كثير من أساتذة الأدب واللغة الإنكليزية يعرفون أن قصيدة تي. إس. إليوت «أغنية حب جي. ألفريد بروفرُوك» جديرة بالتدريس لأسباب عدة: من الجو النفسي والبناء السردي إلى الصوت والنبرة والمونولوج الداخلي. صور القصيدة ولغتها الدقيقة تجعلها مناسبة أيضاً لاستكشاف موضوعات مألوفة كالشعور بالرفض، الإفراط في التفكير، والقلق الاجتماعي.
الإصدار المتحرّك الذي أمامنا يصوّر ويشدّد كيف تَنشئ الصور شعور القصيدة وتؤكّده، وبالطبع العكس صحيح أيضاً.
النصّ والتسجيل الصوتي مقروآن بصوت المؤلف
إشارات إليوت إلى دانتي وشكسبير والكتاب المقدس تجعلها مادة مناسبة لدرس الاستعارات والاقتباسات بين النصوص، ومناقشة كيف يبني الكتّاب معانٍ متعددة مستلهمةً من نصوص سابقة (وهو أمر يمكن للموسيقى أن تساعد في بلورته كذلك).
انظر أدناه للنص الكامل لقصيدة «أغنية حب جي. ألفريد بروفرُوك» مع التسجيل الصوتي المقروء بواسطة المؤلف.
دنْتي—الملهاة الإلهية، جهنم، المَحنّة السابعة والعشرون
لو كنت أظن أن جوابي سيبلغ إنسانًا
قد يعود إلى الدنيا،
لفقدت هذه الشعلة وهجَها دون رجعة.
ولكن لأنّي أوقن أن لا أحد يعود من هذا العمق حيًا، إن كنت أقول الصدق،
فأنا أجيبه بلا خوف من وصمة.
—دانتي، جهنم، المغنى السابع والعشرون
فلنذهب إذن، أنت وأنا،
حينما تمتدّ الأمسية على السما
كأنها مريضة مخدّرة على مائدة؛
فلنخرج عبر شوارع نصف مهجورة،
الملاجئ التي تهمهم،
الليالي القلقة في فنادق رخيصة لليلة واحدة
ومطاعم النشارة وحيد القشور؛
شوارع تلحق بك كحجة مملة
ذات نوايا خبيثة
لتقودك إلى سؤال ساحق…
أوه، لا تسأل: «ما هو؟»
دعنا نذهب ونؤدّي زيارتنا.
في الغرفة تأتي النساء وتذهب
يتحدثن عن مايكل أنجلو.
الضباب الأصفر يدلك ظهره على زجاج النوافذ،
الدخان الأصفر يفرك خَطمَه على النوافذ
لعق لسانه في زوايا المساء،
تأخّر على البرك التي تقف في المزاريب،
نثر على ظهره السخام المتساقط من المداخن،
زحـف بجانب الشرفة، قفز فجأة،
ولما رأى أنها ليلة أكتوبر هادئة ولطيفة،
لفّ مرة حول البيت وغفا.
ولن يكون، في الحقيقة، نفاد للوقت
لدخان أصفر ينزلق على الشارع،
يدلك ظهره على زجاج النوافذ؛
سيكون هناك وقت، سيكون هناك وقت
لتحضير وجه تلتقي به الوجوه التي تلاقيها؛
سيكون وقتٌ للقتل وللخلق،
ولأعمال الأيادي وأيامها
التي ترفع وتطرح سؤالاً على طبقك؛
وقتٌ لك ووقتٌ لي،
وما زال هناك وقت لمئة تردّد،
ولمئة رؤيا ومراجعة،
قبل أخذ الخبز والشاي.
في الغرفة تأتي النساء وتذهب
يتحدثن عن مايكل أنجلو.
وستكون، في الواقع، هناك وقت
للتساءل: «هل أجرؤ؟ هل أجرؤ؟»
وقت للعودة ونزول الدرج،
بقِبعة صلعاء في وسط شعري—
(سيقولون: «كم بدأ شعره يخف!»)—
مع بَلَوْرَتي الصباحية وطوقي رافعاً ثابتًا إلى الذقن،
وكرابطة عنقي فاخرة ومتواضعة، مثبتة بدبوس بسيط—
(سيقولون: «لكنْ ما أضعف ذراعيه وساقيه!»)—
هل أجرؤ
أن أزعج الكون؟
في دقيقة هناك وقت
للقرارات والمراجعات التي ستعكسها الدقيقة.
فقد عرَفتُهم كلّهم بالفعل، عرفتُهم كلّهم—
عَرَفتُ الساعات، الصباحات، المساءات،
قَسَمتُ حياتي بملاعق القهوة؛
أعرف الأصوات التي تموت بسقوط مُخاتَل
تحت موسيقى من غرفة بعيدة.
فبأي حقّ أفترض؟
وقد عرفْت العيونَ أيضاً، عرفْتْها جميعاً—
العيون التي تثبتك في عبارة مُصاغة،
وعندما أُصاغ كائنًا، مُمتدًا على دَبْسَةٍ،
حينما أتعرض للدبْسّ وأتلوّى على الحائط،
فبأي بدءٍ أبدأ
لينفث منّي كلّ بقايا أيامي وأساليبي؟
وكيف أجرؤ؟
وقد رأيت الأذرع أيضًا، رأيتها كلها—
أذرع مرصّعة، بيضاء وعارية
(لكن تحت ضوء المصباح، مغطّاة بشعر بني خفيف!)
هل هو عبيرٌ من ثوب
يدفعني إلى هذا الذِّرْوَس؟
أذرع مستلقية على طاولة، أو تلفّ شالاً.
فهل أفترض إذًا؟
وكيف أبدأ؟
هل أقول إنّي مشيت عند الغسق في شوارع ضيقة
وراقبت الدخان يتصاعد من مواسير
رجالٍ وحيدين بأكمام قمصانهم، يتكئون من النوافذ؟…
كان ينبغي أن أكون مخلبين مُهترئتين
ينقران عبر أرضيات بحار صامتة.
والمساء—الظهر—ينام بسلام!
مُملّسًا بأصابع طويلة،
نائم… متعب… أم أنه متريّث،
ممدود على الأرض، هنا بجانبك وبجانبي.
هل سأملك، بعد الشاي والكعك والمثلجات،
قوة أن أقتحم اللحظة إلى أزمتها؟
لكنّني قد بكيت وصمت، بكيت وصلّيت،
ورأيت راسي (وهو يفاقد قليلاً من شعره) يُحمل على طبق،
لست نبيًا—ولا شأن عظيم هنا؛
رأيت لحظة مجدي تومض،
ورأيت الحامل الأبديّ معطفِي، يَهزأُ،
وباختصار، كنت خائفًا.
وهل كان الأمر يستحقُّ، بعد كلّ شيء،
بعد الأكواب والمربّيات والشاي،
وسط الخزف، وفي بعض أحاديثك وأحاديثي،
هل كان يستحقَّ العناء،
أن أعضّ الأمر بابتسامة،
أن أعصر الكون في كرة
لأقذفها نحو سؤال ساحق،
لأقول: «أنا لعازر، عدت من الأموات،
رجعت لأخبركم كل شيء، سأخبركم كل شيء»—
لو أنّ أحدهم، وهو يرتّب وسادة بجانب رأسها،
قال: «هذا ليس ما قصدته إطلاقًا.
ليس هذا، على الإطلاق.»
وهل كان الأمر يستحقُّ، بعد كلّ شيء،
هل كان ليمتدح العناء،
بعد الغروبِ والأفنية والشوارع المبلّلة بالرشّ،
بعد الروايات، وبعد فناجين الشاي، وبعد التنانير التي تجرّ على الأرض—
وهذا، وأكثر؟—
يصعُبُ القول تحديدًا ما أعني!
لكن كأنّ فانوسًا سحريًا ألقى الأعصاب على شاشات بنقوش:
هل كان سيكون له قيمة
لو أن أحدًا، وهو يرتّب وسادة أو يتخلص من شال،
والقياه نحو النافذة، قال:
«ليس هذا إطلاقًا،
ليس هذا ما قصدته، إطلاقًا.»
لا! لستُ الأميرَ هاملت، ولم اُخلق لأكون؛
أنا خادمُ مراسم، من يُستدعى
ليُثري المرور، يبدأ مشهدًا أو مشهدين،
لنصحِ الأمير؛ بلا شك، أداة سهلة،
مُحترِم، سعيدٌ بأن أكون مفيدًا،
دبلوماسي، حذر، دقيق؛
ممتلئ بالأحكام الرفيعة، لكن مترهّل قليلاً؛
في أحيان أحيانًا، شبه مضحك—
شبه، في أوقات، الأحمق.
أشيخ… أشيخ…
سألفّ أسفل بنطالي.
هل أفصل شعري من الخلف؟ هل أجرؤ على أكل خوخة؟
سأرتدي بنطالًا من الكتّان الأبيض، وأمشي على الشاطئ.
لقد سمعت الحوريات تغنين، كل واحدة لأخاها.
لا أظنّ أنهن سيغنين لي.
رأيتهن يركبن نحو البحر على الأمواج
يمشطن شعر الأمواج الأبيض المتطاير للخلف
عندما تهبّ الريح فيبيّض الماء ويغمّقه.
تأنّقنا في حجرات البحر
بجانب فتيات البحر الموشّحات بالأعشاب الحمراء والبنيّة
حتى توقظنا الأصوات البشرية فنغرق.
النص الكامل؛ «أغنية حب جي. ألفريد بروفرُوك» — نص وتسجيل صوتي بقلم المؤلف.