رام الله، الضفة الغربية المحتلة — انبثقت صباحات اليوم مفعمة بالتوقعات عندما تجمعت آلاف العائلات الفلسطينية لاستقبال ذويهم الأسرى الذين كان مقرراً إطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل.
بعضهم أمضى عقوداً خلف القضبان، وآخرون كانوا محكومين بالأبد مديدًا، وغالبيتهم جرى توقيفهم خلال الحملات الإسرائيلية على غزة في ظل الحرب التي استمرت عامين على القطاع المحاصر.
تجمع خُصوصاً ذوو الأسرى السياسيين المقرر الإفراج عنهم إلى الضفة في المركز الثقافي برام الله يوم الإثنين؛ وهناك امتزجت الدموع بالأحضان والترقّب في أرجاء المكان.
غير أن دموع امرأة ما بدت مختلفة حين استندت إلى شقيقها وهي تبكي بمرارة. الخبر الذي وصلهم عن أخيهم، الأسير محمد أحمد عمران من الخليل، المعتقل منذ ديسمبر 2022 والمُحكوم عليه بثلاث عشرة مؤبدة، صدمهم وحطم فرحتهم حين تبين أنه مدرج ضمن من تقررت ترحيلهم خارج فلسطين.
قالت مصادر مكتب إعلام الأسرى الفلسطيني إن إسرائيل ستخرج قسراً 154 من أصل 250 أسيراً سيُفرَج عنهم. هؤلاء الرجال سيواجهون، على الأرجح، قيوداً صارمة على تحركاتهم وأنشطتهم في البلدان التي ستُنقل إليها، في ظل صعوبة السفر لكونهم يحملون فقط الجنسية الفلسطينية.
وصف تامر قرموت، أستاذ مشارك في السياسات العامة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، أوامر النفي بأنها ليست أقل من تهجير قسري لهؤلاء الأفراد.
كما أن القيود التي تفرضها إسرائيل على قدرة بعض الفلسطينيين على مغادرة البلاد تجعل احتمال لقاء عائلات هؤلاء الأسرى بهم مرة أخرى أمراً غير مضمون، وقد يظل بعيد المنال.
كان رائد لا يزال مذهولاً، يعيد في ذهنه الأيام الماضية وكل ما جرى وما جعله يتيقن بأن شقيقه سيعود. روت ابتسام، التي حضرت إلى رام الله مع رائد قبل يومين بعد اتصال من محمد من داخل السجن الإسرائيلي أخبرهم أنه سيكون ضمن المُفرَج عنهم، كيف أنهم لدى وصولهم صباح الإثنين إلى المركز، أبلغوهم أن اسم محمد موجود، لكنه موشح ضمن قائمة من يزيد عددهم على مئة أسير قررت إسرائيل نفيهم عن فلسطين.
تحدث رائد عن تجربة معتادة لدى عائلات فلسطينية: اتصالات تهديد من عناصر أمن إسرائيلي — عنف، اعتقالات، أو أسوأ — إذا عبّروا عن فرحهم بعودة أحد أحبائهم. “اتصل بي ضابط إسرائيلي… قال لنا ألا نظهر فرحاً أو نستقبل المهنئين،” قال وهو يصف الليلة التي داهم فيها جيش الاحتلال منزلهم واستفسر عن مكان إقامة محمد بعد الإفراج. حذروا من أي احتفالات أو دعم للمقاومة أو حتى رسائل تضامن مع غزة. أجابوا أنهم لا يريدون سوى حرية أخيهم وأنهم مستعدون لإغلاق أبوابهم على المهنئين.
بدت ابتسام مرهقة والدموع في عينيها. قالت بابتسامة حزن: “فرحت عندما سمعت أن محمد سيُفرَج عنه. غادرنا الخليل قبل يومين… أردت أن أكون أول من يستقبله. كل ذلك التعب من التنقّل والبحث عن مكان للإقامة هنا كان يستحقه؛ كنت متأكدة أن كل التعب سيزول عند اللقاء.” وأضافت: “تهديدات الاحتلال شوهت فرحتنا وأدخلتنا في حالة اضطراب. التلاعب بالأسماء والمعلومات كان مقصوداً، وهذا ما أحرق أعصابنا. سأبقى هنا حتى يخرج آخر أسير. لا أستطيع وصف ما في قلبي… كل الكلام يفشل.”
الفرحة أيضاً لعائلة الزير
على بوابة المركز الثقافي وقف بسام الزير، رجل في الستين من عمره من دورا جنوب الخليل، وجهه يشي بالتعب لكنه معلّم بفرحة متوقعة بعد انتظار دام 23 عاماً ليتلاقى مع أخيه هاني (50 سنة، أب لسبعة أبناء) وابن عمهم عرفات الزير. اعتُقل هاني في 28 يونيو 2002 وحكم عليه بالسجن 25 عاماً أمضاها تقريباً كلها، بينما حكم على عرفات في الوقت ذاته بثلاثة وثلاثين عاماً.
وصف بسام الخبر بأنه “صاعقة فرح” حين علم باسميهما على القوائم. “اسم ابن عمي عرفات كان على القائمة الأولى ثم، في تمام الساعة الثانية صباحاً، أعلن اسم أخي هاني. لم نصدّق وبدأنا فوراً بالتحضير للذهاب إلى رام الله.”
لم يرَ بسام أخاه منذ أكثر من عقدين، فقد مُنعوا من الزيارات، ويظن أن السبب عائد لتعرّض بسام نفسه للاعتقال سابقاً. “اعتُقلت أكثر من مرة ومنعوني من رؤيته، حتى في الزيارات العائلية، كأنهم أرادوا أن تظل الفجوة بيننا أبدية.” لكنه ختم متفائلاً: “الحرية قادمة… حتى لو تأخرت 23 عاماً.”
ومع فرحته، اختلط الأسى لدى بسام. من جهة، يدرك أن إطلاق الأسرى جاء بثمن لا يُوصَف دفعه أهل غزة على مدار عامين. ومن جهة أخرى، تقيّد القيود التي يفرضها الاحتلال على عائلات الأسرى قدرتهم على إظهار فرحتهم بعودة أحبائهم.
“انتظرنا ربع قرن… لكنهم منعوا الفرح حتى يَصِل إلينا،” قال ودمعة تختمر في عينيه.
لا يوصف
حين وصلت الحافلة وبدأ الأسرى بالخروج، اندفع بسام مع أفراد عوائل أخرى ليلتقط لمحة عن أخيه وابن عمه. ازدحام الشارع عند أبواب الحافلة كان شديداً، فتراجع بسام قليلاً وهو ينادي “هاني! هاني!” آملاً أن يسمع صوته.
وبالختام التقى الأخوان وعانقا بعضهما والدموع تتساقط بينما حاولتا حشر مشاعر كثيرة في لحظات قصيرة. على سؤال عمّا يجول بخاطر هاني قال وهو يهز رأسه: “هذا الشعور لا توصفه الكلمات…”
عرفات لم يكن جزءاً من تلك اللحظة الحنونة. تدهورت صحته خلال اعتقاله في السجون الإسرائيلية إلى حدٍ اضطر معه للنزول من الحافلة بمساعدة، ونُقل على وجه السرعة ليفحصه الاطباء.
بدا على وجه هاني ارتياحٌ واضح لخروجه ورؤية أخيه بعد طول غياب، كما تجلّى عليه إجهاد السنوات التي أمضاها في السجن.
لقد احتُجز هو وعرّافات في سجن رامون حتى أُبلغا قبيل الإفراج أنهما سيُنقَلان إلى سجن عوفر، ذلك المرفق الذي يعرفه الفلسطينيون عادةً كمحطة احتجاز أخيرة قبل الإفراج.
قال هاني إنهما تعرّضا للتهديد، لكن فرحة نقلهما إلى عوفر كانت أقوى.
«شعرت أن أنفاسي عادت، كأن الحياة قد عادت إليّ.»
«أصعب ما في الأسر ليس الجدران ولا القيود، بل مرور الزمن بعيدًا عن أسرنا. كنت أحسب السنين بتتبع نموّ اطفالي في الصور الفوتوغرافية.»