إعادة بناء الثقة في التعليم الرقمي الخصوصية: فلسفة في صميم التكنولوجيا التعليمية

الخصوصية كأساس منظومة التعلم

هناك عقد غير مكتوب في كل صفّ، سواء كان فعلياً أو افتراضياً. يأتي المتعلّمون معرضين للضعف، متردّدين، ومستعدين للفشل كي يتعلّموا. يفتح المعلمون مناهجهم؛ يكشف الناشرون عن رأس مالهم الفكري؛ وفي هذا التبادل يتشكّل الثِّقة أو تنكسر. لعقود كان ذلك العمل يسير بسلاسة في الفضاءات الواقعية: باب مغلق، ورقة مقرّرة تُعاد مقلوبة، وفهم ضمني بأن ما يجري في التعلم يبقى داخل حقل التعلم. لكن الانتقال إلى العالم الرقمي عقّد ذلك العقد. فهل يمكن لتقنيات التعليم إعادة بناء الثقة التي كانت قائمة؟

عندما انهار الوعد لصالح الكفاءة

أوّل جيل من منصات التعلم الرقمي باعنا السرعة والقدرة على التوسّع: وصول في أي مكان وزمان، مكتبات محتوى لا نهائية، تحليلات لحظية. كل ذلك صُمّم لجعل التعلم أكثر كفاءة وقابلية للقياس. لكننا لم نحسب حساب ثمن ذلك “المزيد”. كل تسجيل دخول أصبح نقطة بيانات. كل إجابة في اختبار تحوّلت إلى سلوك يمكن تتبعه. بنَينا أنظمة ترى كل شيء، تخزّن كل شيء، تحلّل كل شيء، وافترضنا أن ما يخدم نتائج التعلم يخدم المتعلّمين أيضاً. ومع ذلك بدأ المتعلمون يطرحون سؤالاً مختلفاً: ليس «هل هذه المنصة تعلّمني؟» بل «ماذا تتعلم هذه المنصة عنّي؟»

المعادلة الجديدة: الضمان بدل الوصول

نحن نشهد تحولاً جذرياً في ما يطالب به الناس من التعلم الرقمي. صار الوصول أمراً مفروغاً منه؛ أما المميّز الحقيقي فهو الضمان. هل تضمنون ألا يتسرب ملكيّاتي الفكرية؟ هل تضمنون ألا تُستغل بيانات الطلاب تجارياً؟ هل تضمنون ألا يختلق الذكاء الاصتناعي معلومات؟ هذا ليس جنون شكّ؛ بل استجابة لأنماط متكرّرة. بعد سنوات من الخروقات والممارسات غير الشفافة تعلم الناس أن يكونوا متشكّكين. المنصات التي ستفوز في العقد القادم لن تكون تلك ذات الميزات البراقة فحسب، بل تلك التي تجعل الناس يشعرون بالأمان الكافي للمخاطرة.

يقرأ  في الهند، نافنيت جياكومار يوثّق طقس «ثيام» العتيق والمعقَّد— عرض عملاق ومهيب

الخصوصية كفلسفة لا كسياسة

هنا يخطئ كثير من مزوّدي تقنيات التعليم: يعاملون الخصوصية كمشكلة امتثال؛ كقائمة تحقق تُضاف في نهاية عملية التطوير. لكن الامتثال هو الحد الأدنى لتجنّب المساءلة. الخصوصية الحقيقية يجب أن تكون فلسفة تشكّل كل قرار: تصميم الواجهات، طرق جمع الموافقة، سياسات الاحتفاظ بالبيانات. يعني ذلك أن نسأل عند كل مفترق: «هل يخدم هذا المتعلّم أم نموذج بياناتنا؟»

عندما تصبح الخصوصية فلسفة تتغيّر الإجابات. تتوقّف عن جمع البيانات لمجرّد الإمكان. تتوقف عن إخفاء التعقيد في بنود الاستخدام. وتُبنى أنظمة يكون فيها التحكم هو الافتراضي، لا خياراً مدفوناً داخل ثلاث قوائم.

خصوصية المحتوى: النصف المنسي

ما ننساه أحياناً: نحن نهتم ببيانات الطلاب وهذا جائز، لكن نادراً ما نناقش بيانات المحتوى. يستثمر الناشرون سنوات في تطوير مناهجهم وتقويماتهم؛ وهذا هو مصدر رزقهم الفكري. لكن بمجرد دخول المحتوى إلى منصة رقمية يُتوقّع منهم أن يثقوا بأنّه لن يُقتبس، أو يُستنسخ، أو يُستخدم لتدريب نماذج طرف ثالث. خصوصية المحتوى ليست مسألة إدارة حقوق رقمية فحسب؛ إنها تتعلق بمنح أصحاب المحتوى سيطرة حقيقية طوال دورة حياة المادة: من يصل إليها؟ تحت أي شروط؟ هل يمكن للأنظمة التحليلية أو للذكاء الاصتناعي الاطلاع عليها، وما حدود ذلك؟ عندما تنتهي رخصة استخدام، هل يصبح المحتوى محجوباً فعلاً؟

هذه الأسئلة تؤرق الناشرين. وعندما تعجز المنصات عن الإجابة بثقة، تتبدّد الثقة. إذا لم يثق الناشرون في المنصات فلن ينقلوا أفضل أعمالهم إليها. وبدون أفضل المحتويات، تتحوّل المنصة إلى مدينة أشباح.

السيف ذو الحدين: الذكاء الاصطناعي في التعليم

يعدّ الذكاء الاصطناعي بتعليم مخصّص على نطاق واسع، بتغذية راجعة فورية، ومسارات تكيفية. لكنه يفاقم كل مخاوف الثقة الموجودة مسبقاً. كيف يستخدم بيانات الطلاب؟ كيف نمنع «الهلوسة»؟ كيف نضمن عدم ترسيخ التحيّزات؟

يقرأ  دور تشارلي كيرك ومنظمة تورنينغ بوينت يو إس إيه في فوز دونالد ترامب وحركة ماجاأخبار دونالد ترامب

الشركات التي ستصمد أمام موجة الذكاء الاصطناعي لن تكون الأسرع في التطبيق، بل الأكثر مسؤولية. يعني ذلك ذكاءً اصطناعياً محاطاً بضوابط، لا يكشف عن معلومات حسّاسة، مُصمّماً خصيصاً للتعليم لا مُعاد تهيئته من سياقات استهلاكية حيث أخلاقيات التطبيق أضعف. هذه هي الوسيلة الوحيدة لإعادة بناء الثقة في عالم الذكاء الاصطناعي.

ما الذي سيأتي بعد ذلك؟

نحن عند نقطة انعطاف. يمكن لصناعة تقنيات التعليم أن تواصل مطاردة تناسق الميزات، أو أن تطرح سؤالاً أصعب: ماذا يعني أن تبني منصات يكون فيها الأمان مضمن البنية لا مُسوّقاً؟ حيث يشعر الناشرون أن محتواهم محمي حقاً؟ حيث ترى المؤسسات الامتثال كميزة لا عبئاً؟ حيث يختبر المعلمون التكنولوجيا كدعم لا كمراقبة؟ حيث يندمج المتعلّمون بالكامل لأنهم يعلمون أنهم لا يُصنّفُون أو يُسوَّق لهم؟

هل يمكن لتقنيات التعليم استعادة الثقة في عالم معكّر بالخروقات؟ نعم، لكن فقط إذا توقفنا عن التعامل مع الخصوصية كخانة يجب وضع علامة فيها وبدأنا بمعاملتها كعمارة أخلاقية للتعلم الرقمي. فقط إذا فهمنا أن المنصات التي ستحدد العصر المقبل لن تكون تلك الأكثر امتلاءً بالميزات، بل تلك التي يشعر الناس بالأمان عند استخدامها. فالتعلم لا يحدث إلا بحضور الثقة، والثقة لا تنشأ إلا عندما يعلم الناس أن ضعفهم سيُحفظ. هذه ليست مشكلة تقنية فحسب؛ إنها التزام. والشركات التي تصنع هذا الالتزام وتحافظ عليه ستمتلك مستقبل التعليم.

MagicBox

MagicBox™ منصة تعليم رقمي حائزة جوائز مخصّصة للتعليم الأساسي والثانوي، التعليم العالي والنشر المؤسسي. يمكن للناشرين والمؤلفين ومنشئي المحتوى استخدامها لإنشاء وتوزيع وإدارة محتويات تفاعلية غنية.

أضف تعليق