اتهام روسيا بمحاولة ترهيب أوروبا بتهديدات تتجاوز حدود الصراع في أوكرانيا

تصعيد روسي في بحر البلطيق
خلال الأسبوع الماضي، كثّفت روسيا من سياسة دبلوماسية تعتمد على الترهيب — باستخدام طائرات ومسيّرات وكلمات موجهة إلى حلفاء أوكرانيا في أوروبا — ما أضفى على المشهد مسحة تصادمية تهدف إلى ابتزاز المواقف الدولية.

انتهاكات للأجواء وعمليات عبر الحدود
بعد تهديدات وُجهت إلى فنلندا في أوائل سبتمبر، سجلت روسيا اختراقاً للأجواء الإستونية يوم الجمعة وتوغّلاً في الأجواء الألمانية يوم الأحد، وذلك بعد أيام من إطلاق حوالى عشرين مسيّرة نحو بولندا وإسقاط عدد منها هناك.

مناورة قبل الجمعية العامة
جاء هذا التصعيد قبيل انعقاد جلسات الامم المتحدة العامة، حيث تمتلك روسيا أنصاراً بين دول العالم، ويُرجّح أن الهدف كان عزل قوى مثل أوروبا وأستراليا واليابان التي تُبدي دعماً قوياً لأوكرانيا. هذا الدراما الدبلوماسية تزامنت مع تحوّل بارز في لهجة الولايات المتحدة، حين قال الرئيس ترامب بأن أوكرانيا «يمكن أن تستعيد كامل أراضيها»، بينما كانت روسيا تشنّ هجمات متصاعدة على أوكرانيا أسفرت عن تحقّق تحركات وسحب مناطقي في الشرق والشمال الأوكرانيين.

روسيا ليست منيعة
أعلن القائد الأعلى للقوات الأوكرانية، أولكسندر سيرسكي، في 21 سبتمبر أن الدفاعات الأوكرانية دفعت قوى الهجوم الروسية على خلفية معارك ضارية في دونيتسك، ولمّا تخلَّصت أرتالهم من مدينتي دوبروبيليا وبوكروفسك بعد قتال دام نحو عام. وصرّح أن 164.5 كلم مربع قد تم تحريرها، و180.8 كلم مربع جُردت من مجموعات التخريب والاستطلاع المعادية، واستُعيدت السيطرة على سبع مستوطنات. وقد أشار سيرسكي إلى تقدّم سابق في 7 سبتمبر، حين كشف عن استعادة قواته نحو 51.5 كلم مربع في أغسطس، ما يوحي بتسارع نسق التقدّم خلال أغسطس وسبتمبر.

موازٍ لذلك، ادعت روسيا مكاسب ميدانية خلال الأسبوع نفسه باستيلائها على قرى في دونيتسك وزابوروجيه ودنيبروبتروفسك، لكن قدرة أوكرانيا على استعادة مواقع في جبهات محتدمة تُقوّض رواية روسيا بأنها لا تُقهَر. وفي معرض حديثه في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، استشهد بوتين بمثل قديم قائلاً إنه «حيثما وطأت قدم جندي روسي فهي لنا».

يقرأ  حاكم ولاية يوتا يقول إن المشتبه في قتل تشارلي كير يتبنّى أيديولوجية يساريةأخبار الجريمة

«فشل» في سومي: زيلينسكي
في الشمال، تراجعت روسيا عن محاولات توغل في منطقة سومي وبعد أن استردّت روسيا إقليم كورسك المجاور في مارس الماضي، أعادت نشر بعض وحدات المظليين والبحرية المتميزة من سومي هذا الشهر. قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر صحفي في كييف إن «عملية سومي فشلت» وأن الخسائر البشرية كانت كبيرة، مضيفاً أن القوات الروسية تخلّت عن هذا المحور.

خسائر وأهداف لوجستية
على الرغم من التراجعات الموضوعة هنا وهناك، تواصل روسيا تحقيق مكاسب صافية على حساب الأراضي الأوكرانية؛ فقد سيطرت في أغسطس على نحو 499 كلم مربع بحسب معهد دراسة الحرب في واشنطن. من جهتها، تحاول أوكرانيا استهداف إمدادات الوقود العسكرية الروسية، وحقّقت نجاحات ملحوظة: ضربت مسيّرَات طويلة المدى مصافي سالافات وفولغوغراد في 18 سبتمبر، حسبما أعلن أندري كوفالينكو، رئيس مركز مواجهة التضليل الأوكراني. وأفاد الأركان العامة الأوكرانية بأن منظوماتها المسيرة والاستخبارية أصابت محطة خلط وقود في سامارا تُستخدم لصياغة تصدير نفط الأورال، كما ضربت محطة ضغط على خط أنابيب «الحصان الفولاذي» في إقليم بريانسك الحيوي لإمدادات الجيش الروسي، وطائرتين في قاعدة كاتشا العسكرية في القرم. وردّت دفاعات موسكو بالإعلان عن إسقاط نحو 150 مسيّرة أوكرانية في مناطق متفرقة، منها 33 كانت متجهة صوب موسكو.

عقوبات أوروبية وقيود على الغاز
في موازاة ذلك، أعدّت أوروبا حزمة عقوبات جديدة — التاسعة عشرة — تستهدف تقليص عائدات روسيا من صادرات الطاقة، وبحسب الضغوط التي مارسها ترامب، تضم الحزمة حظراً على استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي يبدأ تطبيقه في 2027. تجدر الإشارة إلى أن أوروبا استوردت أكثر من ثمانية مليارات دولار من الغاز المسال الروسي العام الماضي، وكان من المقرر حظر هذه الصادرات في 2028.

يقرأ  تقرير مدعوم من الأمم المتحدة يؤكد وقوع مجاعة في مدينة غزة للمرة الأولى

ردود فعل غربية شديدة
في حادثة منفصلة، دخلت ثلاث طائرات مقاتلة روسية من طراز ميغ-31 المجال الجوي الإستوني لمدة 12 دقيقة في مهمة طيران امتدت من الشرق إلى الغرب موازية للساحل الشمالي لإستونيا، بحسب الجيش الإستوني، الذي أشار إلى تعطّل أجهزة الإرسال ما حال دون التواصل معها. أُقلعت طائرات إف-35 إيطالية متمركزة في إستونيا لاعتراضها. ووصفت ناطقة باسم الناتو هذا السلوك بأنه «غير مسؤول»، فيما اعتبرت كايا كالس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن ذلك «استفزاز خطير للغاية». وقال وزير الخارجية الإستوني إن روسيا خرقت المجال الجوي الإستوني أربع مرات هذا العام، وأن الانتهاك الأخير «جرئٌ بلا سابقة».

طائرات روسية قامت أيضاً بمرور منخفض فوق منصة نفطية بولندية في بحر البلطيق. ونفت موسكو انتهاك سيادة إستونيا، مؤكدة أن الرحلة جرت «وفق قواعد استخدام المجال الجوي الدولية» دون تجاوز حدود الدول الأخرى. جاء هذا الحادث بعد تسعة أيام من دخول نحو عشرين مسيّرة روسية المجال الجوي البولندي وإسقاط بعضها.

تصرّح القيادة الأوكرانية بأن هذه الحوادث ليست مصادفات، وأن موسكو ستواصل محاولات نشر عدوانها وزعزعة الاستقرار والتدخل في شؤون الدول. وفي اليوم التالي، أقلعت طائرتان ألمانيتان من طراز يوروفايتَر لاعتراض طائرة روسية في أجواء بحر البلطيق الألمانية، بعد أن دخلت بدون خطة طيران أو اتصال راديوي، وتبيّن أنها طائرة استطلاع إيليوشن إيل-20 إم. كما وجّهت وزيرة الخارجية البريطانية يفيت كوبر انتقادات لروسيا أمام جلسات الامم المتحدة العامة، محذّرة من أن «أفعالكم المتهوّرة تُعرّض للخطر احتمال مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا». قالت: «تحالفنا ذو طابع دفاعي، لكن لا توهموا أنفسكم — نحن على أهبة الاستعداد للدفاع عن سماء الناتو وأراضيه».

في ذات اليوم أعلنت بولندا أنها ستُسقط أي طائرة غير مصرح لها تدخل مجالها الجوي.

يقرأ  الأكثر فتكًا — عملية إسرائيلية في غزة قيد التنفيذ | برامج تلفزيونية

وقال رئيس الوزراء دونالد توسك في مؤتمر صحفي: «سنتخذ قرار إسقاط الأجسام الطائرة حينما تنتهك أراضينا وتحلق فوق بولندا — لا مجال للنقاش في هذا الشأن». لكنه حذّر أيضاً: «عندما نتعامل مع مواقف ليست واضحة تماماً، كتحليق مقاتلات روسية مؤخراً فوق منصة بتروبالتك — دون أي انتهاك لأن هذه ليست مياهنا الإقليمية — فثمة ضرورة للتفكير مرتين قبل اتخاذ إجراءات قد تفضي إلى مرحلة تصعيد حادة للنزاع».

وفي يوم الثلاثاء أكد حلف الناتو أنه سيلتجئ إلى كل الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسه. وقال البيان: «لا ينبغي لروسيا أن تشك: الناتو والحلفاء سيوظفون، وفقاً للقانون الدولي، كل الأدوات العسكرية وغير العسكرية الضرورية للدفاع عنا وردع كل التهديدات من كل الاتجاهات».

ولا يبدو أن أوكرانيا تقف مكتوفة اليدين بانتظار الناتو؛ فقد أعلنت الأسبوع الماضي تشكيل قوة مهام مشتركة مع بولندا لتنسيق تعاون أعمق في أبحاث الطائرات المسيّرة والتدريب والتصنيع.

وقال زيلينسكي يوم الجمعة إن أوكرانيا تستعد لتصدير جزء من إنتاجها العسكري لتأمين عائدات تمكنها من شراء الأسلحة التي لا تزال بحاجة إليها. وأضاف: «لدينا بالفعل أنواع معينة من الأسلحة بكميات تفوق احتياجاتنا الحالية في أوكرانيا — على سبيل المثال الطائرات البحرية المسيرة التي يعتمد عليها العالم والتي لدينا منها فائض، فضلاً عن أسلحة مضادة للدبابات وأنواع أخرى».

وأوضح أن أوكرانيا ستبيع لأوروبا والولايات المتحدة وشركاء عالميين، لكنها ستضمن عدم إعادة تصدير أي من أسلحتها او وصولها إلى أيدي العدو.

أضف تعليق