إعادة انتخابية ذات توجه يميني — ما يجب معرفته عن الانتخابات الرئاسية في بوليفيا

مع اقتراب الاقتراع في بوليفيا للجولة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية، تبرز سمة تاريخية: غياب مرشح يساري عن ورقة الاقتراع لأول مرة منذ نحو عقدين. منذ الانتخابات الماضية انهار حزب الحركة نحو الاشتراكية (MAS) داخلياً، وتفتّت قادته واشتدّ الصراع بينهم إلى حدّ منع الحزب من بلوغ الجولة الثانية، ما يعني نهاية حكم شبه متواصل بدأ عام 2006.

الجولة النهائية تُجرى في 19 اكتوبر، فيما يُنتظر تنصيب الفائز في 8 نوفمبر. المتنافسان هما مرشح وسط يميل إلى اليمين المعتدل ومرشح يميني واضح؛ ولا يُرجّح أن تُنهي هذه الانتخابات الانقسامات العميقة التي هزّت المشهد السياسي وأضعفت استقراره، خصوصاً في ظلّ أزمة اقتصادية حادّة أدّت إلى احتجاجات متكررة.

نتائج الجولة الأولى: المفاجأة كانت فوز رودريغو باز، الذي حصل على أكثر من 32% من الأصوات في 17 أغسطس رغم تقديره أقل من 10% في استطلاعات ما قبل الاقتراع. منافسه خورخي “توتو” كيروقا، الرئيس الأسبق، حلّ ثانياً بنحو 27%. لم يتحقّق أي منهما من شروط الفوز المباشر (50% أو 40% بفارق 10 نقاط)، فحلّت الجولة الإضافية.

من هو رودريغو باز؟ سناتور وابن الرئيس السابق اليساري خايمي زامورا. رغم تحالفاته الحزبية المتقلبة عبر مسيرته، يخوض الانتخابات ممثلاً للحزب الديمقراطي المسيحي (اليمين – الوسط) ويقدّم نفسه كصوت معتدل يدعم سياسات اقتصادية منفتحة لكنه يتوخّى الحذر في تطبيق إجراءات التقشّف. شعاره الانتخابي: “رأسمالية للجميع”. مرشحه لنائب الرئيس هو إدمن لارا، نصيري بروتستانتي وضابط شرطة سابق استقال ليصبح شخصية بارزة على منصات التواصل بفضل نقده الصريح للفساد.

من هو خورخي كيروقا؟ رجل أعمال ورئيس سابق بدأ مساره المهني في تكساس لدى شركة آي بي إم قبل أن يتحول إلى العمل السياسي في تسعينيات القرن الماضي، وعمل ضمن طاقم وزارة المالية في عهد والد باز. ترشّح عام 1997 ضمن لائحة هوجو بانزر، وتولّى رئاسة الجمهورية بعد استقالة بانزر عام 2001. خاض محاولات رئاسية لاحقة فشلت (2005، 2014، 2020)، ويقود حالياً ائتلافاً يمينياً باسم “تحالف الحرية” وبرنامجاً اقتصادياً صارماً مؤيداً للسوق. معاونُه هو رائد أعمال تكنولوجي شاب يُدعى خوان بابلو فيلاسكو.

يقرأ  مسلمو المملكة المتحدة يبلغون عن أعمال تخريب واعتداءات في ظل حملة أعلام مثيرة للجدلأخبار العنصرية

ماذا تقول الاستطلاعات؟ تُظهر بعض الاستطلاعات تفوّقاً طفيفاً لكيروقا، لكن المحلّلين يشيرون إلى أن قياسات ما قبل الجولة الأولى أخفقت في كشف الدعم المتنامي لباز. دراسة أجرتها CB Consultora بين 1 و6 أكتوبر وجدت أن مؤشر رضا المواطنين عن باز بلغ 42.5% بينما كان كيروقا أعلى بـ56.7%. ورغم أن 75% من المستطلعين أبدوا نيتهم المشاركة في الجولة الحاسمة، تتوقّع الشركات تزايد بطاقات الاحتجاج (أوراق اقتراع مُعلّمة أو تُركت فارغة).

ماذا حلّ باليسار البوليفي؟ في عهد ايفو موراليس (2006–2019) حقّق حزب MAS نمواً اقتصادياً ملحوظاً مع تراجع الفوارق الاجتماعية، مما مكّنه من هيمنة انتخابية واستقطاب أنصار ريفيين ومن السكان الأصليين. لكن أزمة انتخابية عام 2019 أدت إلى فرار موراليس واعتبر أنصاره ذلك انقلاباً؛ أعقب ذلك حكومة يمينية قصيرة ومع قمع دامٍ. عاد اليسار إلى السلطة عام 2020 بانتخاب لويس أربيس، لكن انقسامات داخلية أضرت بـMAS ودفعت موراليس إلى مغادرة الحزب؛ كما مُنع قانونياً من الترشّح بسبب طلبات توقيف تتعلق بجرائم جنائية مزعومة، وناشد أنصاره بمقاطعة التصويت.

القضايا المحورية: أولوية الناخبين الحالية هي الاقتصاد وتكاليف المعيشة. التضخّم وندرة الوقود ونفاد الاحتياطيات بالعملة الأجنبية ألقت بظلالها على الحياة اليومية: طوابير طويلة أمام محطات البنزين، ونقص الديزل الذي يؤثر على نقل السلع. مسح أجرته منظمة أمريكا/مجلس الأمريكتين أظهر أن 24% من البوليفيين يعتبرون الوضع الاقتصادي هو همّهم الأول في هذه الحملة.

ختاماً، الجولة الحاسمة لن تُعيد تلقائياً تصفيف المشهد السياسي الممزّق؛ الفائز سيواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية جسيمة تتطلب موازنة دقيقة بين الإصلاحات المطلوبة واحتواء الاحتقان الشعبي. ذكر 17 في المائة ارتفاع الأسعار كأهم هاجس، بينما بلغت مخاوف ندرة الوقود 14 في المائة.

ما هي الخلافات التي ميّزت هذه الانتخابات؟
واجه فيلاسكو، مرشح نائب الرئيس في تحالف كويرروغا، تدقيقاً كبيراً بعد ظهور سلسلة منشورات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي كانت تمجد العنف ضد السكان الأصليين في البلاد. بعض هذه المنشورات تعود إلى ما يقرب من خمسة عشر عاماً، وقد كشف عنها في البداية ناشط أرجنتيني على منصات التواصل، ثم أكدتها جهات التحقق من الحقائق في بوليفيا. نفى فيلاسكو أنه كاتب تلك المنشورات، وهاجم بدوره جهات التحقق، ما دفع جمعية الصحافة البوليفية إلى إصدار بيان يدعم عمل هذه الجهات.

يقرأ  غال غادوتتزور ساحة «الرهائن» في تل أبيبتعبيراً عن التضامن

ما هي السياسات التي اقترحها المرشحون؟
يتعهد كل من كويروغا وباز بسياسات مؤيدة للسوق وبالابتعاد عن البرنامج اليساري الذي هيمن على السياسة البوليفية لعقود. يتباين المرشحان في وتيرة وتعمق التغييرات الاقتصادية المزمعة. أعلن كويروغا أنه سيوَجه خفضاً في الإنفاق على البرامج الاجتماعية ودعم الوقود، وسيسعى لخصخصة مؤسسات الدولة وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي. من جهته، أبدى باز حذراً أكبر حيال سياسات التقشّف والقصّ الحادّ في البرامج الاجتماعية، رغم قوله أيضاً إنه سيقلص دعم الوقود. واقترح باز أيضاً خفض التعريفات الجمركية لاستيراد سلع لا تُنتجها البلاد، وأبدى اهتماماً بتعزيز الاندماج في تكتلات تجارية إقليمية مثل ميركوسور.

توجّه المرشح خورخي «توتو» كويروغا إلى مؤيديه في حفل ختام الحملة بمدينة لا باز في 15 أكتوبر.

ماذا سيعني هذا الانتخابات للعلاقات مع الولايات المتحدة؟
أبدت إدارة الرئيس دونالد ترامب ترحيبها بإمكانية قيام حكومة يمينية في بوليفيا. كانت العلاقات الثنائية تحت قيادة حركة MAS متوتّرة بسبب سياسات متضاربة تجاه زراعة الكوكا، المحصول الرئيسي في بوليفيا والمادة الخام لصناعة الكوكايين. في 14 أكتوبر وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الانتخابات بأنها «مهمة»، مشيراً إلى أن المرشحين في الجولة الحاسمة يسعون إلى علاقات أقوى مع الولايات المتحدة، بعد عقود من حكومات اعتُبرت معادية لأمريكا. طرد إيفو موراليس مكتب مكافحة المخدرات الأمريكي (DEA) عام 2008 ووكالة التنمية الأمريكية (USAID) عام 2013 متّهمًا إياهما بمحاولة التأثير في السياسة البوليفية. تقول المحللة ليدبور إنّ هناك كثيراً من الإحباط في واشنطن لأن تجربة موراليس كانت بمثابة دحضٍ للفكرة القائلة بضرورة التعاون والتمويل الأمريكي للحكم الناجح. كلا المرشحين، باز وكويروغا، أعلنَا رغبتهما في تقارب العلاقات مع الولايات المتحدة؛ وكان كويروغا صارماً تجاه حكومات يسارية في المنطقة مثل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، التي ربطت MAS علاقات معها. يتزامن هذا التوجه مع سياسة أمريكية أكثر عدوانية في أمريكا اللاتينية، تميل إلى نهج عسكري أكثر في مكافحة تهريب المخدرات واستخدام النفوذ الأمريكي لدعم حلفاء يمينيين في دول مثل الأرجنتين والبرازيل.

يقرأ  بعد 25 عاماً على قرار أممي تاريخيالأمين العام: النساء غالبًا ما يغبن عن محادثات السلام

توجّه المرشح رودريغو باز إلى مؤيديه خلال تجمع ختام الحملة في تاريجا يوم 15 أكتوبر.

ما الذي ينتظر اليسار البوليفي؟
بعد سنوات من الهيمنة، يستعد اليسار البوليفي لفترة من التراجع السياسي. حصل مرشح MAS، إدواردو ديل كاستيلو، على نحو 3.2 في المائة فقط في الجولة الأولى التي جرت في أغسطس، بينما نال أندرونيكو رودريغيز، المنشق سابقاً عن الحركة، حوالي 8 في المائة. انتقل كثير من مؤيدي MAS السابقين إلى دعم باز بسبب خطابيه الشعبوي ونهجه الأكثر مرونة تجاه سياسات التقشّف، وتلفت ليدبور إلى أن اليسار الذي كان قوياً لأيام سيضطر إلى إصلاح الانقسامات الداخلية وإيجاد مسار جديد. مع ذلك، فإن قوى الدفع التقليدية لليسار البوليفي — مثل الكتل الانتخابية للسكان الأصليين والريف — تظل فاعلة ومؤثرة حتى لو خرجت MAS من السلطة. تحذّر ليدبور من أن محاولة تنفيذ إجراءات تقشّف صارمة قد تثير ردود فعل عنيفة واحتجاجات واسعة، وتتوقع أن الصراع مع الحكومة الجديدة قد يوحّد اليسار حول قضية مشتركة، لكن ذلك سيستغرق وقتاً. «سيضطر اليسار بالتأكيد إلى تغيير شيء ما بعد هزيمته في الانتخابات،» قالت. «ستتم عملية إعادة تشكيل، لكنها قد تطول.»

أضف تعليق