إرث انهيار السد النيجيري الكارثي

تعاود شبح الفيضانات الظهور فوق مدينة مايدوغوري في شمال شرق نيجيريا، بعد عام من أمطار غزيرة وانهيار سد أدى إلى غمر أحياء كاملة بالمياه.

لا يزال كثير من السكان يحملون ندوب في الذاكرة نتيجة فيضان العام الماضي، وإمكانية تكرار الكارثة تثير قلقاً بالغاً بينهم.

أسفر الفيضان عن مقتل ما لا يقل عن 37 شخصاً، واضطر نحو مليونين إلى الفرار من منازلهم بعد تدمير واسع للمساكن والمزارع والأنشطة التجارية.

فقدت سعداتو داهيرو ابنها الذي كان في السنتين من عمره.

«مات بسبب الجوع والحمّى أثناء الفيضان. لم يكن لدينا طعام كافٍ ولا أدوية ولا مكان آمن نقيم فيه»، قالت الأم وهي تستعيد لحظات الرعب.

روت للبِـي·بي·سي كيف بكى أطفالها واضطروا إلى الخروج في منتصف الليل حاملين «قليلًا من الملابس» وتركوا كل شيء خلفهم.

تقول إنها تلقت دعماً حكومياً فورياً بقيمة 10 آلاف نايرا (حوالي 7 دولارات) عندما وقع الفيضان، لكن المعونات توقفت بعد ذلك: «منذ ذلك الحين لم تصلنا أي من الوعود الأخرى من الحكومة. ما زلنا ننتظر ونعاني».

من جهتها، تؤكد حكومة ولاية بورنو أنها قدمت دعماً للمجتمعات المحلية المتضررة، مشيرة إلى إقامة مخيمات إغاثة وتوزيع مساعدات غذائية ونقدية.

وبناءً على ذلك شرعت السلطات أيضاً في إعادة بناء السد ونظام السواقي في منطقة ألو — في مشارف مايدوغوري — الذي تسبّب في فيضان المدينة.

شُيّد السد عام 1986 وتعتني به هيئة تنمية حوض تشاد (CBDA)، وهي جهة تابعة للحكومة النيجيرية.

إلا أن أكثر من خمسة عشر عاماً من تمرد جماعة بوكو حرام في المنطقة صعّبت أعمال الصيانة، بحسب محمد شتيمة، رئيس قسم الهندسة في الهيئة، الذي أوضح للبِـي·بي·سي أن موقع السد يقع على أطراف غابة سامبيسا — على بعد نحو أربعة كيلومترات من قواعد الجماعات الجهادية.

يقرأ  جفاف أنهار العراق: أمة تواجه انهيار موارد المياه — الزراعة

«تآكلت السواقي وبما أنها لم تُصان، فإن الأمطار الغزيرة العام الماضي تسببت في انهيارها، فانطلقت كميات هائلة من المياه لتغمر المدينة»، قال شتيمة.

في آب/أغسطس قُتل جنديان قرب السد، كما قُتل أربعة عناصر أمن على يد أشخاص يُشتبه بأنهم مقاتلون إسلاميون.

تعد مريم جدّة إحدى الضحايا الذين تضافرت عليهم أهوال العنف الإسلامي والفيضانات.

هربت مريم جيدّا مع ابنتها وحفيدَيها من بلدتها دامبوا بعد أن تعرّضت لهجوم من بوكو حرام قبل نحو أربعة أعوام.

«لم يوجهوا لنا إنذاراً. جاءوا كالريح المظلمة في الليل»، تستذكر.

كانت تظن أنها وجدت الأمان في مايدوغوري، لكن الفيضان أجبرها على الفرار مرة ثانية.

جلست على كتلة مكسّرة من بقايا منزلها المدمر، وقد ألقت جلبابها الأحمر فوق رأسها حتى الأرض.

بملامح تكسوها الحزن، بدت هذه السبعينية كأنها عاشت سنوات من المعاناة والمراحل القاسية.

«وقفت في ماء يصل حتى الخصر وأنا أبكي»، هكذا استرجعت لحظة تسرب المياه إلى فناء دارها قبل أن تبتلع البيت بأكمله.

هي الآن تقيم في مأوى مؤقت حيث الغذاء ينعدم في كثير من الأحيان والمياه غير نظيفة.

ولم تفقد البيت فحسب، بل اختفت أيضاً الصور والأشياء التي احتفظت بذكريات العائلة.

بعد مرور عام على الفيضانات لا يزال كثير من السكان يقيمون في ملاجئ مؤقتة، بلا منازل يعودون إليها.

تضرّر الشباب خصوصاً؛ فقد قطعت الفوضى سبل استمرار تعليمهم وأفسدت فرص العمل.

قال علي قدرة، البالغ من العمر 21 عاماً، للبِـي·بي·سي إن الفيضان «أخذ كل شيء» منه.

قبل الفيضان كان يتدبر أموره؛ لم يكمل تعليمه لكن كان لديه مهارات بسيطة — كان يساعد في ورشة ميكانيك، يصلّح الإطارات، ويؤدي بعض الأشغال المتفرقة — لكنه اليوم جلس على كرسي مكسور يطرد الذباب في حرّ مايدوغوري.

يقرأ  عملاقُ العقاراتِ الصينيُّيُشطبُ من البورصةِ بعدَ انهيارٍ مدوٍ

تذكر كيف بدأ الأمر ككل موسم مطر — فيضانات عادية في الشوارع — لكن هذه المرة لم تتوقف. بدأت المياه تتسلل إلى المنازل، وبسرعة غمر حي غووانج الذي كان يقطنه.

«بيتنا المبني من الطين لم يقوَ على الضغط. انهارت الجدران، ودخل الماء حاملاً كل شيء: ثيابنا، والفرش، والطعام، وحتى هاتفي الذي أستخدمه لجلب الزبائن. كل شيء ذهب»، قال علي وهو يترحم على ما فقده.

نامت العائلة خارجاً ثلاثة أيام قبل أن تجد مكاناً في مدرسة مجاورة تحولت إلى مأوى. لم يكن هناك خصوصية ولا راحة، بل أجساد متراصّة جنباً إلى جنب.

تضررت كذلك ورشة الميكانيك التي كان يعمل بها؛ فقد دمرت المياه الأدوات والآلات.

«الآن، أنا بلا عمل، بلا دروة، بلا مال لأبدأ أي شيء. أحياناً أدفع عربات حمّالة في السوق لأتوفر على لقمة»، يختم علي حديثه وقد بدا عليه الإحباط واليأس. «في أيام أخرى لا أفعل شيئاً سوى أن أفكّر»، هكذا قال.

وصفت الأمم المتحدة هذه الفيضانات بأنها الأكثر تدميراً في ولاية بورنو خلال ثلاثة عقود كاملة.

وصف حاكم ولاية بورنو، باباجانا أومارا زولوم، استجابة الولاية بوجود عبء هائل، لا سيما في ظل صراع مستمر مع التطرف العنيف امتدّ لأكثر من ستة عشر عاماً. وأوضح أنّه تمّ تشكيل لجنة بمهام محددة عملت بلا كلل لضمان حصول الأسر المتضررة على دعم ملائم، يشمل المأوى والغذاء.

كان إيجاد مأوى لمليوني نسمة في مدينة مايوجوري، التي تضمّ بالفعل أكثر من مليون نازح داخلياً بفعل الهجمات الإسلامية، تحدياً بالغ الضخامة. وأضاف أنّ أولوية الحكومة كانت وقف فيضان المياه، ما ساهم في منع غمر المدينة بالكامل، وذلك عبر تجريف الأنهار وبناء مجاري تصريف جديدة.

يقرأ  دور الذكاء الاصطناعي ذي الوكالة في مجال التعلم والتطوير — ما الذي يمكنه فعله؟

وبحسب تقرير اللجنة، جُمعت نحو ٢٨٫٢ مليار نايرا من خلال مساهمات حكومة المركز وحكومة الولاية، فضلاً عن مساعادت من وكالات الإغاثة مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي. وتمّ صرف جزء كبير من هذه الأموال لمصلحة أكثر من ١٠١٬٣٣٠ أسرة، إلى جانب توزيع مواد غذائية وغير غذائية.

شملت المساعدة أيضاً دعماً مالياً لأكثر من ٧٬٠٠٠ تاجر في الأسواق المتأثرة، وكذلك لأماكن العبادة والمدارس الخاصة. ولا تزال آثار السدّ المندثر مرئية في المكان الذي كان قائماً فيه سابقاً.

كجزء من أنشطة إعادة الإعمار والتعافي طلبت ولاية بورنو مبلَغاً إضافياً قدره ٦١ مليار نايرا لإصلاح البنية التحتية المتضررة، بما في ذلك الجسور وشبكات الطرق والمستشفيات. لكن ثمة خطر أن لا تُقرّ هذه المبالغ الكبيرة ما لم تقع كارثة أخرى تفرضها الضرورة.

وقد أُقرّت أيضاً مبالغ لترميم وتحديث آبار المياه في مايوجوري والمجتمعات المحيطة، بهدف معالجة شحّ المياه الناجم عن الفيضانات.

مع اقتراب ذروة موسم الأمطار في سبتمبر، يبقى سؤال سيدات مثل السيدة داهيرو بسيطاً وحادّاً: «كيف أبدأ من جديد وأنا لا أملك شيئاً؟» أما السيدة جيدّا فتواصل حدادها؛ فقد كانت أمّاً لعشرة أبناء، ولم ينجُ منها سوى ثلاثة. وتختصر كلماتها المأساة: «لا شيء بقي سوى الذكريات والألم».

قصص إضافية عن نيجيريا على موقع بي بي سي أفريقيا: زوروا موقع بي بي سي أفريقيا وتابعونا على تويتر وفيسبوك وإنستغرام. بودكاستات بي بي سي أفريقيا متاحة أيضاً.

أضف تعليق