اختبار بنغلاديش بعد إدانة الشيخة حسينة — هل ستكرر البلاد أخطاءها؟

شيخ حسينة مُدانة و«هاربة»

إلى غاية أغسطس 2024 كانت حسينة أشدّ زعماء بنغلاديش نفوذًا في تاريخها، عقب خمسة عشر عامًا من حكمٍ صارم. يوم الاثنين، حُكم على رئيسة الوزراء السابقة، البالغة من العمر 78 عامًا، بالإعدام غيابيًا من قِبل محكمة جرائم الحرب البنغلاديشية، على خلفية القمع الوحشي الذي شنّته قواتها الأمنية ضد احتجاجات طلابية قادها الشباب العام الماضي. قُتل أكثر من 1400 شخص، الكثيرون منهم بطرق أشبه بالإعدام خارج نطاق القانون.

فرّت حسينة إلى الهند المجاورة بعد إزاحتها من السلطة، وظلت على مدى العام الماضي متحجّرة في موقفها، لا تبدي ندمًا. ردّت على حكم المحكمة باعترافٍ بوقوع مئات الوفيات من المدنيين الأبرياء، لكنها رفضت تحمل المسؤوليه عن تلك الأحداث، ووصفت حكم المحكمة بأنه «منحاز ودوافعه سياسية».

بالنسبة لعائلات الضحايا الملايين، يمثل حكم الإعدام نصراً ومطالبةً بالعدالة، إلا أن احتمال رفض الهند تسليمها يعني أن المنتظرين للقصاص سيضطرون للانتظار بحثًا عن إغلاقٍ معنوي. وعلى مستوى الدولة، قد يتحوّل هذا الحكم إلى نقطة تحوّل أعمق إذا اختارت بنغلاديش أن تغلق دائرَة إساءة استعمال الأجهزة الأمنية والمحاكم ومؤسسات الدولة الأخرى لاستهداف الخصوم والنقاد — الممارسات التي كرّستها حسينة وأصبحت علامتها المميزة.

ادعاءات حسينة بأنها ضحية اضطهاد سياسي تعكس بشكلٍ واضح الاتهامات التي وُجّهت إلى حكومتها طيلة عقد ونصف. فقد أسّست هي ذاتها محكمة جرائم الحرب عام 2010 لمحاكمة من اتُهم بالتعاون مع باكستان أثناء حرب التحرير 1971؛ واليوم تبدو نفس المحكمة وقد أدانتها.

لأعوام اتهمت منظمات حقوق الإنسان حكومتها باستخدام هذه المحكمة إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى، بما في ذلك القضاء والجهاز الأمني، لمعاقبة الخصوم السياسيين. زعيمة المعارضة الرئيسية، خالدة ضياء — أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في بنغلاديش — سُجنت بتهم فساد، وحُظر حزب الجماعة الإسلامية الأكبر من المشاركة في الانتخابات ثم مُنع بموجب قانون «مكافحة الإرهاب». أُفرج عن ضياء فقط بعد تولّي الحكومة الانتقالية بقيادة الحائز على نوبل محمد يونس السلطة العام الماضي، عقب إطاحة حسينة.

يقرأ  إغلاق «كانال بروجكتس»: مؤسسة فنية غير ربحية في نيويورك تُنهي نشاطها بعد أربع سنوات

يونس نفسه وُجّهت إليه في يناير 2024 تهم بانتهاك قوانين العمل، ووُصفت هذه التهم بأنها ذات دوافع سياسية من قبل كثيرين؛ حُكم عليه بست سنوات لكنه نال كفالة لاحقًا. وكان الاقتصادي يونس قد جذب استهداف السلطة بعد حديثه عن إمكانية إطلاق حزب سياسي عام 2007. جدير بالذكر أن بنك قرية (Grameen Bank) الذي أسّسه يونس رَسّخ فكرة القروض الصغيرة التي مكنّت ملايين النساء الريفيات اقتصاديًا.

على الصعيد الإيديولوجي، طالما ارتدت حسينة وحزبها «الرابطة العظيمة» شعار العلمانية، لكن انتُقدا خلال عهدها (2009–2024) لاستغلال هذا الشعار كسند لتمييز واستهداف الأحزاب الإسلامية والمعارضين. أُعدم جيل كامل من قادة «الجماعة» استنادًا إلى إدانات أصدرتها المحكمة نفسها. وكتب المحلل أرمَن أحمد في صحيفة ديلي ستار أن الرابطة «حوّلت العلمانية من مثُلٍ للحرية إلى خطاب للسيطرة»، وأنها رُبطت بالرقابة والمحسوبية وإضعاف المعارضة بصورة ممنهجة.

اتُسم حكم حسينة بطابع استبدادي وانتهكات جسيمة لحقوق الإنسان: بين 2009 و2022، وثّقت منظمات حقوقية مقتل ما لا يقل عن 2597 شخصًا بيد القوات الأمنية خارج إطار القانون. وفي 2021 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة (RAB)، بتهم التورّط في مئات حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء. واستُهدفت منظمة «أودهِكار» الحقوقية بعد نقدها حكومتها لإفلات القوات الأمنية من العقاب، وسُجن اثنان من مؤسسيها في 2023. كما سُجن المصور والناشط الشهير شاهيدول عالم في 2018 إثر انتقاده للحكومة على خلفية «القتل خارج القانون».

عندما اندلعت احتجاجات العام الماضي على حصص التوظيف الحكومية، استجابت حسينة بنشر شرطة قمع الشغب بدلاً من فتح حوار مع أصحاب المصلحة. ووفق تقارير وسائل إعلام بنغلاديشية، أوصت باستخدام الطائرات المسيرة والمروحيات والأسلحة الفتاكة لقمع الاحتجاجات. أدى ذلك إلى اعتقالات جماعية وقمعٍ عنيف أشعل حركة شعبية أزاحتها في النهاية.

يقرأ  هل حوّل الروس بيت طفولتي إلى قاعدةٍ عسكريةٍ؟

ما تبقى الآن هو إرثها. من جهة، قادت نضالًا في الثمانينيات لاستعادة المسار الديمقراطي، وتحالفت مع ضيا لانتزاع السلطة من الحاكم العسكري حسين محمد إرشاد؛ وفازت رابطة ضيا في انتخابات 1991، ثم هزمتها حسينة في 1996 لتصبح رئيسة للوزراء لأول مرة. وعند عودتها إلى السلطة عام 2009، واجهت تحديات أمنية وقامت بملاحقة الجماعات المسلحة وقدّمت استقرارًا نسبيًا.

اقتصاديًا، قادت مرحلة من النمو ورفعت ملايين من الفقر في بلد وصفه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسنجر ذات يوم بأنه «قضية ميؤوس منها». ارتفع دخل الفرد، وتفوق على جارته الهند، واقترب الناتج المحلي الإجمالي لِبَنْغلاديش من 430 مليار دولار، متفوقًا على باكستان التي انفصلت عنها قبل 54 عامًا. اليوم تعد بنغلاديش ثاني أكبر مصدّر للملابس في العالم بعد الصين. لكن النقاد يشيرون إلى أن هذا النمو لم يكن عادلاً تمامًا، وأن فئاتٍ ثرية استغلت سياساتها الاقتصادية، بل اتُهمت أيضًا بتفضيل رجال أعمال هنود أحيانًا على حساب المصلحة الوطنية.

ورافق تلك المكاسب الاقتصادية انتهاكات حقوقية: اعتقالات تعسفية، تكميم صحافة معارضة، إضعاف مؤسسات ديمقراطية. قاطع حزب الشعب البنغلاديشي المعارض انتخابات 2014 بعد رفض حسينة تعيين حكومة محايدة لإدارة الاقتراع؛ وفي 2018 فازت حسينة بنتيجة رسمية بلغت 96%، في انتخابات طعن خصومها في مصداقيتها إثر حظر ضيا واعتقال عشرات من مرشحي الحزب. وُصفت سياساتها في تلك الفترة بأنها «تنمية بلا ديمقراطية».

التردّد نفسه تكرر قبيل انتخابات 2024: اعتُقل معارضون وشُنّت حملات على أحزاب تعارضها، فقاطعت المعارضة الانتخابات مُحوّلةً إياها إلى استفتاء بلا منافسة. وبعد الفوز شدّدت حسينة موقفها ووصفت الحزب المعارض بأنه «منظمة إرهابية». لكن الموقف انقلب لاحقًا: في أكتوبر 2024، وبعد شهرين من فرارها إلى الهند، حظرت الحكومة الانتقالية جماعة «تشاترا ليغ» — الجناح الطلابي للرابطة — ووصفتها بأنها «منظمة إرهابية».

يقرأ  الخليج في مرمى الخطر: قطر تدعو إلى ردّ جماعي على الهجوم الإسرائيلي

ومع اقتراب انتخابات ما بعد حسينة المقررة فبراير 2026، يواجه البلد اختبارًا حاسمًا. في مايو حظرت حكومة يونس الرابطة العظمى من النشاط السياسي، وبذلك تبدو فرقة حسينة غير مؤهلة للمشاركة في الاقتراع المقبل — ضربة كبيرة للحقوق الديمقراطية لملايين البنغلاديشيين الذين لا يزالون يؤيدونها. هذه الخطوة تكرّس أخطاء حكومات سابقة اختارت القصاص بدل المصالحة.

وفي الوقت نفسه تستمر ظواهر القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري — سمات عهد حسينة — تحت إدارة يونس وفق تقارير مستقلة. إدانتها وحكم المحكمة عليها خطوة حاسمة نحو العدالة، لكن التقدم الحقيقي لبنغلاديش يتطلب تفكيك أسوأ سمات إرثها: بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة، مشاركة حقيقية وغير انتقامية، تضمن المحاسبة دون الإقصاء أو الانتقام، وتستعيد ثقة المواطنين ومكانة الدولة أمام مواطنيها.

أضف تعليق