أعداد قياسية من الأوكرانيين ينشقون عن الجيش — تكبد القوات خسائر أمام روسيا

كييف — لا تزال كفّاه وأصابعه مغطاة بآثار جروح أرجوانية نصف ملتهبة تركتها الأسلاك الشائكة الحادة على أسوار مركز التدريب العسكري الذي فرّ منه تيموفاي قبل ستة أشهر.

قال تيموفاي، موظف مكتبي نحيل يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في كييف، لـ«الجزيرة» إنه هرب مرتين بعد أن جرى تجنيده قسرياً في أبريل. قرر الفرار بعدما أدرك أن التدريب الذي يتلقاه شكلي وغير كافٍ للقتال الحقيقي، وأن مصيره المحتوم سيكون أن يُرمى إلى الصفوف الأمامية كقوة اقتحام من دون فرص تذكر للبقاء.

«لا يوجد تدريب حقيقي. هم لا يهتمون بأنني لن أنجو من الهجوم الأول»، هكذا وصف الرجل الضباط المسؤولين عن تدريبه في أبريل، بعد أن جندته الشرطة في وسط كييف. وأضاف أن جلّ اهتمامات المدربين كانت منصبة على منع الهروب من المركز، المحاط بجدار خرساني بارتفاع ثلاثة أمتار ومغطّى بالأسلاك الشائكة.

«لم يهتموا إن تعلّم أحد الجنود الرماية أم لا. أعطوني بندقية، أطلقت طلقة باتجاه هدف، ووُسم اسمي في خانة نجح»، قال تيموفاي، الذي طلب عدم كشف اسمه الكامل أو تفاصيل شخصية لأنه مختفٍ عن السلطات.

لم يُتّهم رسمياً بالهروب أو بالتغيّب عن الخدمة (AWOL)، تهم تظهر عادة في سجلات التحقيقات الجنائية المفتوحة عبر الإنترنت. أما تفسيره فهو بسيط: “نصف البلاد هاربة”، والسلطات العسكرية والمدنية تفتقر إلى القدرة على تعقب كل هارب وإلقاء القبض عليه.

قال المدعون في أكتوبر إن نحو 235 ألفاً من العسكريين تغيّبوا عن وحداتهم، فيما فرّ ما يقارب 54 ألفاً منذ بداية الغزو الروسي الشامل عام 2022. بدأت هذه الأرقام تتصاعد بوتيرة متسارعة العام الماضي، إذ سُجل نحو 176 ألف حالة تغيّب و25 ألف حالة هروب بين سبتمبر 2024 وسبتمبر 2025.

يقرأ  الحرب الروسية–الأوكرانية أبرز أحداث اليوم رقم ١٬٣٤٣ — أخبار وتطورات

«حتى في روسيا، ليس هناك هذا العدد الهائل من المتغيّبين»، قال فالنتين مانكو، القائد الأعلى لقوات الاقتحام، في تصريح لـ«أوكرانيا برافدا». أزمة الهروب تفاقم شحَّ التجنيد وسط خسارة تدريجية وبطيئة للأراضي الأوكرانية لصالح روسيا. ففي نوفمبر احتلت القوات الروسية نحو 500 كيلومتر مربع، معظمها في شرق أوكرانيا، في وقت تعطّلت فيه محادثات السلام التي توسطت فيها واشنطن.

ذكر مانكو أن نحو 30 ألف رجل يُعبّأون شهرياً، لكن العدد المنشود لإعادة تعبئة الوحدات كلها يصل إلى 70 ألفاً. وبموجب قوانين الحرب، يمكن اتهام الجندي بالفرار بعد 24 ساعة من مغادرته وحدته، ويواجه عقوبة السجن بين خمس و12 سنة، بينما قد يصل عقاب التغيّب عن الخدمة إلى عشر سنوات سجن. ومع ذلك يفضّل كثيرون السجن.

«عدد هاربينا والمتغيّبين مرتفع جداً»، قال لواء إيغور روماشينكو، نائب سابق لرئيس الأركان العامة الأوكرانية، لـ«الجزيرة». «من المنظور القانوني، يعتقدون أن السجن أسهل من الذهاب إلى الخطوط الأمامية». لطالما دعى روماشينكو إلى تشديد القوانين وقت الحرب وفرض عقوبات أشد على الهاربين والمسؤولين الفاسدين، معتبرًا أن من يرتكب فساداً يجب أن يُرسَل إلى الجبهات بدلاً من الزنازين.

الفرق القانوني بين الفرار والتغيّب يكمن في «النية في ترك الخدمة نهائياً». ومع ذلك، ومنذ نوفمبر 2024 أعلنت حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي عفواً عن الهاربين من المرة الأولى يتيح لهم العودة إلى وحداتهم بلا عقوبة، فاستفاد من ذلك نحو 30 ألف شخص معتمدين على تساهل السلطات العسكرية وقادة الوحدات.

«هناك تفهّم أكثر تجاههم»، قال أخصائي نفسي يعمل في وحدة عسكرية بجنوب أوكرانيا لـ«الجزيرة» مفضلاً عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالحديث للإعلام. وأوضح أن أسباب الهروب ليست جميعها خوفاً من الموت فحسب، بل كثيراً ما تنبع من قادة لا يبالون بمشكلات جنودهم ويتجاهلون طلباتهم: «بعضهم قال إن قائدهم منعهم من الحصول على إجازة، ومن زيارة أقارب مرضى، وحتى من الزواج».

يقرأ  تحذير من بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإيران مع استئناف العقوبات النووية

في حالة أخرى، هرب شاب في أوائل العشرينيات بعدما علم أنه سيُرسل إلى مدينة بوكروفسك على خط النار. بعد الفرار عمل ذلك الهارب في مصنع رغم مخاطر القبض عليه، بحسب ما توصّل إليه الأخصائي النفسي لاحقاً.

إلى جانب ذلك، فإن شرطة الجيش تعاني نقصاً حاداً في الأفراد ولا تملك احتجاز جندي دون أمر قضائي إلا إذا كان سكراناً أو هددهم بسلاح، بينما المحاكم غارقة في آلاف القضايا التي تعجز عن معالجتها بسرعة. لذا يكمن كابوس الهارب في دوريات التجنيد التي تضم ضباطاً من الجيش والشرطة يتفحّصون الأماكن العامة مطالبين الرجال في سن القتال بإظهار هوياتهم وبطاقات الجندي المرمّزة بـQR.

لكن كثيرين من الهاربين يعرفون زوايا هذه الأماكن أو يحملون نقوداً تدفع رشوة تصل أحياناً إلى عدة مئات من الدولارات. كما يُمكن الإمساك بهم عبر سيارات مسجلة بأسمائهم أو عبر مخالفات مرورية دُفعت عن طريق بطاقاتهم المصرفية. ومن هذا الباب قُبض على تيموفاي.

لأشهرٍ كان يقود سيارة شقيقه، لكنه دفع غرامة مرورية ببطاقته في أبريل بعد اجتيازه إشارة حمراء. بعد أيام داهمته شرطة المرور وأخبرته أن إخطار التجنيد أُرسل إليه منذ شهور. تيموفاي يؤكد أنه لم يستلم أي إخطار. نُقل إلى مركز تدريب في منطقة جيتومير الوسطى، وفرّ بعدما وجد ثغرة في الأسلاك الشائكة واستقل سيارة صديق.

للوصول إليها سافر مشياً خمس ساعات تحت المطر عبر غابة، متعثراً ومخدوش الوجه والذراعين. «كاد الصديق أن يغادر من دوني»، قال. وصل كييف وانتقل إلى شقة صديق، عاد إلى عمله، وعاد لاستخدام شريحته القديمة. لكن بعد شهرين جُبِه مجدداً وهو يقود سيارة أخيه.

كانت محاولته الثانية أفضل وأسهل ومختصرة لأن مركز التدريب كان في كييف وسياجه أقل ارتفاعاً، قال وهو يعرّض راحتيه المجرحتين. تهمّش تيموفاي آراء أصدقاء وأقارب وصفوه بـ«الجبن» و«انعدام الوطنية»، وبعضهم قطعه تماماً.

يقرأ  اكتشاف نقش وجه من الحجر الجيري أثناء حفريات مشروع قطار المايا

الكثير من المحاربين السابقين يحتقرون الهاربين والمتخلفين عن الخدمة، ويرون أنه يجب تشديد العقاب عليهم وتجريدهم من حقوق مدنية. «يجب ألا يسمحوا لهم بالاقتراع أو بالحصول على معاش»، اقترح يفهين غالاسييك، الذي فقد عينه اليمنى قرب مدينة باخموت الشرقية عام 2023 وما زال يعاني صداعاً شديداً.

أضف تعليق