وصفت بعثة أممية مدينة الفاشر بأنها «مسرح جريمة» بعد أن سمح لها بالدخول إلى المدينة الخاوية تقريبًا للمرة الأولى منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها في أكتوبر، في حملة اتسمت بوقائع فظيعة ارتكبت بحق السكان.
زارت فرق الإغاثة الدولية الفاشر يوم الجمعة بعد أسابيع من المفاوضات، فوجدت نادرين هم السكان في مدينة كانت مكتظة سكانيًا سابقًا ومأوى لعددٍ كبير من النازحين.
أكثر من مئة ألف شخص فرّوا طلبًا للحياة منذ استيلاء الدعم السريع على المدينة في 26 أكتوبر بعد حصار دام 18 شهرًا، فيما أفاد ناجون بوقوع مجازر بدوافع عرقية واعتقالات واسعة النطاق.
قالت دينيس براون، منسقة الشؤون الإنسانية وممثلة الأمم المتحدة في السودان، إن أفراد البعثة رصدوا «قلة قليلة جدًا من الناس» خلال الزيارة التي استغرقت ساعات، وإن من بقوا يختبئون في مبانٍ مهجورة أو تحت أغطية بلاستيكية بسيطة، بينما ظل سوق صغير يعمل بمنتجات زراعية محلية فقط.
«لدينا صور لأشخاص، ويمكنك أن ترى بوضوح على وجوههم تراكم التعب والتوتر والقلق والفقدان»، قالت براون لوكالة رويترز.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من مستوى «غير مسبوق» من سوء تغذية الاطفال في شمال دارفور، حيث وجد المسح أن 53 في المئة من 500 طفل فُحصوا في محلية أم بارو هذا الشهر يعانون سوء تغذية حادًا.
وكان واحد من كل ستة يعاني من سوء تغذية حاد وخطير يهدد الحياة وقد يودي بحياة الطفل خلال أسابيع إن لم يعالج.
وثّق تقرير صادر عن مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل في ديسمبر حملة ممنهجة لقوات الدعم السريع لمسح آثار القتل الجماعي عبر الدفن والحرق وإزالة من بقي من الجثث.
أظهرت صور الأقمار الصناعية أنه بحلول أواخر نوفمبر تقلصت 72 في المئة من البؤر التي تضم أجسامًا متوافقة مع بقايا بشرية، فيما اختفى 38 في المئة منها تمامًا.
أفادت شبكة أطباء السودان بأن أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء، قتلوا لأسباب عرقية على أيدي قوات الدعم السريع في مناطق أمبرو، سيربا وأبو قمرة خلال هجوم استهدف منطقة دار زغاوة قرب الحدود مع تشاد.
بدأت الهجمات في 24 ديسمبر وقد تُغلق آخر مسارات الفرار للسكان المتجهين إلى تشاد.
وفي أبريل، قضت قوات الدعم السريع على أكثر من ألف مدني خلال هجوم مدته ثلاثة أيام على مخيم زمزم للنازحين، وفق تقرير لمكتب مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وثّق أنماطًا من العنف الجنسي شملت الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والعبودية الجنسية.
جاءت زيارة الفاشر بينما يجدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعواته لوقف فوري لإطلاق النار في ما تصفه المنظمة بأكبر أزمة إنسانية في العالم.
قدر أن 30.4 مليون سوداني بحاجة الآن إلى مساعدات إنسانية، فيما اضطر فرع الأمم المتحدة إلى خفض طلب التمويل لعام 2026 إلى النصف بسبب تراجع دعم المانحين الرئيسيين.
كانت الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني (القوات المسلحة) الموالية للحكومة في دارفور قبل سقوطها بيد الدعم السريع، الذي نما من ميليشيا الدعم الشعبي المعروفة بالجنجويد، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية ضد جماعات غير عربية خلال صراع دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
أتاح سقوط المدينة لقوات الدعم السريع ترسيخ سيطرتها على إقليم دارفور، وتمدد القتال لاحقًا إلى منطقة كردفان، ما قسّم البلاد عمليًا إلى نصفين.
ومنذ أواخر أكتوبر نزح نحو 107 آلاف شخص من الفاشر والمناطق المجاورة، وظل 72 في المئة منهم ضمن حدود ولاية شمال دارفور، بحسب الأمم المتحدة.
كان نحو ثلاثة أرباع النازحين في الأصل نازحين داخليًا سابقًا، فقد أجبر العنف بعض الأسر على التنقل ثلاث مرات أو أكثر؛ وبالمجمل نزح 1.17 مليون شخص من أبناء الفاشر، ما يمثل 13 في المئة من إجمالي النازحين داخليًا.
أحدث الصراع الذي اندلع في أبريل 2023 إثر صراع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 100 ألف قتيل ونزوح 14 مليون شخص، منهم 4.3 مليون فرّوا إلى دول الجوار.
رفض قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان مؤخرًا التفاوض، مؤكدًا أن الحرب لن تنتهي إلا «باستسلام» قوات الدعم السريع وانسحابها من المناطق التي احتلتها بعد اتفاق جدة في مايو 2023.
أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها البالغ من «خطاب قيادات القوات المسلحة السودانية الداعي للحلول العسكرية»، وحثت قادة الجيش على اختيار «طريق السلام لا استمرار النزاع».
من جهتها رفضت قوات الدعم السريع مقترح سلام قدمه رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، واعتبرت مطالبة الانسحاب «أمنية بعيد ة المنال».
قالت براون إن هدف زيارة الجمعة كان تقييم إمكانية دخول الفاشر بأمان لتقديم الإمدادات الأساسية، لكنها أضافت: «ما زلنا قلقين للغاية على الجرحى الذين لم نشاهدهم، وعلى من قد يكونون محاصرين أو معزولين».