ازدواجية المعايير في التعامل مع أزمة لاجئي غزة مقارنةً بأوكرانيا وسوريا

على عكس الحرب الروسية–الأوكرانية، حيث فتحت دول مجاورة — وحتى بعيدة — أبوابها لملايين اللاجئين الأوكرانيين بعد الغزو الشامل عام 2022، فإن دول المنطقة تجاه حرب غزة ترفض استقبال النازحين تمامًا، وتعتبر مجرد مناقشة الفكرة تهديدًا لمصالحها الوطنية.

عندما شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، نشأ أكبر أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، واستجابت دول عديدة بترحيب واسع بالمحتاجين للملاذ الآمن. كان ذلك عملاً إنسانيًا وأخلاقيًا بديهيًا: لا أحد يختار أن يبقى محاصرًا في ساحة قتال.

استثنائية واحدة في أوروبا كانت المجر، التي وضعت قيودًا صارمة على الدخول والدعم، ولم تغلق حدودها تمامًا لكنها شلّت الحماية في حالات عدة. ثم أقرّت في أغسطس 2024 قانونًا يقيّد الدعم الحكومي باللاجئين القادمين من مناطق الحرب النشطة في أوكرانيا فقط. هذه الخطوات قوبلت بإدانة من منظمات حقوق الإنسان والمفوضية الأوروبية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي اعتبرت الإجراءات قاسية ومخالفة لقانون الاتحاد الأوروبي، ودعت إلى محاسبة بودٍّ لها.

لكن ما كان معمولًا به تجاه اللاجئين الأوكرانيين لا ينطبق على غزة. هنا، لا تكتفي دول الجوار بالامتناع عن الاستقبال، بل تؤكد أن قبول النازحين سيضر بمصالحها الوطنية، ويُفهم على أنه تهديد للموقف السياسي.

والعالم — بما في ذلك المنظمات الحقوقية — صامت الان إلى حد كبير. مصر والأردن ودول الخليج لم تُستدعى لمساءلة موقفها الرافض استضافة أعداد كبيرة من الغزيين؛ على العكس، تُوجّه الانتقادات لإسرائيل حين تقترح السماح للراغبين في مغادرة قطاع غزة بالخروج.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبرز هذا التناقض في مقابلة وأشار إلى نتائج استفتاءات ومسوح — غربية وعربية وإسرائيلية — تشير إلى أن نحو نصف سكان غزة يريدون المغادرة، حتى إن كان بعضهم يأمل في العودة لاحقًا. وتساءل عن منطق من يصرخون: «لا تغادروا» بينما المفترض أن يُعامل كل إنسان بحقه الأساسي في اختيار مكان إقامته، خاصة في زمن الحرب.

يقرأ  إحباط مخطط لاستهداف وزير الأمن الإسرائيلي المنتمي إلى اليمين المتطرف

نتنياهو قال إن العالم يفضّل أن يُحتجز الناس في منطقة حرب «تمامًا كما تفعل حماس»، معتبراً أن حرية الاختيار حق إنساني أساسي. وفي وقت لاحق علّق أنه يمكن فتح معبر رفح للسماح بعبور الفلسطينيين إلى مصر، لكنه أوضح أنهم سيُمنعون فور وصولهم إلى الأراضي المصرية.

هذا التصريح أثار حفيظة القاهرة، فخرج وزير خارجيتها ممدوح عبد العاطي قائلاً في نيقوسيا إن «التهجير خط أحمر لمصر ولن نسمح به»، مضيفًا أن التهجير يعني «التصفية ونهاية القضية الفلسطينية»، وأنه لا يوجد أساس قانوني أو أخلاقي أو إنساني لطرد الناس من وطنهم. وقد عبّر كذلك عن إدانته لما وصفه بحدوث «إبادة جماعية» وقتل مدنيين وتسبب في مجاعة مصطنعة.

ثمة مفارقة واضحة: بينما تُدان إسرائيل بتهم جسيمة، ترفض مصر فتح حدودها حتى مؤقتًا لتخفيف المعاناة أو حماية النازحين، مع أن الرفض هذا يغدو معاوِضًا لما تُعلن الدول والمنظمات من مبادئ إنسانية.

ردّت مكتبة رئاسة الوزراء الإسرائيلية نادرًا على خطاب القاهرة، مؤكدة أن نتنياهو قصد التأكيد على حق الفرد في اختيار مكان الإقامة، وأن وزارة الخارجية المصرية تختار تقييد سكان غزة ومنع من يريدون المغادرة من ذلك — وهو موقف يمرّ بلا اعتراض دولي حقيقي.

تخيل الضجة العالمية لو أن مولدوفا وبولندا ورومانيا أقامت أسوارًا وأسلاكًا شائكة أعلى لردّ اللاجئين الأوكرانيين عام 2022، أو لو طالبت رومانيا الأوكرانيين بالبقاء كي لا تُسلم أرضهم للاحتلال الروسي؛ كانت ستندلع عواصف استنكار دولية. هذا لم يحدث.

والتباين لا يقتصر على أوكرانيا، بل يمتد إلى سوريا؛ فالحرب الأهلية السورية خلّفت نحو سبعة ملايين لاجئ، واستقبلت أوروبا أعدادًا كبيرة — ألمانيا نحو 650 ألفًا بحسب بيانات المفوضية في 2022، والسويد حوالي 120 ألفًا، والنمسا 65 ألفًا، وهولندا واليونان نحو 40 ألفًا لكل منهما — ما يبيّن الاختلاف الواضح في معايير الاستجابة حسب الجغرافيا والهويات السياسية. استقبلت تركيا ذات الغلبة المسلمة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ.

يقرأ  ماريا غاسبار: عن إلغاء السجون والمخاطر الجسيمة في العمل مع المجتمعات المسجونة — كولوسال

ومع ذلك، ترفض تلك الدول نفسها استقبال أبناء غزة، حتى مؤقتاً، ثم تهاجم مسؤولي اسرائيل لجرأتهم على اقتراح توفير ملاذ لغزّاويين هاربين من الحرب. إسبانيا وإيرلندا وهولندا وفرنسا، التي عبرت عن إدانتها لحرب إسرائيل ضد حماس بصوت عال، لم تفتح أبوابها أمام سكان غزة كما لو أنها تفعل واجب الضمير.

اسأل دبلوماسيين أوروبيين رفيعي المستوى، وسيجيبونك بصراحة قاطعة: هذا لن يحدث أبداً. لماذا يُستقبل السوريون لكن لا يُستقبل أهل غزة؟ الجواب أن موجة اللاجئين السوريين السابقة صقلت الرأي العام وجعلت المجتمع أكثر تحفّظاً ضد الهجرة. لأسباب سياسية داخلية، تقول حكومات أوروبية إنها لا تملك الهامش السياسي اللازم لاستقبال مزيد من الغزّاويين.

لماذا ترفض دول أوروبا استقبال مزيد من اللاجئين؟

ألمانيا، على سبيل المثال، تضم نحو 5.5 مليون مسلم ضمن سكانها البالغ عددهم 83 مليوناً. السبب الرئيسي الذي يُقدّم الآن لتبرير رفض برلين فتح أبوابها أمام أهل غزة كما فعلت مع السوريين هو الخشية من أن يمنح ذلك اليد العليا انتخابياً لليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD).

وألمانيا ليست حالة معزولة. في شتى أنحاء القارة، أدت موجات الهجرة الإسلامية السابقة إلى ردود فعل أدت إلى تشدّد المواقف ورفض استقبال دفعات جديدة من اللاجئين — حتى لو كانوا من غزة.

ومن اللافت أيضاً أنه في كثير من البلدان التي تشهد تظاهرات كبيرة وصاخبة ضد حرب إسرائيل في غزة، نادراً ما تُرى شعارات تطالب الحكومات المحلية بفتح أبوابها أمام لاجئي غزة.

عندما يتعلق الأمر باللاجئين، تبدو المبادئ السامية قابلة للتحوّل تبعاً لمن يفرّ ومن أي مكان يأتي.

أوكرانيون استُقبلوا بترحاب. السوريون قُبلوا إلى حدّ ما. أما أهل غزة؟ فطالبوا بالبقاء في أماكنهم بينما تغلق دول إقليمية وأوروبية أبوابها وتتهم اسرائيل بالإبادة الجماعية — اتهام يمكن تلطيف أثره فوراً بفتح تلك الأبواب. لكنهم يرفضون، وهذا الرفض لا يُفقد اتهاماتهم بريقها فحسب، بل يكشف عن نوايا انتقائية: غضبهم يبدو أقلّ اهتماماً بإنقاذ المدنيين في غزة وأكثر رغبة في تشويه صورة إسرائيل سياسياً وإعلامياً.

يقرأ  يوسي كوهين مدير الموساد السابق: «أي تغيير حقيقي سيحدث لو تولّيت رئاسة الوزراء»

أضف تعليق