أطفال غزة يموتون بينما ينتظرون سماح إسرائيل بعمليات الإخلاء

يولاند نيل وجاكوب إيفانز، القدس — بي بي سي

ما يزال مصير مئات الأرواح في قطاع غزة يتأرجح بين الأمل واليأس. في أجنحة مختلفة من مستشفى ناصر يرقد طفلان في العاشرة من العمر؛ أحدهما أصيب برصاصة إسرائيلية وفقد القدرة على الحركة من الرقبة إلى أسفل، والآخر يعاني ورماً دماغياً يهدد حياته.

مع دخول وقف إطلاق نار هش حيز التنفيذ، حُدد نحو 15 ألف مريض، بحسب منظّمة الصحة العالمية، كحالات بحاجةٍ ماسة إلى إجلاء طبي عاجل.

أمار أبو سعيد مشلول من الرقبة ويحتاج إلى رعاية متخصّصة

تجلس علا أبو سعيد وهي تمسح شعر ابنها أمار برفق. تقول العائلة إنّ أمار كان في خيمتهم بجنوب غزة حين أصابته مقذوفة طائشة أطلقتها طائرة دون طيار إسرائيلية؛ استقرت الرصاصة بين فقرتين في عموده الفقري فأصابته بشلل.

«يحتاج إلى جراحة عاجلة»، تقول علا، «لكن الأمور معقّدة. أخبرنا الأطباء أنّ العملية قد تُعرض حياته للخطر، لحدّ سكتة دماغية أو نزف. هو بحاجة إلى إجراءها في مكان مجهز جيداً.»

الوضع الصحي في غزة بعامٍ من الحروب لا يقارب هذا المستوى من التجهيزات. بعد عامين من القتال، تدهورت قدرات المستشفيات وأجهزة العلاج إلى وضعٍ حرج.

أحمد الجدّ وشهد فقدا والدهما في الحرب

تقف الطالبة السابقة شهد بجانب سرير شقيقها الأصغر أحمد. تقول إن أحمد كان سندها طوال عامين من الحرب والتهجير. «هو لم يتجاوز العاشرة، وعندما ضاقت بنا السبل كان يخرج ليبيع الماء لِيُدْخل بعض النقود»، تروي. قبل أشهر بدأت أولى علامات المرض تظهر عليه.

«فم أحمد بدأ ينحرف إلى جهة، وذات مرّة ظل يقول لي: شهد، رأسي يؤلمني، فاعطيناه باراسيتامول. بعد ذلك توقفت يده اليمنى عن الحركة.» شهد تتطلع بلا توقّع إلى إمكانية سفر شقيقها للخارج لإزالة الورم.

يقرأ  واشنطن تنفذ ضربة جديدة ضد قارب مخدرات في الكاريبي بينما يقدّم أميرال استقالته — أخبار دونالد ترامب

«لا نستطيع أن نفقده. لقد فقدنا أبانا وبيتَنا وأحلامَنا»، تقول. «عندما أعلن وقف إطلاق النار أحسسنا بقليلٍ من الأمل؛ أن هناك، إنْ كانت فرصة واحد في المائة، أن يُنقَل أحمد ويتلقى العلاج.»

وكالات دولية تتوسّع في محاولات الإجلاء

يوم الأربعاء نسّقت منظمة الصحة العالمية أول قافلة طبية تخرج من غزة منذ بدء وقف النار الهش في 10 أكتوبر؛ حملت 41 مريضاً و145 مرافقاً إلى مستشفيات خارجية عبر معبر كرم شالوم الإسرائيلي، ثم واصلتهم سيارات إسعاف وحافلات إلى الأردن، حيث تلقى بعضهم الرعاية.

المنظّمة طالبت بزيادة سريعة في أعداد حالات الإجلاء الطبي لمعالجة آلاف المرضى والجرحى. وترى أنّ فتح معبر رفح مع مصر، كما كان سابقاً، ضروري لتمكين عمليات نقل أكبر.

إلا أن إسرائيل قالت إنها ستبقي المعبر مغلقاً حتى يفِ حزبُ الله؟ لا، حتى تفي حركة حماس بالتزاماتها بموجب صفقة وقف النار، وفي طليعتها إعادة جثث الرهائن الذين توفوا. إسرائيل قد سيطرت على الجانب الفلسطيني من الحدود المصرية منذ مايو 2024 وأبقت عليه مغلقاً.

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، في مؤتمر صحفي إن «أكثر الإجراءات تأثيراً» سيكون السماح بنقل مرضى غزة للعلاج في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، كما كان قبل الحرب.

كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية أكثر من عشرين دولة — من بينها المملكة المتحدة — طالبوا سابقاً بإعادة افتتاح هذا المسار، مع تقديم «مساهمات مالية وتوفير أطر طبية ومعدات ضرورية».

مستشفى قُدس الشرقية يمكنه استيعاب أعداد كبيرة

«يمكن علاج المئات بسرعة وكفاءة إذا أعيد فتح هذا الطريق لشبكة مستشفيات القدس الشرقية ومستشفيات الضفة»، يقول الدكتور فادي أطرش، المدير التنفيذي لمستشفى أوغوستا فيكتوريا على جبل الزيتون. «نستطيع على الأقل علاج 50 مريضاً يومياً للعلاج الكيميائي والإشعاعي، وربما أكثر. مستشفيات أخرى قادرة على إجراء عدد كبير من العمليات.»

يقرأ  النطق بالحكم وتحديد العقوبة في محاكمة محاولة الانقلاب ضد بولسونارو مُقرَّران لشهر سبتمبرأخبار جاير بولسونارو

ويضيف: «إحالتهم إلى القدس الشرقية هي الأقصر والأكفأ لأن لدينا الآلية، نتحدث اللغة نفسها ونشترك في الثقافة، وفي كثير من الحالات لدينا ملفات طبية لمرضى غزة. لقد كانوا يتلقون العلاج في مستشفيات القدس الشرقية لأكثر من عقد قبل اندلاع الحرب.»

دولة الاحتلال عبرت عن قرارات سياسية

سألت البي بي سي جهاز كوجات الإسرائيلي، المسؤول عن المعابر، عن سبب عدم اعتماد المسار الطبي، فأجاب أن القرار سياسي محال إلى مكتب رئيس الوزراء، دون مزيد من التوضيح.

منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، استندت إسرائيل إلى أسبابٍ أمنية لعدم السماح لمرضى غزة بالدخول إلى أراضٍ فلسطينية أخرى، مشيرةً أيضاً إلى أن معبر إيريز الرئيسي للناس تعرّض لهجمات من مقاتلين خلال الاعتداء.

احتجاجات وإحصاءات مروّعة

تقول وزارة الصحة في غزة التابعة لحماس إن 740 شخصاً على الأقل، بينهم نحو 140 طفلاً، توفوا أثناء وجودهم على قوائم الانتظار في العام حتى أغسطس 2025.

في مستشفى ناصر، يعبر مدير قسم الأطفال والولادة، الدكتور أحمد الفرا، عن إحباطه العميق: «أصعب مشاعر الطبيب أن يكون قادراً على تشخيص المرض لكنه عاجز عن إجراء الفحوص الأساسية ويفتقد العلاجات اللازمة. حدث ذلك في حالات كثيرة، ومع الأسف نخسر أرواحاً يومياً نتيجة عجزنا عن التدخل.»

منذ وقف إطلاق النار، تضاءلت الآمال لعدٍ من مرضاه.

في الأسبوع الماضي أقيمت جنازة لسعدي أبو طه، ثماني سنوات، الذي توفي بسبب سرطان الأمعاء. وبعد يومين توفي الطفل زين طفرش (ثلاث سنوات) والطفل لؤي دويك (ثماني سنوات) نتيجة التهاب الكبد.

من دون تحرّك عاجل، ثمة كثيرون في غزة لن تُتاح لهم فرصة العيش بسلام.

أضف تعليق