شاب كيني إلى روسيا: وعد بوظيفة أم مصيدة للتجنيد؟
أبلغت سوزان كولوبا ابنها بعدم السفر إلى روسيا بعدما قَبِلَ عرضَ عملٍ كحارس أمن نُشِرَ عبر وكالة توظيف في كينيا. العائلة التي تسكن في حي كيبيرا العشوائي بنيروبي فرحت في البداية حين قال لهم أنه وجد عملاً بالخارج، إذ بدا ذلك فرصة نادرة للخروج من الفقر.
كان ديفيد كولوبا (22 عاماً) يعمل بأعمالٍ موسمية في نيروبي — من بيع الفول السوداني إلى البناء — وكان يحلم منذ زمن بالعمل في دول الخليج. لكن حين سألته والدته عن البلد الذي سيسافر إليه، أراها هاتفه وقال: «انظر، إنها روسيا». حذّرته والدته مما تراه على شاشات التلفاز عن روسيا، لكنه أصرّ أن العرض حقيقي وأنه مُوعَدُ بأكثر من 7,000 دولار عند الوصول — مبلغٌ قد يغيّر حياة شابٍ بلا دخل ثابت.
سافر ديفيد إلى روسيا في أغسطس من دون إخبار والدته بالتاريخ الدقيق، والتي صُدمت لاحقاً عندما أرسل لها صورة وهو يرتدي زيّاً قتاليّاً كاملاً. أخبرها أن مهمة الحراسة تغيّرت إلى دورٍ قتالي، وأنه تلقى تدريباً عسكريّاً لمدّة أسبوعين فقط قبل أن يُرسَل إلى منطقة القتال في أوكرانيا. خلال أيام قليلة بلّغها أنه وتشكيلة من الرجال الكينيين تعرّضوا لكمين في منطقة تخضع لسيطرة القوات الروسية، فناشدته أن يعود لكنّه ردّ: «كيف أترك؟ لقد وقّعت عقداً. أعطيني سنة واحدة على الأقل».
في 4 أكتوبر أرسل ديفيد ملاحظة صوتية لوالدته قائلاً إنه على وشك الدخول في معركة، وطلب منها — إن لم ينجُ — أن تحتفظ ببطاقته العسكرية الروسية وعقده المكتوب بالروسية وتأخذها إلى السفارة الروسية إن حدث له مكروه. كان هذا آخر اتصال تلقتْه منه. بعد وقتٍ قصير أخبرها صديقٌ له أن ديفيد قُتِل؛ فأرسلت رسالة إلى رقم وكيل التوظيف الذي استقبلهم في روسيا، وجاء الرد بالروسية ثم بالإنجليزية: «أنا آسف لأخبارك بهذا عن ابنك». لم تُعرض لها صورة لجثة ولا وثائق تثبت الوفاة؛ بل قيل لها إن ديفيد «مفقود» وربما «متوفى»، وأنه «بعيد جداً»، واقترحوا أن تسافر هي أو قريبٌ آخر إلى روسيا — أمرٌ لا تطيق العائلة دفع تكلفته. ثم أعلموها أنها «تستحق تعويضاً» من دون أن يقدّموا أي إثبات.
عند زيارتها للسفارة الروسية في نيروبي قيل لها إن مسؤولي السفارة «لا يتعاملون مع الجيش»، ولم تحصل على تأكيد رسمي من السلطات الروسية بشأن مصير ابنها. تقف الآن وسط حزنٍ عميق وقلة معرفة بالخطوة التالية: «كيف نبدأ؟ لأننا لا نعرف شيئاً. كان أول مولودٍ لديّ. كنت معتمدة عليه»، تقول وهي تنهار.
قضية أخرى: سائقٌ كيني وعدوه بالوظيفة فوجد نفسه مقاتلاً ومصاباً
أحد آباء الشباب الكينيين الذين سافروا إلى روسيا قال للبِيتشِي سي إن أن (BBC) إن ابنه سافر على أساس أنه سيعمل كسائق — براتب حوالى 1,500 دولار شهرياً، وهو مبلغ «جيد» لسائق مؤهل في كينيا — لكن الابن أُجبر بعد أسبوعين من التدريب على دخول ساحة القتال في أوكرانيا، وأصيب هناك. رجع إلى الوطن قبل أسبوعين، لكنه لم يستعد القدرة على الكلام من صدمة ما مرّ به، فطلبت بي بي سي عدم كشف هويته لحماية صحته النفسية. وصف الأب أن ابنه ظل لأ خمسة أيام بلا علاج مناسب بعد إصابته، أنّه كان يتعاطى مسكنات الألم، وأنه تم نقله أخيراً قرب الحدود ثم تلقى إسعافاً أولياً ونُقل لاحقاً إلى سانت بطرسبرغ. أخبر الأب أن ابنه رأى «جثثاً متفرقة لمقاتلين آخرين» وأن كثيرين وقعوا على عقود سنة دون فهم كامل لشروطها.
تحرّك حكومي وتحقيقات ومطالب بتشديد القوانين
أقرّ وزير الخارجية الكيني أخيراً بأن حوالى 200 كيني معروفٌ أنهم يقاتلون إلى جانب روسيا، واعترف بوجود شبكات توظيف نشطة. سبق ذلك خبرُ أسر لاعب كيني شابّ في أوكرانيا في سبتمبر بعد أن قال إنه خُدع للانضمام إلى الجيش الروسي. الحكومة طالبت وكالات توظيف عدة بالتدقيق؛ بعض التراخيص أُوقفت وبعض الوكالات قيد التحقيق. من بين حوالي 130 وكالة توظيف مسجلة في كينيا، تمّ التعرُّف على نحو خمس وكالات مريبة، أُعلِن تعليق تراخيص ثلاث منها وما زالت اثنتان أخريان محل تحقيق، بحسب سيلفانوس اوسورو، كبير أمناء كتلة الحزب الحاكم في البرلمان. لجنة الدفاع والشؤون الخارجية بالبرلمان استدعت هذه الوكالات لتوضيح كيف جرى تجنيد الشباب، ما المعلومات التي تُعرض عليهم وكيف قُدّمت العقود.
قال اوسورو إن القضايا عُدّت خريطةً، وإن التحقيق جارٍ للتأكد من ظروف توقيع العقود، لكنه امتنع عن تقديم أرقام مؤكدة بعدد القتلى من بين الكينيين: «لن أعطي تقريراً بهذا الشأن. هذا ليس من اختصاصي الكامل. ما أستطيع قوله أن العمل جاري». وأضاف أن مشروع قانون جديد يُعدّ لتشديد رقابة على وكالات التوظيف، مع إجراءات فحص أَشَد قبل منح التراخيص وبيان أوضح للفروقات بين أنواع الوظائف المسموح الإعلان عنها.
ظاهرة عابرة للحدود
القضية لا تقتصر على كينيا؛ فسلطات عدة في أفريقيا بلّغت عن محاولات لاستدراج شباب بعروض وظائف مغرية في روسيا انتهت بتجنيدهم العسكري. وكثير من العائلات تتجنّب الحديث العلني خوفاً من الوصم أو من عواقب قانونية على من في الخارج. وفي جنوب أفريقيا تصاعدت فضيحة بعد ادعاءات عن ضلوع ابنة الرئيس السابق جاكوب زوما في شبكات تجنيد — وهي تنفي أي مخالفة.
تحذير أوكراني ونداء بالعناية بالمصابين
حذّر المسؤولون الأوكرانيون مراراً من أن أي شخص يقاتل إلى جانب روسيا سيُعامل كمقاتل عدائي، وأن الطريق الآمن الوحيد للخروج هو الاستسلام وطلب معاملة أسرى حرب.
حتى الآن لم تحصل سوزان كولوبا على تأكيد رسمي بمصير ابنها، وتصرّ على رغبتها في إعادة جثمانه إن تأكد أنه توفي. «انا مكسورة القلب،» تقول. «كان يريد أن يساعدنا. كان يظن أنه ذاهب لوظيفة أفضل.»
تقرير إضافي من مراسلة بي بي سي نيوزداي ماورين نيوكوري في نيروبي.