تواجه فرنسا احتمال فقدان رئيس وزرائها للمرة الثالثة خلال اثني عشر شهراً، إذ يخوض فرنسوا بايرو تصويتَ ثقةٍ دعا إليه هو نفسه، لكنه مُرجَّح على نطاق واسع أن يخسره، ما يشي بمزيد من الهشاشة للاقتصاد الأوروبي الثاني من حيث الحجم.
بايرو، الرجل الوسطوي البالغ من العمر أربعة وسبعين عاماً والذي عيّنه الرئيس إيمانويل ماكرون قبل حوالي تسعة أشهر، يراهن على أن يقنع التصويت النواب في الجمعية الوطنية بالموافقة على تخفيضات إنفاقية حادة يصفها بأنها ضرورية لكبح الدوران الصاعد لعجز وديون الدولة الفرنسية.
لكن نواب المعارضة يصرون على استغلال المناسبة للإطاحة ببايرو وحكومته الأقلية المكوَّنة من وزراء وسط ومؤيدين لليمين، وهو انقلاب قد يضطر ماكرون إلى الشروع فوراً في بحث مرهق عن خليفة.
تصويت مفصلي
توقفت عطلة الصيف للمجلس الوطني الذي يضم 577 نائباً، وحضر لجلسته الاستثنائية التي طلبها بايرو، والتي ستبدأ الساعة الثالثة بعد الظهر (13:00 توقيت غرينتش؛ 09:00 توقيت شرق الولايات المتحدة) يوم الإثنين.
بعد أن يلقي بايرو خطاباً من المتوقع أن يبرر فيه تشديد الإنفاق لصالح المصلحة الوطنية، سيُمنح النواب وقتاً للكلام ثم للتصويت إما مؤيدين أو معارضين للحكومة — ومن المرجح أن يتم ذلك في وقت متأخر من النهار أو في المساء. كما يحق للنواب الامتناع عن التصويت.
يحتاج بايرو إلى أغلبية أصوات الموافقة للبقاء في منصبه. وإذا صوتت الأغلبية ضده، فالدستور الفرنسي يلزمه بتقديم استقالة حكومته إلى الرئيس ماكرون، مما قد يغرق البلاد في أزمة جديدة.
مقاعد متغيرة
دفع الرئيس البالغ من العمر 47 عاماً ثمناً باهظاً لقراره الصادم بحل الجمعية الوطنية في حزيران/يونيو 2024، ما أدى إلى انتخابات تشريعية كان يأمل أن تقوّي اليد البرلمانية لتحالفه الوسطي الموالي لأوروبا. لكن المقامرة انقلبت عليه، فأسفرت الانتخابات عن برلمان مُجزّأ بلا كتلةٍ مسيطرة للمرة الأولى في الجمهورية الفرنسية الحديثة.
هذا الواقع السياسي المعقَّد أعاق إلى حد كبير طموحات ماكرون الداخلية خلال ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة التي تنتهي في 2027. وبدون أغلبية قابلة للعمل، تنقّل ماكرون بين ثلاثة رؤساء وزراء محاولاً بناء توافق وتأجيل الانهيار الحكومي.
تتبّع سريع للحكاية: غابريل أتال، الحليف المقرب لماكرون، استقال في أيلول/سبتمبر 2024 بعد دورة الألعاب الأولمبية في باريس وبعد ثمانية أشهر فقط في المنصب؛ تلاه ميشال بارنييه لفترة وجيزة قبل أن يُسقطه تصويت بحجب الثقة في ديسمبر؛ ثم اختار ماكرون بايرو ليقود الحكم في ظل معادلات برلمانية عدائية مماثلة.
إحباط بايرو
تمتلك الكتل البرلمانية اليمينية المتطرفة واليسارية، التي أعلنت أنها ستصوت ضد حكومته، أكثر من 320 مقعداً، في حين لا يتخطى مجموع الوسط واليمينيين المتحالفين 210 مقاعد، ما يجعل بقاءه على الأرجح أمراً صعب التحقيق.
أبدى بايرو استياءه الأحد من تحالف خصومه المتناحرة سياسياً في أطراف الطيف ضد حكومته، قائلاً في مقابلة مع منصة “بروت”: «ما الفائدة من إسقاط الحكومة؟ هذه مجموعات سياسية لا تتفق على شيء، بل — والأسوأ من ذلك — تخوض حرباً أهلية مفتوحة بينها».
مشكلات مالية ملحَّة
إذا خسر بايرو، سيُجبر ماكرون مجدداً على تعيين خليفة سيعمل في نفس البيئة الهشة ويواجه ذات المشكلات المالية الملحّة التي طاردت بايرو وسابقيه. وقد تعهَّد ماكرون بالبقاء في منصبه حتى نهاية ولايته، لكنه معرض لأن يتحول إلى رئيس بلا نفوذ داخلي إذا استمر الشلل السياسي.
في النظام السياسي الفرنسي، يعيّن الرئيس رئيس الحكومة الذي يكون خاضعاً للمساءلة أمام البرلمان ويتولى تنفيذ السياسات الداخلية، لا سيما الاقتصادية. بينما يمتلك الرئيس صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية وشؤون الاتحاد الأوروبي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
يؤكد بايرو أن تقليصات قوية ضرورية لإصلاح المالية العامة، وقد اقترح خفضاً في الإنفاق بقيمة 44 مليار يورو في 2026، بعد أن بلغ عجز فرنسا 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي — وهو أبعد ما يكون عن الهدف الرسمي للاتحاد الأوروبي البالغ 3%.
وتواجه فرنسا أيضاً أزمة دين ضخمة: في نهاية الربع الأول من 2025، ارتفع الدين العام إلى 3.346 تريليون يورو، أي ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا يزال خدمة الدين بنداً رئيسياً في الميزانية، تمثل مدفوعاته نحو 7% من إنفاق الدولة.
خطة بايرو، التي تتضمن إلغاء يومين من العطل الرسمية، تعرضت لانتقادات لاذعة من خصومه السياسيين الذين وجدوا فرصة ذهبية للإطاحة به وحكومةه.