ملاحظة المحرر: هذه المادة جزء من سلسلة جديدة تتقصى تلاقي الفن والرفاهية. انظروا تغطيتنا الكاملة للموضوع.
لا حاجة للبحث بعيداً: دور المزادات تقدّم الدليل الأقوى على تداخل الفن والترف بشكل متزايد. في عام 2025، خففت سوتبيز وكريستيز من وطأة تراجع مبيعات الفن عبر توسيع رهاناتهما على سوق السلع الفاخرة. الحقائب اليدوية والمجوهرات والساعات والسيارات — كل هذه الفئات تُمثل الآن حصة كبيرة من عائدات دور المزاد؛ فبنسبة تقارب الثلث من إجمالي إيرادات سوتبيز جاءت من مبيعات السلع الفاخرة، مع قفزة في المبيعات الخاصة تصل إلى 350٪ على أساس سنوي. وكريستيز ليست بعيدة كثيراً؛ فالترف يشكّل نحو ربع إيراداتها الإجمالية.
وليس الأمر محصوراً بالمزادات فقط. معارض الفن أيضاً وسّعت شراكاتها مع علامات الرفاهية في 2025. ومع تقاطر برامج المعارض المزدحمة هذا العام، لم تعد دور الأزياء الفاخرة تكتفي بدور الراعي على الهامش؛ بل باتت شركاء مدمجين بالكامل في بنية الفعالية.
في فرِيز لندن، وعلى امتداد فروع آرت بازل العالمية (باريس وبازل ومياميبيتش)، باتت العلامات الفاخرة تدعم أقساماً منسقة، مبادرات إرشادية، منصات تجريبية غامرة وعملاًّ ضخمة منفّذة بالعمولة. من دعم تيفاني لمبادرة “فنان لفنان” التي تربط بين فنّانين مخضرمين وناشئين، إلى شراكة راي-بان كجهة راعية رسمية في آرت بازل ميامي التي أنشأت “نادي راي-بان” كمكان تفاعلي يمزج الفن والموسيقى والأسلوب — تثار هنا تساؤلات واضحة: هل هذه العلاقات مجرد استراتيجيات تسويقية متقنة، أم أنها تضيف قيمة حقيقية لمنظومة المعارض الفنية؟
الجواب، حسب مارك سبيغلر الذي شغل منصب المدير العالمي لآرت بازل لمدة خمسة عشر عاماً ويعمل اليوم كمستشار استراتيجي ثقافي، يتوقف على مدى استعداد العلامات للتراجع عن تصدر المشهد لصالح الفكرة الفنية. قال إن شراكات علامات الرفاهية قادرة فعلاً على إنجاز مشاريع مهمة لم تكن لتتحقق بدون تمويلها، مشيراً إلى أمثلة راسخة في أجندة العالم الفني مثل رعاية بنك يو بي إس لقطاع “أنليميتد” في آرت بازل، وبرنامج “آرت جيرني” لبي إم دبليو، وصندوق شانيل الثقافي. وأضاف أن هذه المشاريع عادةً لا تربط مباشرة بالمبيعات، وغالباً ما تضع الفنانين في المقدمة قبل العلامة.
على مدار الاثني عشر شهراً الماضية أصبح مبدأ “الفنان أولاً والعلامة ثانياً” بمثابة مقياس لدى المعارض التي تتعامل مع شبكات رعاية مزدحمة في سوق مُتحفّظ. فرِيز، التي افتتحت هذا العام وسط تقاطعات كثيفة للأنشطة التي تقودها العلامات في المدينة، كانت صريحة في تأطيرها لهذه العلاقات: شركاء الموضة في فرِيز هم متعاونون، لا مجرد رعاة. هم مدمجون في المعرض من خلال أقسام منسقة وصالات ومبادرات تُعد جزءاً أساسياً من هوية المعرض.
أشارت إميلي غليزبروك، المدير التجاري لفرِيز، إلى دعم ستون آيلاند لقسم “فوكس” المخصص للمعارض الأصغر سناً، وإلى تيفاني ومبادرة “فنان لفنان” التي تبرزها. هذه الشراكات، بحسبها، تعكس التزام فرِيز ببناء مجتمع يعزز حضور الفنانين ويزيد من رؤيتهم. وتأتي مشاركة تيفاني في مبادرة “فنان لفنان” (التي تدخل عامها الثالث) متوافقة مع هذا المنظور، إذ تركز على ترشيح الأقران، والحوار بين الأجيال، وعروض فردية للفنانين الصاعدين مع وجود محدود للعلامة التجارية داخل مساحة العرض. كذلك تبنّت دي بيرز نهجاً متحفظاً في شراكتها الأولى مع فرِيز ماسترز هذا العام عبر عرضٍ فيديو يوثق التاريخ الجيولوجي والثقافي للألماس الطبيعي، عُرض باعتباره استكشافاً للزمن العميق لا عرضاً لمنتج تجاري، فموقعه داخل مادة تاريخية لا يجعله غريباً عن قسْم الماسترز.
في المقابل، كانت بعض الشراكات أقرب إلى خط التوازن بين الإنتاج الثقافي وبناء العلامة. على سبيل المثال، لم تتعاون برادا بشكل مباشر مع فرِيز، لكن ناديها المتنقل الخاص “برادا مود” أطلق حدثاً يجمع الفن والترف تزامناً مع المعرض في لندن، بتعاون مع ثنائي الفنانين إلمغريند ودراغست، مواصلاً علاقة تعود إلى عملهما الشهير “برادا مارفا” عام 2005. قدم “برادا مود” تجربة غامرة للزوار تضمنت عروض أفلام ومحاضرات وتركيبة سينمائية بعنوان “الجمهور”، فضلاً عن كونها مساحة هجينة لا تندرج ببساطة تحت بند البيع أو المعرض التقليدي — مشروع لا يمكن تصوره من دون دعم مؤسسي لكنه أيضاً ليس مجرد أداة ترويجية.
إذا كانت فرِيز لندن بمثابة ساحة اختبار لهذه الشراكات، فإن آرت بازل باريس كانت المكان الذي اكتملت فيه ملامحها، حيث آلت فعالية المعرض إلى قصر جراند باليه الزجاجي واندمجت تماماً مع هوية باريس كمركز عالمي للفن وملتقى للموضة والترف. العلامات لم تعد أمراً جانبياً في البرنامج العام بل جزءاً لا يتجزأ منه.
من أمثلة هذا الطموح كانت “30 ثلجة” عملاً واسع النطاق للفنانة الحائزة على جائزة ترنر، هيلين مارتن، مُكلفاً من قبل دار الأزياء الإيطالية ميو ميو كجزء من برنامج آرت بازل باريس العام، وعُرض في قصر إينا مجانيّاً للجمهور كمركب متعدد القنوات يُفعل دورياً بواسطة 30 مؤدّياً، جامعاً بين الفيديو والنحت والموسيقى والأداء الحي. كما لعبت ميو ميو دور الشريك الرسمي لبرنامج المعرض العام، بينما جذبت لويس فويتون الحشود بخط حقائب “آرتيكابوسين” المصممة من قبل الفنان الياباني تاكاشي موراكامي. «لأكون صريحاً تماماً، تقديم عرض من هذا النوع في معرض فنّي بوصفك فناناً أمر يملأك بالتوتر»، هكذا عبّر، مشيراً إلى أنه قبل عقدين من الزمن تعرّض لانتقادات بسبب إدراج شعار لوي فيتون في بعض لوحاته. وأضاف أن الجمهور دائماً ما يتساءل عما إذا كان يجب أن يتحوّل الفن إلى سلعة تُسوّق تجارياً بهذه الدرجة.
اوديمار بيجيه واصل انخراطه الثقافي المستمر داخل المعرض، واحتوى متجر آرت بازل المصغر على تعاونات مع فنّانين جنباً إلى جنب مع منتجات فاخرة تعرض حواراً بين الإبداع والسلعة.
بالنسبة إلى فينتشينزو دي بيليس، المدير الفني ورئيس العمليات العالمي للمعارض في آرت بازل، فإن هذا التقارب يعكس تحولات أوسع في الممارسة المعاصرة: «الفن المعاصر اليوم أكثر عابراً للتخصّصات مما كان عليه سابقاً»، وأضاف أن هذا العبور يشمل الأزياء والتصميم والصورة المتحركة والموسيقى.
أظهر عام 2025 أن استراتيجية الجمهور تحتل مرتبة محورية في هذا الالتقاء. فالمعارض التي تُقام في عواصم الفن العالمية تستقطب جمهوراً دولياً ذا وعي ثقافي يجعلها بيئة جدّ جذّابة للعلامات الفاخرة، كما أوضحت غلازبروك.
يشير استطلاع آرت بازل و«يو بي إس» لجمع المقتنيات العالمي إلى أن الجامعين الأصغر سناً، ولا سيّما النساء، يقودون النمو ويميلون إلى جمع أعمال عبر فئات متعددة من الفن والتصميم إلى المجوهرات والساعات والأزياء. للعلامات التجارية، توفر المعارض وصولاً ثقافياً مركزياً، وللمعارض، تمنح رعاية العلامات ثباتاً وانتشاراً أوسع.
ومع ذلك، يظل سؤال التوازن قائماً. فقد حذّر سبايغلر من أن مقياس النجاح الحقيقي يكمن في طول النفس والضبط الرزين؛ إذ إن أنجح الشراكات هي تلك التي تستمرّ خارج أطر الرؤية الموسمية وتقاوم إغراء تحويل الفنانين إلى أدوات ترويجية.
كلما توسّعت المعارض جغرافياً وسعَت العلامات الفاخرة إلى نيل شرعية ثقافية وسط تغيّر سلوك المستهلكين، قد يصبح التمسك بهذا الضبط العصبي أكثر صعوبة. الجوع إلى الحقائب وغيرها لا يكاد يُشبَع، ولذلك سيكون من المثير مراقبة ما إذا كانت تعاونات الفخامة في هذه المعارض ستطرأ عليها انعكاسات تطغى على العمل الفنّي ذاته.
راقبوا الساحة في 2026، لا سيّما الميغا معارض الجديدة التي ستنطلق في الخليج، وخصوصاً فريز أبوظبي وآرت بازل قتر. المنطقة تشهد ازدهاراً في سوق الفخامة: فحسب تقرير حديث أصدرته مجموعة شلهوب ومقرّها دبي، قفز السوق بنسبة 6 بالمئة العام الماضي ليقترب من 13 مليار دولار، ومن المرجّح أن تدفع هاتان الفعاليتان هذا الرقم إلى مستويات أعلى.