نُشرت في 27 أغسطس 2025
مجاعة في غزة لم تعد تحذيراً بل واقعاً: مسؤولون أمميون ومنظمات إغاثية يحذرون من ارتفاع حصيلة الوفيات بين الأطفال جوعاً، بينما يواصل الحصار والقصف إيقاف وصول المساعدات الحيوية المنقذة للحياة.
في كلمة حادة أمام مجلس الأمن، وصف مسؤولون الأزمة في القطاع بأنها “مُصنَّعة” و”من صنع الإنسان”. وقالت جويس مسويا، نائبة المفوض الإنساني بالأمم المتحدة، إن المجاعة تأكدت في مديرية شمال وسط غزة حيث تقع مدينة غزة، ومن المتوقع أن تنتشر الى دير البلح وخان يونس جنوباً قبل نهاية سبتمبر.
“أكثر من نصف مليون شخص يواجهون الآن الجوع والضياع والموت”، حذرت مسويا. وأضافت أن هذا الرقم قد يتجاوز 640 ألفاً بنهاية سبتمبر، وأنه بالكاد يوجد في غزة أحد لم تلمسه آثار الجوع. وأوضحت أيضاً أن ما لا يقل عن 132 ألف طفل دون سن الخامسة مهددون بسوء تغذية حاد، وأكثر من 43 ألفاً منهم قد يواجهون حالات تهدد الحياة في الأشهر المقبلة.
“هذه المجاعة ليست نتيجة جفاف أو كارثة طبيعية”، قالت مسويا، “إنها كارثة مُصنَّعة ناجمة عن صراع أدى إلى خسائر بشرية هائلة ودمار ونزوح قسري.” وفي وقت سابق من اليوم أعلن وزارة الصحة في غزة عن تسجيل 10 وفيات إضافية “بسبب المجاعة وسوء التغذية” خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، من بينهم طفلان، ليرتفع إجمالي الوفيات المرتبطة بالجوع منذ بداية الحرب إلى 313 حالة، من بينها 119 طفلاً.
مجاعة مُصنَّعة
على الصعيد الدبلوماسي، طالبت إسرائيل نظام تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، الآلية المعتمدة برصد المجاعات والمدعومة من منظمات غير حكومية ووكالات أممية، بسحب تقريره حول وضع غزة. واعتبر إدن بار تال، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، تقرير الأسبوع الماضي الذي وثق المجاعة في مدينة غزة ومحيطها “مغلوطاً بشدة وغير مهني ويخالف معايير الجهة الدولية المختصة”. ورغم ذلك، أصدرت جميع أعضاء مجلس الأمن – باستثناء الولايات المتحدة – بياناً مشتركاً يدعم نتائج الـIPC ويقف إلى جانبه.
من جانبها، اتهمت إنجر آشينغ، رئيسة منظمة “أنقذوا الأطفال”، القوى الكبرى بالتواطؤ عبر تقاعسها. قالت مخاطبة المجلس: “مجاعة غزة هنا الآن. مجاعة مُصنَّعة. مجاعة بفعل الإنسان. الأطفال في غزة يُجَرَّدون بشكل منهجي من الطعام حتى الموت. هذا الجوع يُستخدم كطريقة حرب بأبشع صورها.” وصفت العيادات الممتلئة بأطفال يعانون من سوء تغذية والذين صاروا الآن صامتين: “الأطفال لم يعودوا يملكون القوة حتى للحديث أو الصراخ من الألم. يرقدون هزيلين، يتلاشى جسدهم حرفياً.”
روت آشينغ كيف تحولت رسومات الأطفال في مراكز دعم المنظمة من أحلام بالسلام والتعليم إلى أماني بسيطة بحصولهم على الطعام، وبينهم من صار يتمنى الموت. أحد الأطفال كتب: “أتمنى لو كنت في الجنة حيث أمّي. في الجنة هناك حب وطعام وماء.”
تواصل الهجمات
مع تزايد تحذيرات الأمم المتحدة، وثّقت المستشفيات في غزة إصابات ووفيات جديدة جراء الضربات الإسرائيلية. وقال المستشفى الميداني الكويتي المتخصص إن ضربات بطائرة من دون طيار استهدفت خياماً للمشردين في جنوب خان يونس الليلة الماضية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص بينهم طفل وامرأة وإصابة 21 آخرين. كما أفاد مستشفى ناصر بأن ستة أشخاص آخرين قُتلوا في غارات منفصلة على المدينة.
وذكر طاقم طبي أن ضربات قرب مواقع توزيع مساعدات تُدار من قبل صندوق دعم غذائي مثير للجدل بدعم إسرائيلي وأميركي أودت بحياة ما لا يقل عن 12 شخصاً يوم الأربعاء، أربعة منهم قضوا في شمال القطاع أثناء انتظارهم حصصاً غذائية زهيدة.
تأتي هذه الهجمات فيما تواصل القوات الإسرائيلية تضييق الخناق على مدينة غزة مستخدمةً قوة ساحقة في مسعاها للسيطرة على المركز الحضري، مع دبابات وطائرات حرب تهدم أحياء سكنية بأكملها. وألقيت يوم الثلاثاء منشورات على مناطق عدة تأمر السكان بإخلاء منازلهم والانتقال جنوباً، وفي منشور عبر حساب عسكري على منصة X جدد المتحدث باسم الجيش أمر التهجير الواسع قائلاً إن “إخلاء مدينة غزة أمر حتمي”.
المنظومة الإنسانية تواجه الآن اختباراً كارثياً، والنتائج تتضح في كل طفل يتوقف عن البكاء، وفي كل خيمة تُستهدف وفي كل رسالة صغيرة تُحمل أمنية واحدة: قطع من الخبز.