أعلنت إدارة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عن نيتها سحب الحماية المؤقتة لمئات الآلاف من المواطنين الهايتيين، رغم اعترافها بأن بعض الظروف في البلاد “ما تزال مقلقة”.
في يوم الأربعاء، أصدر جهاز خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS) منشوراً في السجل الفيدرالي يعلن عزمَه إنهاء وضع الحماية المؤقتة (TPS) لليابتيين في 3 فبراير. وحسب تقديرات الحكومة، سيطال القرار نحو 352,959 من المواطنين الهايتيين والمشردين عديمي الجنسية من أصل هايتي. النص، الذي لا يزال في شكل مسودة، سيصبح نافذاً يوم الجمعة.
محاولة موازنة
في شرح قراره، سعى مكتب وزارة الأمن الداخلي إلى السير على خط رفيع. من جهة، جادل بأن نشاط العصابات العنيف والانعدام الأمني في هايتي يمثلان تهديدات للأمن القومي الأمريكي. ومن جهة أخرى، أكد أن الأوضاع في هايتي باتت كافية لاستحقاق عودة الهايتيين المحميين بموجب TPS. ووصف الإلغاء بأنه بمثابة تصويت ثقة بمستقبل هايتي: «إن إنهاء الحماية المؤقتة لهايتي يعكس تصويتاً ضرورياً واستراتيجياً بالثقة في الفصل الجديد الذي تطؤه هايتي»، وأضاف: «لا يمكن للولايات المتحدة أن تطالب بتغيير جريء على الأرض بينما تبدي الشك من بعيد».
ما هو وضع الحماية المؤقتة (TPS)
يُمنح وضع الحماية المؤقتة لأجانب موجودين بالفعل داخل الولايات المتحدة عندما تصبح الأوضاع في بلدانهم غير آمنة بسبب نزاع أو كارثة أو حالات طوارئ أخرى. ويتيح البرنامج للمستفيدين البقاء قانونياً في البلاد والحصول على تصريح عمل. في مطلع العام كانت 17 دولة محمية ببرامج TPS مختلفة، من بينها أفغانستان والسودان وأوكرانيا وفنزويلا واليمن. لكن إدارة ترامب حاولت إنهاء العديد من تسميات TPS، بحجة تعارضها مع المصالح الوطنية الأمريكية. ويأتي التراجع ضمن توجه أوسع لتقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة وتنفيذ ما وعد به ترامب بأنه “أكبر عمليات ترحيل في تاريخ بلادنا”. وينبه منتقدون إلى أن إلغاء الحماية ورفض تمديدها قد يعيد بعض الأجانب إلى ظروف خطرة تهدد حياتهم.
أزمة إنسانية
فتح برنامج TPS للمواطنين الهايتيين لأول مرة في 21 يناير 2010، بعد زلزال مدمر بقوة 7.0 درجة هز الجزيرة. ووفق إحصاءات الحكومة الأمريكية، لقي نحو 222,570 شخصاً حتفهم وتشرد أكثر من 1.3 مليون من منازلهم. في ذات العام شهدت هايتي أول تفشي للكوليرا منذ قرابة قرن، وربطت تقديرات آنذاك بنحو 10,000 وفاة، ثم عاد المرض للانتشار منذ 2022 وأودى بحياة الآلاف لاحقاً.
تعد هايتي أفقر دولة في نصف الكرة الغربي، وظلت تعاني من السكن غير الكافي ونقص الغذاء وضعف الخدمات الصحية، وتفاقمت هذه المشكلات بفعل الفساد والاضطراب السياسي وانتشار عنف العصابات. أُجلت الانتخابات الوطنية في 2019 بصورة غير محددة، وفي 2021 اغتيل الرئيس جوفينيل مويز في منزله في بيتيونفيل؛ ولم يحل محله رئيس حتى اليوم، وتم تأجيل جولة جديدة من الانتخابات من هذا العام إلى أواخر 2026. وانتهت ولايات آخر المسؤولين المنتخبين ديمقراطياً في الجمعية الوطنية الهايتية عام 2023. وتدير السلطة الآن مجلس رئاسياً انتقاليًا من تسعة أعضاء، أما ولايته فهي مبرمجة لانقضاء في فبراير. في غياب قيادة حكومية، توسعت سيطرة العصابات والمنظمات الإجرامية في هايتي لتشمل ما يصل إلى 90% من العاصمة بورت أو برنس. وتكاثر انتهاك حقوق الإنسان مع اتساع رقعة نفوذ العصابات؛ ففي الفترة من أبريل إلى يونيو هذا العام قُتل ما لا يقل عن 1,617 شخصاً بسبب العنف، وكان عدد القتلى في 2024 نحو 5,600، بزيادة عن 2023. ويقدر عدد النازحين داخلياً بنحو 1.4 مليون شخص نتيجة القتال.
التحديات القضائية
يجادل مسؤولون في إدارة ترامب بأن الإدارة السابقة تحت قيادة الرئيس جو بايدن تجاوزت سلطتها عندما صادقت على تمديدات متكررة لبرنامج TPS لليافيين ومجموعات أخرى. واتهم ترامب بايدن بالسماح بهجرة مُتساهلة إلى الداخل الأمريكي وسعى لعكس بعض سياساته السابقة. في يوليو 2024، أقرّت إدارة بايدن آخر تمديد لليافيين بمقدار 18 شهراً، لكن في فبراير أعلنت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم، تحت سلطة ترامب، أنها ستقضي جزئياً على هذا التمديد، مختزلة إياه من 18 إلى 12 شهراً، ما كان سيُلزم حاملي TPS من الهايتيين بمغادرة البلاد أو إيجاد مسارات هجرة بديلة حتى موعد أقصاه 2 سبتمبر.
تصنف وزارة الخارجية الأمريكية هايتي على أنها في مستوى تحذير سفر من الفئة الرابعة، وهو أعلى درجات الخطر، مشيرة إلى حالة الطوارئ الراهنة ووجود تهديدات من “الاختطاف والجريمة والنشاط الإرهابي والاضطرابات المدنية وضعف الرعاية الصحية”. وتصدر الوزارة نصيحة صريحة: «لا تسافر إلى هايتي لأي سبب». استند المدعون في قضاياهم إلى هذه المعطيات ليؤكدوا أن تقليص التمديد ليس مجرد غير قانوني بل غير مسؤول. وقالت المدعية العامة لولاية نيويورك ليتيسيا جيمس في بيان هذا العام، بينما قدّمت هي و18 مدعياً عاماً بياناً صديقاً للمحكمة لوقف سحب TPS: «إن سحب الوضع القانوني للهايتيين الذين أبقاهم آمنين مع عائلاتهم في الولايات المتحدة قاس وخطير. لقد ساهم المهاجرون الهايتيون بشكل كبير في مجتمعاتنا وأحيائنا واقتصاداتنا المحلية، وبدونهم لن تكون نيويورك وهذه الأمة كما كانت».
أثار بعض الطعون القانونية مسألة التحامل العرقي؛ فخلال حملته لإعادة انتخابه عام 2024 نشر ترامب ادعاءات عنصرية لا أساس لها عن المهاجرين الهايتيين في الولايات المتحدة، منها ادعاءات بأنهم يأكلون حيوانات الحي الأليفة. في يوليو، نظرت محكمة فيدرالية في نيويورك إحدى القضايا ضد تقصير تمديد TPS، المعروفة باسم Haitian Evangelical Clergy Association v Trump. حكم القاضي براين كوبان بأن تقصير الجدول الزمني كان «تعسفياً واعتباطياً» و«انتهك حقوق المدعين في الإجراءات القانونية الواجبة». ومع ذلك، ترك حكمه مفتوحاً لإمكانية أن تسمح إدارة ترامب بانقضاء فترة التمديد القائمة، كما جاء في منشور يوم الأربعاء.
مبررات الانتهاء
يقدّم المنشور المعلن عن إنهاء الحماية المؤقتة عدة حجج تبرر، بحسب نوم، ضرورة إنهاء البرنامج. وورد فيه: «قررت الوزيرة أنه بينما الوضع الحالي في هايتي مقلق، يجب على الولايات المتحدة أن تُعطي الأولوية لمصالحها الوطنية. السماح للمواطنين الهايتيين بالبقاء مؤقتاً في الولايات المتحدة يتعارض مع المصلحة الوطنية الأمريكية». ووصف المنشور أيضاً قرار القاضي كوبان في يوليو بأنه «تدخل» في عمل السلطة التنفيذية.
يؤكد المنشور أن نوم قررت أنه لا توجد “ظروف استثنائية ومؤقتة” في هايتي تمنع المستفيدين من TPS من “العودة بأمان”. لكنه أضاف أن «حتى لو وجدت الوزارة وجود ظروف استثنائية»، فإن المخاوف المتعلقة بالأمن القومي تمنع الحكومة من تمديد برنامج TPS. وذكر المنشور استمرار وصول مهاجرين غير نظاميين من هايتي بأعداد كبيرة، كما أشار إلى تهديد العصابات والجريمة المنظمة الهايتية؛ ففي وقت سابق من هذا العام صنفت إدارة ترامب مجموعتين هايتيتين، “فيف أنسانم” و”غران غريف”، على أنهما «منظمات إرهابية أجنبية» في إطار حملة أوسع ضد شبكات إجرامية في أمريكا اللاتينية.
كما أبرز المنشور غياب حكومة مركزية في هايتي، معتبراً أن هذا العجز في السيطرة «لم يزعزع استقرار هايتي داخلياً فحسب، بل كان له أيضاً عواقب مباشرة على السلامة العامة في الولايات المتحدة». ومع ذلك أكّد المنشور إيمان نوم بوجود «تطوّرات إيجابية» في هايتي. ففي أكتوبر، مثلاً، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إنشاء قوة لقمع العصابات لمساعدة شرطة هايتي، وهي مبادرة ستستبدل مهمة متعددة الجنسيات بقيادة كينيا وبدعم أممي لم تتمكن من تحقيق تأثير كبير على عنف العصابات. ورأى المنشور أن منح حمايات TPS من شأنه أن يقوض أهداف التعافي في هايتي: «يجب أن تتوافق سياساتنا الهجرية مع رؤيتنا في السياسة الخارجية لدعم هايتي آمنة وذات سيادة وقادرة على الاعتماد على نفسها».
ومع ذلك، كان تقييمه لوضع السلامة محدوداً؛ إذ أشار إلى أن “أجزاءاً من البلاد فقط صالحة للعودة إليها”. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أيضاً أعلنت إدارة ترامب أنها تقلّص حماية TPS لمواطني ميانمار، وهي دولة أخرى تعاني من عدم استقرار مزمن.