مظاهرة حاشدة تُشل غرب القدس وتُجمع مئات الآلاف
شارك نحو 200,000 شخص في تظاهرة كبيرة أوقفَت حركة الحياة في غرب مدينة القدس، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية، في احتجاج طالَب بقاء الإعفاء الممنوح للمتدينين الحريديم من الخدمة العسكرية.
خرج عشرات الآلاف بمسيرات في شوارع القدس حاملين لافتات رافضة للتجنيد، وكان معظمهم من الرجال المرتدين البذلات السوداء والقبعات التقليدية. أغلق المحتجون محاور مرورية رئيسية وأشعلوا أجزاء من حِشَف القماش (أقمشة مشمع) خلال تظاهرات الخميس، وفق التقارير المحلية.
وعُيِّنَت فرقتان كبيرتان من الشرطة — ما يزيد عن ألفي شرطِي — للتعامل مع الاحتجاجات. وأعلنت الشرطة أن مراهقًا واحدًا توفّي بعد سقوطه من بناية قيد الإنشاء بجوار مكان التجمّع، في حادث عزته إلى ظروف التظاهر رغم طابعه السلمي في المجمل.
وأظهرت لافتات في المظاهرة عبارات مثل «الشعب مع التوراة» و«إغلاق المدرسة الدينية — حكم بالإعدام على اليهودية»، فيما اعتبر المشاركون أن حملات التجنيد الحديثة تمثّل تهديدًا لأسلوب حياتهم الديني.
التظاهرة تأتي بعد حملة حكومية صارمة شملت إرسال آلاف أوامر الاستدعاء للمتدينين الحريديم في الشهور الماضية واحتجاز عدد من المتخلفين عن الخدمة. وقال شموئيل أورباخ، أحد المتظاهرين، إن «الآن من يأبى الذهاب إلى الجيش يُنقل إلى سجن عسكري»، وأضاف: «هذا ليس فظيعًا بحكم التجربة، لكننا دولة يهودية؛ لا يمكنك محاربة اليهودية داخل دولة يهودية — هذا لا ينجح».
سجلٌ تاريخي وإشكاليات سياسية
النقاش حول الخدمة العسكرية ومن يُعفى منها يثير توترات ممتدة في المجتمع الإسرائيلي وقد أصبح معضلة سياسية حكومية، خصوصًا في ظل حرب الدولة المستمرة منذ عامين على غزة.
منذ تأسيس الدولة عام 1948، سُمح عمليا للرجال المكرّسين للدراسة الدينية بدوام كامل بالتأجيل من الخدمة، حينما كان الحريديم مجتمعًا صغيرًا نسبيًا. اليوم يشكّلون الحريديم نحو 14% من اليهود في إسرائيل، أي نحو 1.3 مليون نسمة، ويستفيد حاليًا نحو 66,000 رجل بالغ من الإعفاء.
تصاعد الاستياء من هذا الإعفاء مع توسيع دوامة الصراعات الإقليمية — في غزة ولبنان وفي سياقات متوترة مع إيران منذ 2023 — وتصاعدت أرقام القتلى العسكريين إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.
حكم قضائي وتداعيات حكومية
في حكم صدر العام الماضي قضت المحكمة العليا بالإجماع بوجوب بدء تجنيد الرجال الحريديم، معتبرةً أنه ما لم يُسن قانون يميّز طلاب الحِقَر(المدارس الدينية) عن المُلزمين بالخدمة، فإن قانون التجنيد الإلزامي يسري عليهم كأي مواطن آخر. (ملاحظة: المدرسة الدينية تُعرف باليشيفا لدى المجتمع اليهودي المتدين.)
قرار المحكمة كان له أثر مزعزع لاستقرار ائتلاف بنيامين نتنياهو الحكومي؛ ففي يوليو انسحب حزب الحريديم متحدو التوراة (United Torah Judaism) من التحالف اليميني الهش، ما ترك نتنياهو بأغلبية متذبذبة في الكنيست.
يسعى البرلمان منذ ذلك الحين إلى صياغة مشروع قانون جديد للتجنيد، لكن الجهود فشلت حتى الآن في التوفيق بين مطالب الحريديم ومتطلبات جيش يعاني ضغوطًا عملياتية.
مآلات سياسية وقادمة انتخابية
من المقرّر أن تُجرَي انتخابات عامة في موعد أقصاه أواخر أكتوبر 2026؛ وقد سُجّلت بالفعل أكثر من أحد عشر حزبًا جديدًا، فيما يواصل معارضو نتنياهو البحث عن صيغة لإزاحته عن مقعد الرئاسة. وتبقى مسألة التجنيد إحدى القضايا المركزية التي قد تعيد تشكيل التحالفات السياسية والشارع الإسرائيلي خلال الشهور القادمة.
صور جوية أظهرت تجمعات واسعة للحريديم على جسر الكوردز وفي محيطه خلال الاحتجاجات، ما عبّر بصريًا عن حجم التحشيد الشعبي ومؤثراته على المشهد المدني في القدس.