اعتقال زعيم مخدرات صيني الملقب «الأخ وانغ» بعد إفشال مخطط هروبه إلى روسيا

أعلنت الحكومة الكوبية في بيان صدر في ساعة متأخرة من ليل الخميس أنها سلّمت للمكسيك مواطناً صينياً يُدعى تشي دونغ جانغ، ثم أكد رئيس الأجهزة الأمنية المكسيكية بعد ساعات تسليمه لاحقاً إلى السلطات الأمريكية بتهم تتعلق بتهريب الفنتانيل وغسيل أموال.

كان ذلك نهاية مفاجِئة لمحاولة هروب جريئة استمرت شهوراً من أحد أبرز المطلوبين دولياً.

يُعرف جانغ بعدة ألقاب منها «الأخ وانغ» و«بانشو» و«هي هي». وتتّهمه وزارة العدل الأمريكية بتدبير شبكة دولية ضخمة لتهريب الفنتانيل وغسيل الأموال تمتد عبر دول عدة، لا سيما الصين والمكسيك والولايات المتحدة.

واللائحة الاتهامية ضده طويلة، لكن جوهرها أن المدعين الأمريكيين ومكتب النائب العام المكسيكي يرون فيه لاعباً محورياً في تجارة المخدرات العالمية، متورطاً في غسيل ملايين الدولارات لصالح كل من كارتل ساينالوا و«جيلسيو نيڤا جنيريشن» (CJNG) ضمن شبكة توزيع عالمية.

«يمكن اعتبار الأخ وانغ حلقة وصل أساسية بين الكارتلات المكسيكية وشركات كيميائية صينية لتأمين المواد الأولية لصنع الفنتانيل»، يقول مايك فيغيل، الوكيل السابق في إدارة مكافحة المخدرات، مضيفاً أنه لعب دوراً حاسماً أيضاً في تحويل عائدات المخدرات إلى عملات رقمية.

إذا حكم عليه بالإدانة، فمآله المحتمل سيشبه مصائر زعماء مخدرات آخرين مثل خواكين «إل تشابو» غوزمان وإسماعيل «إل مايو» زامبادا، في مرافق سجن عالية الأمان داخل الولايات المتحدة.

لكن قصة احتجازه في هافانا تكتنز تفاصيل استثنائية: هروب من الإقامة الجبرية في مكسيكو سيتي — وفق تقارير عبر ثقب في الجدار — ثم انتقال على طائرة خاصة إلى كوبا، ومحاولة فاشلة لاحقة لدخول روسيا.

اعتُقل تشي دونغ جانغ في مكسيكو سيتي خلال عملية أمنية مشتركة في أكتوبر 2024. احتُجز أولاً في سجن شديد الحراسة ثم مُنح لاحقاً الإقامة الجبرية بأمر قضائي أثار استياء الرئيسة كلاوديا شينباوم التي وصفت القرار بأنه «مستفز».

يقرأ  تقرير «التعلّم في مكان العمل ٢٠٣٠»صناعة التعلم الإلكتروني

هروب «الأخ وانغ» بدا وكأنه حلقة أخرى محرجة للمكسيك: رجل يُعدّ عنصراً محورياً في منظومة التهريب، اختفى من تحت أنظار السلطات المكسيكية المكلفة بحراسته. سبق لـ«إل تشابو» أن أنجز هذا الإنجاز مرتين، مما أثار غضب واشنطن، قبل أن يُرسل أخيراً مقيد اليدين إلى الولايات المتحدة على متن طائرة.

استعادة السلطات المكسيكية لسجينها وإعادة تسليمه شمالاً يعودان، بحسب ما ورد، إلى عاملين رئيسيين: حظ ظاهري في روسيا وقوة علاقات الأمن بين المكسيك وهافانا.

عندما وصل جانغ إلى كوبا في يوليو 2025، بدأ في التحضير للخطوة التالية للوصول إلى بلد لا تربطه مع الولايات المتحدة اتفاقية تسليم. ثمة رحلة تجارية مباشرة من هافانا إلى موسكو، ويُرجّح أنه حجز مقعداً على متنها مستنداً إلى وثائق مزوّرة. لكن تلك الوثائق لم تمرّ على سلطات الهجرة الروسية. أُفيد أن الروس لم يدركوا تماماً هوية من بحوزتهم، وبعد توقيف قصير أعادوا جانغ إلى كوبا.

وعند وصوله للمرة الثانية إلى هافانا، كانت أجهزة الأمن الكوبية على علم بهويته الحقيقية.

يرجّح محللون أمنيون أن الجهات الكوبية احتفظت به لعدة أشهر لاستجوابه وإجرائه تحقيقات مطوّلة قبل إعادته إلى المكسيك ثم، حتماً، إلى الولايات المتحدة. وعقب الإعلان عن التسليم، شكر أمين الأمن العام المكسيكي عمر هارفوش كوبا بسرعة على تعاونها بشأن «الأخ وانغ» — وبشكل ضمني لإطفاء مزيد من الإحراج بعد هروب سجين بارز آخر.

كما هو الحال عادة بعد اعتقال زعيم مزعوم في عالم المخدرات، يطرح السؤال إلى أي مدى سيؤثر إخراجه من المعادلة على التجارة العالمية للمخدرات.

بما أن «الأخ وانغ» أمضى السنة الماضية إما في السجن أو تحت الإقامة الجبرية أو هارباً، فقد يكون السؤال في حد ذاته بلا معنى عملي؛ غيابُه قد شعر به بالفعل في العالم الإجرامي المكسيكي، كما يقول المراقبون.

يقرأ  بعد 20 عاماً...تمّ التعرّف على المرأة المجهولة في قضية باردة بإسبانيا، وتبيّن أنها ليودميلا زافادا

«لن يكون لذلك أثر كبير لأن الكارتلات تمتلك أفراداً يمكنهم تعويض دور الأخ وانغ بسرعة»، يضيف مايك فيجيل. «حتى في حالة إل تشابو، الذي كان شخصية أكبر بكثير، لم يؤدِ اعتقاله إلى تعطيل التجارة العالمية للمخدرات».

على مدى عامه الأول في المنصب، ضاعف الرئيس الأمريكي ضغوطه على نظيره المكسيكي بخصوص قضايا تهريب الفنتانيل، وقد استجابت إدارة شينباوم بجدية. فقد كثّفت المصادرات مقارنة بسابقتها وأرسلت عشرات من المدانين بأحكام متعلقة بالكارتلات إلى الولايات المتحدة لتنفيذ عقوباتهم هناك، شملت أسماء بارزة منهم رافائيل كارو كوينتيرو المطلوب لاغتيال عميل من إدارة مكافحة المخدرات عام 1985.

يعدّ تعاون المكسيك في ملف الفنتانيل، وكذلك في قضية الهجرة غير النظامية، سبباً من عوامل امتناع البيت الأبيض عن فرض مستوى مماثل من الرسوم التجارية على المكسيك كما فعل مع شركاء تجاريين آخرين.

ستشكل تسليم «الأخ وانغ» مصدراً لارتياح حقيقي في واشنطن لإخراج شخصية محورية في العمليات المالية للكارتلات المكسيكية من التداول. ذلك سيصبّ بدوره في مصلحة إدارة شينباوم ويعزّز روايتها بأنها تنسق بإحكام مع نظرائها الأمريكيين في الملف الأمني.

إلا أن إبطاء أو تقليص حركة المواد الأولية لصناعة الفنتانيل من الصين إلى الأمريكيتين بشكل دائم يتطلب أكثر من مجرد تسليم شخص واحد.

أضف تعليق