستند أيضاً إلى أغنيةٍ — “Catch a Falling Star” بصوت بيري كومو — التي تتحدّث عن التمسّك بالأمل في وجه الظلام عبر التمسُّك بالنور. لكنها، كما قالت في مقابلةٍ مع Studio International، لم تدرك نبرة الحزن في الأغنية إلّا بعد أن انتبهت إلى كلماتها، وأضافت ببساطة: “العمل ليس مقصوداً به أن يكون عاطفياً.”
تركت فلويَر إرثاً من التلاعب البصري والفكري؛ أعمالٌ تبدو في ظاهرها متقاعدة وبسيطة، لكنها تُعيد إنتاج طرائق رؤية الأشياء والعلاقات بين الشيء وصورته. مع رحيلها يفقد المشهد الفني صوتاً صارماً ولبقاً يواصل طرح الأسئلة عن حدود الفنّ ومعانيه، ويفتح الفرصة لإعادة قراءتها في سياقاتٍ جديدة تتغيّر معها قراءاتنا وفهمنا لمعناا الأشياء.