أعلنت حكومة كوريا الجنوبية أنها أتمت اتفاقاً لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية بالشراكة مع الولايات المتحدة، في خطوة اعتبرتها سياسية وعسكرية بالغة الأهمية في سياق تصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية.
ما الذي يتضمنه الاتفاق؟
الاتفاق، الذي تلا تفاهمات تجارية أوسع بين البلدين، يقضي بمنح سيول الترخيص لتشييد غواصات هجومية نووية مع تعاون أميركي في تطوير متطلبات المشروع وسبل تأمين الوقود النووي. وفي ملخص للبيت الأبيض قيل إن واشنطن قد “اعطت الموافقة” للعمل مع كوريا الجنوبية لتطوير هذه القدرات. كما ذكرت تقارير أن أجزاءاً من التصنيع ستجري في حوض سفن بفيلادلفيا تديره مجموعة هانواه الكورية.
خلفية تجارية وسياسية
اتفاق الغواصات جاء بعد صفقةٍ تجارية واسعة خفّضت الرسوم المتبادلة بين البلدين، وكانت جزءاً من سلسلة تفاهمات تضمنت استثمارات كورية كبيرة في الولايات المتحدة. وتبرز أهمية هذه الخطوة كون غواصات الدفع النووي تمنح قدرات تشغيلية أوسع من الغواصات التقليدية العاملة بالديزل، سواءً من حيث السرعة أو المدى أو الخفاء.
لماذا تريد كوريا الجنوبية غواصات نووية؟
البرنامج يستهدف بالأساس مواجهة التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية وتعزيز الردع الإقليمي، خصوصاً في ضوء ما أظهرته بيونغ يانغ من مشاريع لتطوير غواصات نووية خاصة بها. كما يرى مسؤولون في سيول أن امتلاك غواصات نووية يمثل قفزة نوعية لقدرات الدفاع البحري ويمنح سيول مرونة أكبر للعمل مع شركائها الإقليميين والدوليين. إحدى السمات البارزة للغواصات النووية هي قدرتها على التحرك بسرعة وبمدى طويل مع مستوى عالٍ من الخفاء، ما يزيد من صعوبة رصدها واحتوائها.
هل لدى كوريا الشمالية غواصات نووية؟
كوريا الشمالية أعلنت أنها تعمل على برنامج غواصات نووية، وعرضت صوراً في مارس 2025 لغواصة قالت إنها قيد الإنشاء، مع نشوء تقديرات بأن بيونغ يانغ قد تحصل على مثل هذه القدرات خلال سنوات قليلـة. كما تُقدر مخزونها النووي بنحو خمسين سلاحاً نووياً، وفق تقديرات خبراء، وقد تستفيد من دعم تقني خارجي في هذا المجال.
هل سيؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات؟
آراء الخبراء منقسمة؛ فبعضهم يرى أن الغواصات النووية ستعزز من قدرات الردع لدى سيول وتطمئن الناخبين بأن الحكومة تتعامل مع تهديد كوريا الشمالية، بينما يرى آخرون أنها قد لا تغيّر كثيراً من ميزان القوى على المدى القصير لكنها قد تغذي سباق تسلح أوسع في شرق آسيا. يشير محللون إلى أن بيونغ يانغ قد تستغل القرار لتبرير احتفاظها بترسانتها النووية، ما يصعّب جهود إقناعها بالتخلي عنها.
ما الفائدة للولايات المتحدة؟
واشنطن ترى في دعم سيول فرصة للضغط الاستراتيجي على كلٍ من كوريا الشمالية والصين، وفي الوقت نفسه لإبقاء حلفاء المنطقة ضمن إطار نفوذها. بعض المحللين يصفون الخطوة بأنها تجعل كوريا الجنوبية أكثر انخراطاً في مسار أوسع لتقاسم أعباء الدفاع الإقليمي وبأنها قد تعمل كوكيل أميركي للوقوف في مواجهة تأثيرات بكين وبيونغ يانغ.
خاتمة
في المجمل، يمثل الاتفاق قفزة مهمة لكوريا الجنوبية نحو امتلاك قدرات بحرية نووية متقدمة، لكنه يفتح أيضاً نقاشات واسعة حول انعكاساته الاستراتيجية على استقرار شبه الجزيرة الكورية والتوازنات الإقليمية. في الآونة الأخيرة كثّفت الصين نشاطها البحري قرب الحدود البحرية لكوريا الجنوبية — خطوة تشبه ما يُرى في بحر الصين الجنوبي.
قال الدكتور يانغ إن بكين لا بد وأن تكون غضبة بشدة من اتفاق كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة بشأن الغواصات النووية.
بعد الإعلان عن الصفقة، قال السفير الصيني لدى كوريا الجنوبية داي بينغ إنه يأمل أن تتعامل سيول مع هذه المسألة بحذر مع مراعاة مخاوف جميع الأطراف.
وأضاف داي أن بكين تتواصل مع سيول في هذا الشأن عبر القنوات الدبلوماسية، وأكد أن «الوضع الأمني في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة ما زال معقَّدًا وحساسًا».
ما التالي؟
ورغم قول الرئيس ترامب إن الغواصات ستُبنَى في فيلادلفيا وتوفّر وظائف في الولايات المتحدة، فقد أصرّت السلطات الكورية الجنوبية على أن يتم بناؤها محليًا، حيث تستطيع المنشآت القائمة تسليمها خلال فترة زمنية أقصر بكثير.
وقد قال رئيس وزراء كوريا الجنوبية كيم مين-سوك بنفسه خلال جلسة برلمانية، بحسب تقارير، إن حوض بناء السفن المملوك لكوريا الجنوبية في فيلادلفيا «ليس لديه القدرة» على بناء مثل هذه السفن.
ولم تدلِ بعد شركة هانها، المالكة لحوض السفن، بأي تعليق حول الأمر.
ولكن بعد التوصل إلى الاتفاق، تتمثل الخطوة التالية في تعديل اتفاقية الطاقة النووية بين البلدين، بما يسمح للولايات المتحدة بتزويد الوقود النووي وتحديد الضوابط لاستخدامه العسكري.