اتفاق دونالد ترامب للسلام بشأن غزة: لحظة فارقة، لكنها مجرد البداية

أكثر من 90% من مساكن غزة تعرضت لأضرار جسيمة أو دُمرت، بحسب الأمم المتحدة. هذا لحظة مفصلية في حرب غزة المأساوية، لكنها قبل كل شيء لحظة إنسانية بامتياز: الشرارات الأولى تُحكي القصة — رقص في الظلام بساحة الرهائن في تل أبيب، انفجار الفرح في شوارع غزة المدمرة.

في تلك المنطقة الساحلية التي دُمر فيها كثير من تفاصيل الحياة كما عرفها الناس، خرج الفلسطينيون إلى الشوارع كمن يبشرون في العصور الوسطى، يوقظون الجيران بعبارات الفرح: «خبر سار، الحرب توقف، تم التوصل إلى اتفاق لوقف النار». إذا سارت الأمور كما هو متوقع، فخلال أيام قليلة سيعود آخر الرهائن الإسرائيليين إلى بيوتهم، وسيفرج عن مئات الأسرى الفلسطينيين ويعودون إلى ذويهم. ستسكت البنادق في غزة، وسيتدفق مزيد من المساعدات إلى القطاع المدمَّر، ولن يظل الفلسطينيون يخشون في كل يوم أن يكون يومهم الأخير.

مع ذلك، لا تزال تفاصيل عدة—ومنها أسماء المعتقلين الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم—محط جدل، وهناك معارضة شرسة داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي لهذا الاتفاق. ومع ذلك، تعمّ موجة ارتياح جماعي الإقليم والعالم، الذي انجذب بقوة إلى هذه النار أكثر من أي صراع آخر.

لكن هذا مجرد بداية، ليس نهاية؛ إنه وقف لإطلاق النار وليس صفقة سلام. ما يزال هناك ما هو أعنف على الطاولة: هل ستوافق حماس على نزع سلاحها؟ هل ستنسحب إسرائيل في نهاية المطاف من غزة؟ وماذا عن «الأفق السياسي» الغامض المشار إليه في خطة العشرين نقطة للرئيس ترامب، الذي يترجمه كثير من العالم على أنه تأسيس دولة فلسطينية، والذي لا تزال حكومة إسرائيل ترفضه رفضًا قاطعًا؟ وعلى نحو أكثر إلحاحًا، هل سيفي الطرفان بالتزاماتهما بموجب هذا الاتفاق؟ هذه أسئلة لغد.

يقرأ  اتحاد البث الأوروبي يؤكد: الإذاعات ستصوّت في نوفمبر على استبعاد إسرائيل

الرئيس ترامب يحب أن يتبنَّى الفضل، وهذه المرّة ينال الفضل جزئيًا. أعلن أنه سيسافر إلى إسرائيل نهاية الأسبوع، ولم يسبق أن تميزت المرحلة الأولى من مسار تفاوض مؤلم ومطوي بالمفاجآت والانتكاسات بهذا القدر من البهرجة. أيضاً، لم يسبق أن مارس رئيس أميركي مثل هذا الضغط على الحلفاء والأعداء — وسجل المحاولات الكثيرة لزعماء سابقين لحسم اتفاق سلام طويل الأمد في المنطقة طويل.

آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي عمل على هذه القضايا مع رؤساء من الحزبين، أعرب عن دهشته أمام بي بي سي في ساعات الصباح المبكرة. قبل أسابيع قليلة، حين كان الرئيس ترامب يدعم إصرار رئيس الوزراء نتنياهو على تكثيف العمليات العسكرية، كان من المتوقع أن تستمر هذه الحرب البشرية الكلفة حتى نهاية السنة وربما إلى ما بعدها. وبعد أن أذن نتنياهو في أوائل سبتمبر بهجوم استهدف قادة من حماس المقيمين في قطر، أغضب ذلك الدوحة، التي كانت تلعب دورًا محوريًا في وساطات إنهاء الأزمة، كما أغضب ترامب الذي يقدّر علاقته الوثيقة والمتعددة الأوجه مع قادة قطر ودولا عربية أخرى.

اجتماعه في منتصف سبتمبر مع قادة عرب وإسلاميين في نيويورك عجل هذا الزخم، وفوق ذلك جذب اهتمامه الكامل لعائلات الرهائن الإسرائيلية. بحلول أوائل أكتوبر، كان ينشر صورًا لساحة الرهائن المزدحمة بنداءات «الآن أو لا» لإعادـة كل رهينة، حية كانت أم ميتة — نداء سمعه وأثر فيه.

خلف كواليس محادثات وقف النار، لعبت دول مثل قطر ومصر وتركيا دورًا حاسمًا بالضغط على حماس، وإقناع حتى أكثر قادتها تشددًا بأن في تحرير الرهائن مصلحة استراتيجية تفوق الاحتفاظ بهم، لأن استمرار احتجازهم كان سيبقي الحرب مشتعلة ويُضعف الحركة الفلسطينية في جوانب كثيرة رغم أنه لم يُنهِها.

يقرأ  حماس تطالب بـ«ضمانات» تؤكد أن إسرائيل ستنهي حرب غزة في ظل استمرار المحادثات

هذه اللحظة مزيج من الحلو والمر. ثمة تذمر من أن المرحلة الأولى تشبه إلى حد بعيد الخطة التي طرحها الرئيس جو بايدن في مايو الماضي — كم حياة كان يمكن إنقاذها لو جرت تسويات مبكرة؟ كم من معاناة فلسطينية كان يمكن تفاديها لو جلس الجميع إلى طاولة المفاوضات العام الماضي بدل هذا العام؟

ما يهم الآن أن حرب 7 أكتوبر، في أسبوع ذكرى عامينها الموجع، وصلت إلى نقطة تحول مهمة. قد تتعثر وربما تفشل في الأشهر المقبلة. سيتألم الفلسطينيون في ركام بيوتهم ويتساءلون كم من الوقت سيستغرق بناء ما تبقى من حياتهم. سكان الضفة الغربية المحتلة يخشون على مستقبلهم أيضاً، والسياسيون الإسرائيليون بدأوا حسابات الانتخابات المقبلة ويجتهدون في ترتيب مراحل التطبيق لضمان ألا يتكرر 7 أكتوبر.

لكن مفاوضات جادة طال انتظارها عن كيفية المضي قدمًا—لا إلى الوراء—قد انطلقت، وتحقق تقدّمًا ملحوظًا. إنها لحظة تستحق الاحتفال.

أضف تعليق