هبوط اضطراري في شنغهاي يبرز مخاطر متصاعدة لاحتراق بطاريات الليثيوم على متن الطائرات بينما يكافح قطاع الطيران للتعامل مع تزايد حوادث الهروب الحراري.
الركاب على متن رحلة الخطوط الجوية الصينية CA139 شهدوا مشاهد رعب وبسالة على ارتفاع السفر الجوي، حين اندلعت مفاجئًا نيران في بطارية ليثيوم داخل خزانة علوية، ما اضطر الطائرة إلى الانحراف الطارئ وأظهر التهديد المتصاعد للأجهزة المحمولة على متن الطائره التجارية.
الحادثة — على متن إيرباص A321 الذي كان يقل 170 راكبًا وطاقمًا من هانغتشو إلى سيول في 18 أكتوبر 2025 — وقعت على ارتفاع نحو 33,000 قدم، بعد أن سمع بعض المسافرين ما وصفه أحدهم بـ«فرقعة عالية» تبعتها ألسنة لهب من خزانة علوية، ملأت المقصورة بالدخان الأسود الكثيف ورائحة احتراق المكونات الإلكترونية.
من الهلع إلى البطولة
تُظهر لقطات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة اندلاع النيران من الخزانة العلوية بينما ارتفعت أنظار الجالسين تحتها بوجوم. وما كان ليصبح كارثة دامية تجنّبته سرعة استجابة طاقم المقصورة وتآزر الركاب.
اندفع مضيفان يحملان طفايات حريق في الممر بينما صاح آخرون للحث على الجلوس، وتعاون الركاب مع الطاقم لإخماد اللهب باستخدام طفايات حريق من نوع هالون. تُظهر اللقطات كذلك مسافرًا واحدًا على الأقل يساعد الطاقم في مكافحة النيران المتصاعدة من مسند الأمتعة.
أعلن القائد والطاقم حالة الطوارئ فورًا ووجهوا الطائرة إلى مطار شنغهاي بودونغ الدولي، حيث هبطت الطائرة بأمان بعد نحو أربعين دقيقة من بداية الحادث. وبفضل استجابة الطاقم السريعة أُخمد الحريق في بضع دقائق ونزل جميع الركاب وأفراد الطاقم سالمين.
تهديد بطاريات الليثيوم المتصاعد
أكدت شركة إير تشاينا في بيان أن «بطارية ليثيوم اشتعلت تلقائيًا داخل أمتعة يد لراكب مخزنة في الخزانة العلوية»، وأن الطاقم تعامل مع الموقف فورًا وفق اجراءات المعمول بها. يمثل الحادث حالة نموذجية لما يسميه الخبراء في الطيران «الهروب الحراري»، وهي حالة خطيرة ترتفع فيها حرارة بطاريات الليثيوم أيون بسرعة وقد تنفجر أو تشتعل.
يوضح خبير سلامة الحرائق في المركز الفني للهيئة الفدرالية للطيران، روبرت أوكس، أن «الهروب الحراري هو ببساطة حالة يبدأ فيها الخلية البطارية بإطلاق الطاقة بشكل خارجي وغير مسيطر عليه. وفي أقصى الحالات يمكن أن يؤدي ذلك إلى دخان ونار وحتى انفجار».
الحادثة جزء من اتجاه مقلق: تُظهر بيانات قطاع الطيران أن عام 2024 شهد متوسط حالتين أسبوعيًا من حوادث الهروب الحراري التي تبلغ شركات الطيران عنها، وأن 18% من حوادث المقصورة أدت إلى هبوطات اضطرارية، أو عودة إلى البوابة، أو عمليات إخلاء طارئة، أو نزول ركاب غير مخطط له.
وتشير الهيئة الفدرالية للطيران إلى أن حوادث احتراق بطاريات الليثيوم أيون زادت بأكثر من 42% خلال السنوات الخمس الماضية، مع معدل تفشي أحداث ذات دخان أو نار أو حرارة مفرطة على متن الطائرات يتجاوز حالتين كل أسبوع تقريبًا.
لماذا تتحول البطاريات إلى قنابل نارية طائرة
الأجهزة التي تمدّ حياتنا المتصلة بالطاقة — الهواتف الذكية، الحواسب المحمولة، الأجهزة اللوحية، الشواحن المحمولة، وأدوات التدخين الإلكتروني — كلها تحتوي خلايا ليثيوم أيون قد تصبح مصادر خطر عندما تتعرض للضرر أو تُخزن بطريقة غير سليمة. يحضر المسافرون في المتوسط أربعة أجهزة تعمل بالليثيوم في كل رحلة، ما يخلق ملايين مصادر محتملة للحريق في السماء يوميًا.
يبدأ الهروب الحراري عادة بعوامل خارجية مثل الشحن الزائد، أو السخونة المفرطة، أو التلف الميكانيكي، أو الضغط، وهي الضغوط التي قد تنشأ عندما تتحرك الأمتعة داخل الخزائن العلوية أثناء الرحلة. يتسبب الهروب الحراري في ارتفاع سريع في درجة حرارة وخفض ضغط خلية البطارية مع انبعاث غازات قابلة للاشتعال تشعلها حرارة الخلية فتؤدي إلى الحريق.
أشار الطيار المتقاعد جون كوكس إلى أن «غالبية حالات الهروب الحراري يكون سببها مالك الجهاز نفسه عبر إسقاطه أو إلحاق ضرر كبير به». ومن الأسباب الأخرى الشائعة استخدام شواحن وسوائل شحن من السوق الرمادية تفتقر إلى شهادات سلامة معتمدة.
صعوبة مكافحة الحرائق في الجو
ما يجعل حرائق بطاريات الليثيوم خطيرة على متن الطائرات هو صعوبة إخمادها واحتواؤها. تؤكد اختبارات الهيئة الفدرالية للطيران أن حتى بعد استخدام طفايات الهالون — المعيارية على الطائرات — قد لا يتوقف الحريق وقد يعاود الاشتعال مع بطارية ليثيوم.
البروتوكول الموصى به يفرض على المضيفين البدء باستخدام الطفايات ثم «صب الماء أو السوائل غير الكحولية، كل ما يمكنهم الحصول عليه» من عربات المطبخ لتبريد الخلية ومنع إعادة الاشتعال.
كما تصدر هذه الحرائق أبخرة سامة تشمل فلورايد الهيدروجين، وكربونات الميثيل، وكربونات الإيثيلين، وأول أكسيد الكربون، وثاني كبريتيد الكربون، وفلووريد الفوسفوريل، ما يزيد من مخاطر صحية في البيئة المغلقة لمقصورة الطائرة.
ويتسم الأثر النفسي للركاب بشدة؛ إذ تُظهر بيانات استطلاعات أن حادث هروب حراري كبير سيدفع 46% من الركاب لتجنب السفر مع شركة طيران معنية، بينما لن يطير 28% معهم أبدًا مرة أخرى.
ماذا ينبغي للركاب أن يعرفوا
يوصي خبراء سلامة الطيران بعدة احتياطات للمسافرين:
– العناية بالأجهزة: احتفظ بأجهزتك معك خلال الرحلة بدلاً من وضعها في الخزائن العلوية.
– لا تستخدم بطاريات تالفة مثل المتورمة أو المشققة أو التي تظهر عليها علامات تلف مرئية.
– استخدم شواحن وكابلات معتمدة من الشركة المصنعة فقط.
– أطفئ الأجهزة تمامًا عند تخزينها.
– إذا سقط جهاز في المقعد، اطلب مساعدة الطاقم قبل محاولة تحريك المقعد.
الاستجابة الفورية:
– أخطر مضيفي الطائرة فورًا إن شعرت بأن جهاز ساخن أو ينبعث منه دخان أو بدا عليه تلف.
– لا تحاول استرداد جهاز تالف من فراغات ضيقة بنفسك.
– حافظ على البطاريات الاحتياطية في أمتعة اليد فقط، وليس في الحقائب المسلمة.
كما يحذر خبير سلامة الطيران علي ماروتيان: «حريق بطارية ليثيوم على الأرض خطر كافٍ، وعلى ارتفاع 30,000 قدم يمكن أن يتحول إلى كارثة».
التداعيات والوقاية المستقبلية
بعد الهبوط الطارئ، تم إسكان الركاب في شنغهاي وتوفير المرطبات وربطهم برحلات بديلة إلى سيول، حيث أعدت شركة إير تشاينا طائرة بديلة من طراز إيرباص A321 لنقلهم إلى وجهتهم النهائية في وقت لاحق من بعد الظهر.
أوقفت إدارة الطيران المدنية الصينية تشغيل الطائرة المتأثرة مؤقتًا لفحص الأنظمة الكهربائية للمقصورة وتجميع الخزانات العلوية، مع مواصلة التحقيق مع تركيز على فرض تدابير وقائية مشددة وتعزيز الرقابة على الأجهزة المحمولة التي تُحمل في الرحلات.
تجسد هذه الحادثة تذكيرًا صارخًا بأنه في عالمنا المترابط تتضمن الأجهزة التي تبقينا على اتصالًا مخاطر حقيقية. كما لخص خبير طيران: «كلما نشب حريق على الطائرة يصبح الوضع مصدر قلق بالغ، ويجب اتخاذ إجراء فوري لأن لا مفر في الجو».
بالنسبة إلى الركاب الـ170 الذين مرّوا بهذه الرحلة المروّعة، حوّل التفكير السريع للطاقم والمسافرين ما كان يمكن أن يكون مأساة إلى شهادة على الجاهزية الطارئة والتعاون الإنساني في وجه الخطر. لكن تجربتهم تؤكد أيضًا الحاجة الملحّة إلى اليقظة المستمرة بينما تحلق ملايين الأجهزة العاملة بالليثيوم في أجوائنا يوميًا.