أزمة التعلم الثمن الحقيقي لتجاهل التعليم

الفضول والتفكير النقدي والتعاون أمور حاسمة

حسب تقرير اليونسكو وبطاقة متابعة الهدف الرابع للتنمية المستدامة 2025، هناك نحو 272 مليون طفل وشاب حول العالم خارج نظام التعليم — أي غير مُسجلين في أي مستوى تعليمي (ابتدائي أو ثانوي أو أعلى ثانوي). تعليم هؤلاء أقل تكلفة بكثير من إرسال صواريخ إلى الفضاء، ويحقق عائد استثماري أعلى إذا ما اعتبرنا المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بعيدة المدى. كل سنة دراسية إضافية تزيد متوسط الدخل مدى الحياة بنسبة تتراوح بين 9% و10%، وتخفض وفيات الأطفال، وتمنح الأفراد قدرة حقيقية على المشاركة في تحولات مجتمعية واسعة. بينما تُنفق تريليونات على مشاريع علمية ذات تغطية إعلامية عالية — وهي ملهمة بالطبع — فإن تأثيرها يطال فئة ضيقة من السكان. التباين واضح: في حين ينظر البعض مبهورين إلى التكنولوجيا في المدار، يبقى الملايين من الأطفال محصورين على الأرض فيما يتعلق بفرص التعلم نتيجة أزمة التعلم.

ومع ذلك، حتى بين الأطفال الملتحقين بالمدارس تستمر أزمة التعلم. تُشير اليونسكو إلى أن نحو 617 مليون طفل ومراهق حول العالم لا يحققون الحد الأدنى من الكفاءة في القراءة والرياضيات. هذه الأزمة الصامتة للتقصير التعليمي؛ فالتحاق المدرسة وحده لا يكفي. المدرسة التي توجد بلا تعلم فعّال تشبه مبنى بلا ضوء. هنا يمكن لصناعة التعلم أن تتدخل ويجب أن تتدخل. التكنولوجيا والمناهج المبتكرة والأساليب التربوية الجديدة لم تعد أفكارًا مستقبلية فحسب؛ بل أدوات يمكن نشرها اليوم لتوسيع الوصول وتحسين النتائج بصورة جذرية.

قلب الفصل، قلب النظام

نموذج الفصل المقلوب يعكس التعليم التقليدي: يتفاعل التلاميذ مع المواد الجديدة عبر فيديوهات ومحتوى رقمي وتمارين تفاعلية خارج الصف، فيما يُستخدم زمن الحصة للتعاون والإرشاد والتدريب الموجَّه.

يقرأ  إجلاء نحو نصف مليون شخص عالقين بعد فيضانات عنيفة في باكستانأخبار أزمة المناخ

لكن لجعل ذلك فعّالًا حقًا ولتفادي أزمة التعلم يجب أن يتحول المعلمون أنفسهم في طريقة تعاونهم. كثيرًا ما يتبع المعلمون أنظمة قديمة، اختبارات معيارية ومنهجيات جامدة لا تعكس واقع الأطفال الذين يخدمونهم. يشعرون بالعزلة، أو بالقيود، أو بفقدان السلطة بسبب سياسات تحد من الإبداع.

في سيناريو الفصل المقلوب يصبح المعلمون شركاء في خلق نظام تعلم بدلاً من أن يكونوا تروسًا في آلة. تسريع النتائج وتحسين المشاركة يتحقق عبر شبكات المعلمين التي تتبادل الاستراتيجيات والرؤى والتكييفات المحلية. ما نجح في قرية هندية يمكن تكييفه من قِبل زميل في البرازيل بما يتناسب مع الثقافة والموارد المحلية. مجتمعات التعلم المهنية، منصات التعاون عبر الإنترنت، وبرامج الإرشاد بين الأقران تصبح هياكل حاضنة للابتكار النظامي.

عندما يتحد المربون، لا يبقى التعليم مهمة فردية بل مهمة جماعية لرفع مستوى كل متعلِّم. العائد عميق: الأطفال الذين يتلقون توجيهًا ذا معنى وتعلمًا مُخصَّصًا يزدهرون ويتخرجون ويساهمون في المجتمع، مضاعفين فوائد كل دولار وكل ساعة وكل مورد استثمرناه — حتى لو بدا أن بعض هذه الموارد أقل بريقًا من إنفاق على مشاريع أخرى.

الفضول + التفكير النقدي = التفوق الإنساني

المعلومة في كل مكان، لكن الفهم ليس كذلك. يشعل الفضول الاكتشاف؛ والتفكير النقدي ينقحه. أحدهما بلا الآخر يقود إما إلى تجوالٍ بلا هدف أو إلى يقينٍ جامد. الآلات قد تُقدّم أجوبة، لكن البشر هم من يعطون المعنى.

في عالم يغرق بالبيانات والوقائع والملخّصات المولّدة آليًا، يكمن التفوق الإنساني في صقل عقول تسأل وتُحلّل وتبتكر. لصناعة التعلم مسؤولية أخلاقية واستراتيجية في إعطاء الأولوية لهذا التحوّل، وتصميم حلول تطوّر ليس المعرفة فحسب، بل الحكمة والقدرة على حل المشكلات.

نداء للعمل لقادة صناعة التعلم

يقرأ  مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ اتفاقاً يهدف إلى إنهاء الإغلاق الحكومي

المستقبل لا يُبنى على المحتوى وحده، بل على الفضول والتفكير النقدي والشجاعة لتغيير أنظمة قديمة. كقادة في قطاع التعلم أمامنا خياران: إما الاستمرار في اتباع الدليل القديم، أو الاتحاد والتعاون وتصميم تجارب تمنح المتعلمين تمكينًا حقيقيًا. الأنظمة الاجتماعية التقنية الحالية تحتاج بيانات أكثر، لكن المستقبل يحتاج إلى مربين ومبتكرين جريئين قادرين على إشعال العقول.

الاجيال القادمة تعتمد علينا. ابدأوا في صناعة التغيير اليوم: شاركوا أفكاركم، تحدّوا الفرضيات، وتقدموا بالمحادثة لأن الفضول والتفكير النقدي هما أعلى استثمار عائدًا يمكن للبشرية القيام به. كل نظام نحسّنه، وكل فصل نشحنه بالطاقة، وكل عقل نوسّع منظوره يقربنا من عالم يُمكّن فيه التعلم الجميع. للمربين والقادة والمبتكرين فرصة التعاون واستكشاف نهج جديدة وتجريب طرق تُلهِم المشاركة والإبداع والفهم العميق. عندما نحتضن الفضول كمبدأ توجيهي نفتح حلولًا تحول التعليم من تعليم روتيني إلى أثر دائم وذا معنى.

كتابي الأخير «تفكيك» يقدّم رؤى وأدوات لإعادة تصور التعليم وتمكين كل متعلِّم. صُمم لمساعدة المربين والقادة والمبتكرين على إطلاق العنان للإبداع وكسر الحواجز وتصميم تجارب تعلم تُعدّ كل متعلّم لفرص المستقبل. يقدم الكتاب استراتيجيات وأمثلة وإرشادات عملية لإعادة التفكير في المقاربات التقليدية، وتهيئة بيئات يزدهر فيها التفكير النقدي، وتفادي أزمة التعلم. مستقبل التعليم يبدأ بالإجراءات التي نتخذها الآن، والتجارب التي نخوضها، والحوار الذي نقوده. معًا نستطيع خلق ثقافات تعلم لا تُدرّس فحسب، بل تُمكّن وتلهم وتنهض بالإنسانية نحو بلوغ إمكاناتها.

أضف تعليق