اتهام لشركة بولندية مملوكة للدولة بلعب دور محوري في تسهيل حرب إبادة على غزة
اتهم تقرير صدر يوم الثلاثاء مجموعة من المنظمات الداعمة للقضية الفلسطينية شركة نيترو-كيم البولندية — المملوكة للدولة — بأنها زوّدت شركات أسلحة أميركية بمتفجرات من نوع ثلاثي نتروتولوين (TNT) تُستخدم في قذائف المدفعية والقنابل واليدقوق، والتي صُدِّرت إلى اسرائيل، الحليف الأعلى للولايات المتحدة.
حدّدت جماعات مثل حظر الشعب لفلسطين (People’s Embargo for Palestine)، وحركة الشباب الفلسطيني، وShadow World Investigations، ووحدة أبحاث الحركات (Movement Research Unit) بولندا — المنتج الوحيد الكبير لـTNT داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو — كمصدر للمتفجر المستخدم في سلسلة قنابل Mk 80 العامة، من بين أكثر الأسلحة المنزوعة إلى السقوط جواً انتشاراً في العالم، وكذلك في قنبلة الاختراق BLU-109.
وقالت نادية طنوس، من منظمي حركة الشباب الفلسطيني، لسلطة الجزيرة: «هذا التقرير يورّط بشكل حاسم نيترو-كيم والحكومة البولندية كرابط أساسي في تيسير سلسلة توريد الإبادة».
تُملأ القنابل المحمولة جوّاً عادة بخليط متفجر من TNT ومسحوق الألمنيوم. وخلص التقرير إلى أن 90% من TNT الذي تستورده الولايات المتحدة — التي لا تنتج محلياً — يأتي من بولندا. كما توضح الوثائق أن نيترو-كيم باعت متفجرات، من بينها TNT، مباشرة الى اسرائيل أيضاً.
فيما خلص خبراء الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ترتكب أفعالاً قد ترقى إلى مستوى الإبادة في قطاع غزة ودعوا جميع الدول إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، يقدم هذا التقرير دليلاً على دور بولندا «في مجزرة مئات الآلاف من الفلسطينيين»، بحسب قول طنوس.
بقايا قنابل إسرائيلية في غزة
منذ إطلاقها أحدث حملة عسكرية على غزة في أكتوبر 2023، اعتمد الجيش الإسرائيلي بكثافة على قنابل سلسلة Mk 80 الموجهة وغير الموجهة المباعة من قبل شركة جنرال دايناميكس، إحدى أكبر شركات صناعة الأسلحة في العالم.
تؤكد لقطات مصورة لذخائر Mk 84 غير المنفجرة — الأكبر في السلسلة — والتي تظهر علامات تُنسب لإنتاج جنرال دايناميكس، استخدامها في القطاع. ومن المعروف أن إسرائيل استخدمت قنابل غير موجهة من سلسلة Mk 80 في استهداف مخيم جباليا للنازحين في 31 أكتوبر 2023، وهو ما قد يشكل جريمة حرب، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
كما حُوِّلت بعض هذه القنابل إلى ذخائر موجهة بنظام التحويل إلى JDAM، مثل تلك التي استُخدمت لضرب منازل مدنية في دير البلح في 10 أكتوبر 2023. ووصفت منظمة العفو الدولية، التي حققت في ذلك الهجوم، الضربات بأنها غير قانونية وترقى إلى مستوى جرائم حرب.
وبحسب مرصد حقوق الإنسان يورو-ميد، أسقطت اسرائيل أكثر من 25 ألف طن من المواد المتفجرة على القطاع — ما يعادل قنبلتين نوويتين — خلال الشهر الأول من الحرب.
قصة ناجٍ
مع اشتداد القتال، كان محمود (اسم مستعار) نائماً مع زوجته وأطفاله في منزلهم بجنوب غزة عندما هزَّ انفجار شديد الأرض. انهارت الجدران عليهم واندلع حريق بين الأنقاض. نُقِلت العائلة إلى المستشفى.
قال: «بعد خروجي من المستشفى لم يكن عندي حذاء، فمشيت حافياً على شظايا الزجاج والركام والأسمنت والمعدن. لم أشعر بشيء، ظللت واقفاً لساعات أحدق في كومة الأنقاض التي قبل ساعات قليلة كانت بيتنا».
قُتل ثلاثة عشر من أقاربه في القصف، بينهم سبعة أطفال. وتمكن محمود لاحقاً من مغادرة غزة والانتقال إلى أوروبا مع بقية الناجين من أفراد أسرته.
تبين لقطات من موقع الحادث وجود شظايا تتوافق مع سلسلة قنابل Mk 80، وفقاً لمحللين عسكريين. وتحتفظ الجزيرة بتفاصيل الحادث وبهوية الناجي لتقليل مخاطر الانتقام أو الملاحقة.
وعلى بُعد أميال الآن، ترافقهم ذكريات ما شهدوه في غزة.
«القصف يطارد عائلتنا كل يوم منذ ذلك الحين.» «لقد ترك ذلك فينا جميعًا صدمة عميقة»، قال محمود.
إن معرفته بأن بولندا ربما زوّدت المادة المتفجرّات التي فرّقت أسرته قد هزّت أركان حياته.
«أشعر بالحزن وخيبة الأمل لأن دولة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والإنسانية تبدو وكأنها نسيت أن هناك بشرًا في قطاع غزة يُقصفون يوميًا — بشرٌ لا يختلفون عن الناس في أوروبا»، قال محمود.
«تُستخدم هذه القنابل في الغالب لاستهداف المنازل السكنية، والخيام المصنوعة من الأغطية البلاستيكية، والبنى التحتية المدنية… تأثيرها واسع، وليست دقيقة، وتُدمّر كل ما حولها»، أضاف.
تمتلك قنبلة Mk 84 قدرة مدمرة هائلة، بنطاق فتك يقارب 360 مترًا (نحو 1,180 قدمًا) ونطاق إصابة يصل حتى 800 متر (2,625 قدمًا) من نقطة التفجير.
«كيف يُعقل أن توافق بولندا على إنتاج وبيع مادة متفجرة مع علمها أنها ستُستخدم ضد مدنيين؟» تساءل.
اتصلت قناة الجزيرة بشركة نيترو-كيم وممثلين عن الحكومة البولندية للتعليق.
تي إن تي بولندي للقنابل الأمريكية
تستعين شركة General Dynamics بمادة التي إن تي من شركة نيترو-كيم لإنتاج سلسلة قنابل Mk 80 منذ عام 2016 على الأقل.
وانتهى تي إن تي بولندي الصنع أيضًا في قنبلة BLU-109 النفاذة، القادرة على تدمير الأهداف تحت الأرض والمحصّنة بشدّة، وفق معلومات قدّمتها الشركة المصنعة الأمريكية General Dynamics Ordnance and Tactical Systems (GD-OTS) وشركة نيترو-كيم البولندية وقواعد بيانات حكومية أمريكية لمؤلفي التقرير.
وما زالت تعاملات الشركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل قائمة رغم أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يناير 2024 تدابير طارئة تهدف لمنع أعمال الإبادة واعتبرتها خطرًا معقولًا.
في أبريل 2024،نيترو-كيم وقّعت عقدًا مع Paramount Enterprises International لتوريد تي إن تي لسلسلة قنابل Mk 80، وبعد ذلك بقليل وافقت الحكومة الأمريكية على نقل 1,800 قنبلة من طراز Mk 84 إلى إسرائيل.
ومؤخرًا، في أبريل 2025، أبرمت الشركة أكبر عقودها حتى الآن — بقيمة 310 ملايين دولار — لتوريد 18,000 طن من التي إن تي بين عامي 2027 و2029، بحسب التقرير.
الدمار من بولندا إلى غزة
الولايات المتحدة ليست منتجًا للتي إن تي، وهي مادة سامة لها آثار بيئية وخيمة وتصنّفها وكالة حماية البيئة كعامل محتمل مسبب للسرطان.
في بولندا، وجد مكتب التدقيق الأعلى أن تي إن تي المصنع بواسطة نيترو-كيم ساهم في تلوّث أكبر أنهار البلاد وأكثرها أهمية بيئيًا، نهر فيستولا، واتهمت وسائل إعلام بولندية الشركة بالتخلّص من نفايات سامة في مواقع إلقاء غير قانونية.
في غزة، تسبّب عامان من الصراع في أضرار بيئية غير مسبوقة طالت التربة والمياه العذبة والساحل، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة. دُمّر معظم الغطاء النباتي مما قلّص إنتاج الغذاء في وقت يهدد المجاعة أكثر من 500,000 شخص. وقد تضرّر أو تدمّر نحو 80% من مبانٍ يُقدَّر عددها بـ250,000 مبنى، مولّدة 61 مليون طن من الأنقاض، حسب تقديرات الوكالة، التي ترى أن استعادة ما فُقِد ستستغرق عقودًا.
وأعربت تانونس، إحدى مؤلفات التقرير، عن أملها أن يدفع الضغط الشعبي الحكومة في وارسو إلى تغيير المسار.
«الآن، ومع ارتفاع ملايين البشر في أوروبا لمطالبة حكوماتهم بوقف التواطؤ مع إبادة إسرائيل، نناشد بولندا أن توقف شحنات تي إن تي التابعة لشركة نيترو-كيم إلى إسرائيل»، قالت.