المشكلة الكامنة في كل عملية تعلم
الغاية الأساسية لأي عملية تعلم—بغض النظر عن شكلها—هي تحسين مهارات الموظف، تعميق معارفه، أو صقل طرق عمله. الأمر لا يقتصر على مجرد استيعاب المعلومات، بل يتعلق بإحداث تغيير ملموس وإيجابي في الأداء. هذا الهدف الحيوي، الذي نسميه هدف التعلم، يتبلور استجابةً لحاجات العمل الحقيقية. في عالم مثالي، كانت المواد التعليمية تغطي هذه الحاجات بدقة، لكن الواقع أبعد من ذلك بكثير.
إنتروبيا التعلم: الفاقد بين النية والنتيجة
رغم الوقت والموارد الكبيرة التي تستثمرها الشركات في التدريب، ثمة هدر فعلي في الجهد والمعرفة غير المطبَّقة. شبيهةً بمفهوم الإنتروبيا في الفيزياء، يمكن تسميتها “إنتروبيا التعلم” — الفجوة التي تنشأ بين الهدف المنشود والنتيجة الفعلية. هذه التسريبات لا تنشأ من مصدر واحد، بل من عدة عوامل تحدّ من قدرة التدريب على الوصول إلى فعالية 100%.
مصادر إنتروبيا التعلم
– طول المدة المفرط: تصميم دورات طويلة جداً يزيد العبء المعرفي، يستنزف الانتباه، ويتجاهل ضيق جداول العمل. كثير من الوقت يُهدر لأن الدروس الأساسية تضيع في طوفان من المعلومات.
– تفاعلية سطحية أو معدومة: التفاعل الحقيقي يتجاوز النقر على “التالي”. يتطلب مشاركة فعّالة من المتعلم لحل مشكلات واتخاذ قرارات. الأساليب السلبية — مثل المشاهدة أو القراءة فقط — لا تُعِدّ المتعلم للتطبيق العملي، فتولد إنتروبيا كبيرة.
– محتوى مكرر: إجبار الجميع على اجتياز مواد عامة دون مراعاة الخلفيات المعرفية يبدد الوقت ويعيق الدافعية دون إضافة قيمة حقيقية.
– مواضيع غير ذات صلة: عندما تغطي الدورات مواضيع لا تمس وظيفة الموظف مباشرة، تُنسى بسرعة. هذا الخلط بين مادة التعلم ودور الموظف مصدر أساسي لهدر الفاعلية.
– مظهر بصري سيئ: التصميم البصري مهم. الواجهات المزدحمة، الرسوم الرديئة أو المؤثرات المشتتة تُقلل من المصداقية وتجعل استقبال المحتوى أصعب.
– تكنولوجيا متقادمة: الاعتماد على أدوات وأساليب قديمة يولد احتكاكاً. النهج الحديثة مثل التعلم التكيّفي واللعب التعليمي تقدّم تجارب أكثر جذباً وفاعلية.
– منهج واحد يناسب الجميع: كل موظف يملك مستوى مهارة وخبرة وأساليب تعلم مختلفة. المنهج العام يُساهم في الإنتروبيا عبر فشله في توفير تخصيص يدفع نحو النتائج المرجوة.
عيب التقييمات التقليدية
أسوأ من ذلك، تنتهي معظم برامج التعلم بتقييم بسيط أو استبيان يركز على استدعاء المعرفة لا على تغيير السلوك أو تطبيق المهارة. يمكن للمتعلم أن يجتاز اختبار اختيار من متعدد لكنه يفشل في توظيف المعرفة في العمل. هذه التقييمات تمنح إحساساً زائفاً بالنجاح وتخفي مقدار الإنتروبيا الحقيقي، مما يصعّب قيس العائد الفعلي على الاستثمار.
خاتمة وتوصيات عملية
لمواجهة إنتروبيا التعلم يجب تحويل التركيز من مجرد توصيل المحتوى إلى تحسين الأداء الفعلي. الحل يكمن في تصميم تعلم مخصّص، جاذب، ومترابط مباشرة بمقاييس الأداء الحقيقية.
– أعطِ الأولوية للملاءمة والإيجاز: بدلاً من دورات عامة وطويلة، اعتمد وحدات تعلم مصغرة (ميكروتعلم) تستهدف مهارة أو مشكلة محددة، وتحترم وقت الموظف.
– ركّز على المشاركة النشطة: تحوّل عن التعلم السلبي نحو محاكاة، ألعاب تعليمية، وسيناريوهات اتخاذ قرار تفرض على المتعلم التطبيق العملي لما يتعلَّمه.
– قياس الأثر الحقيقي: لا تقيس النجاح بمعدلات الإكمال أو درجات الاختبارات فقط، بل بتأثير التدريب على نتائج العمل — تحسّن الإنتاجية، تطبيق المهارات أثناء الأداء، وتغيّر السلوك. بهذه الطريقة يتحول التدريب إلى استثمار واضح المردود.