مكتب النييابة العامة الإيطالي يفتح تحقيقاً بشأن مزاعم «سفاري القنّاصة» في سراييفو
فتح مكتب النييابة العامة في ميلانو تحقيقاً حول ادعاءات تفيد بأن مواطنين إيطاليين شاركوا في ما وُصف بـ«سفاري القنّاصة» خلال حصار سراييفو (1992–1996)، حيث استُهدف مدنيون في حصيلة قتلى تجاوزت 11 ألف شخص. المصطلح البشع «سفاري» استُخدم هنا على نحو استعراضي ليشير إلى رحلات تشبه رحلات الصيد القاتلة إلى قلب مدينة مُحاصرة، في أطول حصار لمدينة في تاريخ أوروبا الحديث.
الإجراءات القضائية والتحقيقات
قاد المدّعي أليساندرو غوبّس التحقيق بعد أن قدّم الصحفي والروائي إيتسيو غافاتسّيني، بمساعدة المحامين نيكولا بريغيدا والقاضي الأسبق جايدو سالفيني، شكوى تتضمن تهمة «القتل مع تأنٍ وبواسطة وسائل قاسية ودوافع محتقرة». وفق وسائل الإعلام الإيطالية، يسعى المحققون لتعقب مشاركين محتملين في تلك الرحلات، بعد أن جرى تحديد خمسة أشخاص على الأقل في لائحة الدعوى.
غافاتسّيني، الذي سلّم كلّ أدلته للنيابة، قال إن الدعوى «تكشف جزءاً من المجتمع يختبئ وراء ستار الاحترام الاجتماعي». وأضاف أن الأمر يتعلق «بأثرياء وساهمين لهم سمعة ومشاريع تجارية دفعوا لقاء القدرة على قتل مدنيين عُزّل».
كيف كانت تعمل «السرافري»؟
بحسب الروايات، كان عشّاق السلاح من إيطاليا ودول أخرى يلتقون أيام الجمعة في مدينة ترييستي القريبة من حدود يوغسلافيا السابقة، لتنظيم عطلة نهاية أسبوع «للصيد». يُعتقد أن منظّمين خاصين نسّقوا الرحلات، وأن المشاركين كانوا يُنقَلون بواسطة شركة الطيران الأيوغسلافية/الصربية Aviogenex إلى تلال محيطة بسراييفو، حيث كانوا يدفعون ميلشيات بوسنية-صربية موالية لرادوفان كرايشتش (مدان لاحقاً بجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية) مقابل إطلاق النار على المدنيين.
ذكرت صحيفة لا ريبوبليكا أن بعض «السياح» دفعوا مبالغ تصل إلى مئة ألف يورو معدّلة وفق التضخّم والتحويلات (مع الإشارة إلى أن اليورو لم يُدخَل آنذاك إلا في 1999) للانضمام إلى هذه الرحلات والاشتراك في عمليات القتل. وورد أيضاً في الدعوى أن المشاركين كانوا يتسلمون «قائمة أسعار» بحسب نوع الضحية المستهدفة: الأطفال الأغلى ثم الرجال تليهم النساء، بينما جُعل قتل المسنين مجاناً، وفق ما ورد.
بعض الشهادات والجهات ذات الصلة
تضمّنت لائحة الاتهام شهادة إدن سوباسيتش، ضابط في الاستخبارات العسكرية البوسنية، الذي يقول إنه وأعضاء آخرين أبلغوا جهاز الاستخبارات العسكرية الإيطالي (Sismi) في بداية 1994 عن رحلات من ترييستي إلى سراييفو، وإن Sismi أفاد لاحقاً بأنه «أوقف» تلك الرحلات بعد بضعة أشهر. وتورد التقارير أن تحليل نقاط الانطلاق في ترييستي أدى إلى مقاطعة العملية، وفق تقارير الاستخبارات الإيطالية.
تضمن الملف أيضاً إفادات تُحيل إلى ثلاثة رجال تحت التحقيق حالياً، مِن تورينو وميلانو وترييستي؛ ويذكر تقرير Sismi أن رجل ميلان الذي شارك في إطلاق النار عام 1993 كان يملك عيادة تجميل خاصة. كما أرسلت رئيسة بلدية سراييفو السابقة، بنجامينا كاريتش، ملف قضايا إلى النيابة في ميلانو حول «أجانب أثرياء شاركوا في أعمال لا إنسانية»، بحسب وكالة أنسا الإيطالية.
موقف السلطات والتعاون الدولي
نفت صربيا أي تورط رسمي في عمليات القتل، لكن المحققين يستبعدون أن تكون أجهزة الاستخبارات الصربية غافلة عمّا يجري، إذ تُشير شهادات إلى أن طريقة تنظيم الرحلات وربطها بشركات نقل جوية توحي بوجود جهات أمنية دولة وراءها. من جهة أخرى، أفاد قنصل البوسنة في ميلانو، داغ دومروكشيتش، أن بلاده تتعاون «بشكل كامل» مع التحقيقات وأن لديها معلومات ستزوّد بها المحققين.
آثار الحصار على الناجين وصدى القضية اليوم
يعتبر من رافقوا الحصار وشهدوا فصوله أن مثل هذه الادعاءات لا تُفاجئهم. دزميل هودزيتش (42 عاماً)، مؤسس مشروع أرشفة صور «ممر القنّاصة»، قال إن عطلات نهاية الأسبوع كانت «خطرًا خاصاً» على المدنيين وإن إشاعات عن قدوم أشخاص من الخارج لإطلاق النار كانت تتردّد دائماً. وأضاف أن الأمر «حقيقة معروفة، لكن لا قيمة لها ما دامت مرتكبو القتل وفرق القنّاصة طلقاء، وأن مكتب النيابة البوسني لم يتخذ خطوات كافية ضدهم. أملي أن تبقى هذه القضية في الساحة الإعلامية وأن تسفر عن نتائج إيجابية».
ترافق تلك الروايات آلام شخصية؛ فقد أفاد هودزيتش بأن شقيقه قُتل برصاصة من قنّاص صربي بينما كان يلعب التنس في الحيّ، مثال يذكّر بمدى الأثر الإنساني الطويل للحصار ويمضي بالدعوات إلى مساءلة المسؤولين والمشاركة في كشف الحقائق. «لن نعرف أبداً إن كان أحدهم من الذين دفعوا للقيام بذلك»، اضاف.
هل شارك أشخاص من دول أخرى أيضًا؟
يُعتقد أن مواطنين من عدة دول شاركوا في الأحداث. في عام 2022، حقق المخرج البوسني ميران زوبانيك في فيلمه الوثائقي “سراييفو سفاري” مع أشخاص أجانب أثرياء شاركوا في تلك الأعمال، ومن بينهم بعض المواطنون من الولايات المتحدة وروسيا.
من الأمثلة البارزة الكاتب والسياسي القومي الروسي إدوارد ليمونوف، الذي صُوّر في لقطات ضمن فيلم وثائقي عن حرب البوسنة أخرجه باول باوليكوفسكي عام 1992، وهو يطلق النار من رشّاش باتجاه مدينة سراييفو بينما كان يرافقه شخصيًا رادوفان كاراديتش.
علاوة على ذلك، في عام 2007 أدلى الجندي البحري الأمريكي السابق جون جوردان بشهادة أمام المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة بأن «قناصة سياح» قد جاءوا الى سراييفو.
قال جوردان في المحكمة: «كان من الواضح تمامًا أن الشخص الذي كان يقوده رجال مطّلعون على الأرض كان نفسه غير مطّلع على المكان؛ وطريقة لباسه والأسلحة التي كانوا يحملونها جعلتني أعتقد أنهم قناصة سياح».