الإيفواريون يحتجون ضد نظام «معيّب ومزوّر» مع اقتراب انتخابات حاسمة

أبيدجان — في حي يوپوگون العمالي الشهير، عند تقاطع سابور-بومبيي الذي تشتهر به المدينة، تنتشر رائحة الدجاج والأسماك المشوية في الهواء بينما تتزاحم أكشاك الطعام لجذب الزبائن على امتداد شارع يعج بالمطاعم المحلية. غير أن ذلك التقاطع، الذي كان عادة ما يضج بالحركة حتى وقت متأخر من الليل، أصبح يخلو من المارة مبكراً هذه الأيام، مع عودة السكان إلى منازلهم قبل الغروب مدفوعين بالخوف من العنف ذي الصلة بالانتخابات ومن تواجد شاحنتي شرطة دائمة الوقوف في المكان.

تدخل هاتان الشاحنتان في دوريات متكررة منذ العاشر من أكتوبر، موعد انطلاق الحملة للانتخابات الرئاسية المقبلة. وهي جزء من قوات قوامها نحو 44 ألف شرطي وجندي انتشرت في أنحاء البلاد، وفق ما تقول الحكومة، لـ«ضمان انتخاب آمن وسلمي». ورغم أن عناصر الشرطة يبقون داخل مركباتهم عند التقاطع، فإن وجودهم زاد من حالة القلق التي تسود لدى كثيرين في هذا البلد بغرب أفريقيا مع اقتراب موعد الاقتراع يوم السبت.

«الإيفواريون يعيشون في خوف»، قال جان، موظف حكومي في الثانية والأربعين من عمره، بدا عليه الوهن. مثل كثيرين ممن تحدثت إليهم الجزيرة، طلب الاكتفاء باسمه الأول خشية تعرضه لأي إجراءات من السلطات. وأضاف: «حتى للذهاب إلى العمل، لا نخرج قبل الفجر. الناس مشغولون بالهموم».

عادة ما يستيقظ كثير من السكان قبل بزوغ الفجر للتوجه إلى أعمالهم، لكن السفر في الظلام خلال فترات التوتر السياسي يوقظ ذكريات مؤلمة، لا سيما محاولة الانقلاب في سبتمبر 2002 التي وقعت في صباح يوم عمل وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 270 شخصاً.

مخاوف وتضييق سياسي

ساحل العاج هو ثاني أكبر اقتصاد في غرب أفريقيا وقوة إقليمية، لكن تاريخها يتلطخ بحوادث عنف سياسي وانتخابي. وقد يبدي تصويت هذا العام قابلية للتصاعد في العنف، بحسب سكان ومحللين، خاصة بعد استبعاد القيادات المعارضة الرئيسية من الترشح، وترشح الرئيس الحالي لولاية رابعة، ووقوع احتجاجات وعمليات اعتقال واسعة قبيل الانتخابات.

تصاعدت التوترات في يونيو بعد استبعاد أربعة من أبرز معارضي الحكومة من القوائم الانتخابية، بينهم الرئيس السابق لوران غباغبو وتيجان تبيام، المصرفي الذي اعتُبر سابقاً نجماً صاعداً في المشهد السياسي. ورغم أن هذه القرارات استندت إلى أحكام قانونية بحسب قضاة، فإنها تُقرأ لدى فئات واسعة على أنها دوافع سياسية أثارت غضب الشارع.

في يوليو، أثارت خطوة الرئيس الحاكم آلَسَانْ ووتارا (83 عاماً والذي يتولى السلطة منذ 2011) الرغبة في الترشح لولاية رابعة مزيداً من الاستياء، إذ أتاحت لها تعديل دستوري أُجري خلال فترات سابقة من حكمه. إلى جانبه، يتنافس في السباق أسماءٌ من بينها سيمون غباغبو، السيدة الأولى السابقة، وثلاثة سياسيين أقل شهرة: جان-لويس بيلون، هنرييتا لاجو، وآهوا دون ميلو، الذين لا يعتبرون خصوماً جادين في معترك الرئاسة.

يقرأ  كوريا الجنوبية تختبر أسابيع عمل من أربعة أيام وأنصاف أيام العمل لتخفيف إجهاد الموظفينأخبار الأعمال والاقتصاد

في هذا السياق، أعلن أكبر حزبي المعارضة — حزب الشعب الأفريقي لساحل العاج (PPACI) والحزب الديمقراطي لساحل العاج (PDCI) — عن تنظيم تجمع يوم 4 أكتوبر بدعوى السعي للحوار مع الحكومة، لكن مجلس الأمن الوطني قرر قبل ذلك بيومين حظراً شاملاً للتجمعات. رغم الحظر، صممت المعارضة على المضي قدماً وأجلت تظاهرتها إلى 11 أكتوبر، وهو اليوم الذي شهد تصعيداً من السلطات لقمع التجمعات.

في حي بلوكهوس، المعروف بميل سكانه للمعارضة، حاصرت قوات الأمن المتظاهرين وأغلقت المخارج واستخدمت الغاز المسيل للدموع، وتكررت ذات الأساليب من قبل فرق مكافحة الشغب في أجزاء أخرى من المدينة، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين المحتجين والشرطة. واعتُقل أكثر من 700 شخص، بعضهم خلال التظاهرات وآخرون في اليوم التالي. لم يتضح عدد المفرج عنهم حتى الآن، لكن أكثر من 80 محكوم عليهم، وصنفت النيابة بعض القضايا على أنها «أعمال إرهابية».

أدانت منظمات حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، هذه الاعتقالات. وقالت مارسو سيفيود، المديرة الإقليمية للمنظمة في غرب ووسط أفريقيا، إن «التظاهر السلمي حق، لا امتيازاً»، مطالبة بالإفراج الفوري عن كل من احتُجز لمجرد ممارسته حقوقه، ومنحه حق الوصول السريع إلى محامٍ وإبلاغ عائلاتهم في وقت مناسب.

السعي إلى «انتخابات شاملة وسلمية»

بعد يوم واحد من القمع، أعلنت المعارضة برنامج احتجاجات يومية حتى يوم الاقتراع. وقال بريدومي سوماليا، المتحدث باسم حزب تبيام والذي يعيش في المنافى، عبر الهاتف للجزيرة: «طالما طالبنا بالحوار لتهيئة ظروف انتخابات شاملة وسلمية، لكننا رأينا أن العملية معيبة ومزورة سلفاً». وأضاف أن هناك «أكثر من مئة مناصر معارض في السجون»، غالبيتهم قادة شبان، فيما لجأ آخرون إلى الاختفاء أو إلى المنفى.

لذلك قررت المعارضة التصعيد بالاحتجاجات اليومية، لكن كثيرين يعتبرون الدعوة غير مجدية في ظل الحظر الرسمي على التجمعات. ومن بين الذين اختاروا نهجاً أكثر جرأة الناشطة الشهيرة بولشيري غباليه، وهي ناشطة حقوقية ونقابية سابقة برزت كصوت مهيمن للمقاومة داخل البلاد مع اعتقال أو نفي معظم قادة وأنصار المعارضة.

عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعت غباليه الإيفواريين إلى «إيقاف كل شيء» — عن العمل أو المدرسة — وإغلاق الطرق الرئيسية لشلّ الحركة وإجبار السلطات على إلغاء الانتخابات. تاريخ العنف الانتخابي ليس جديداً في ساحل العاج، والحديث عن إمكانية تصاعد الأحداث يجعل الشارع مضطرباً أكثر من أي وقت مضى، بينما تواصل البلاد مواجهة أزمات ثقة سياسية واجتماعية متجذرة. احتجاقات واعتقالات تظلّ عنوان المشهد قبل ساعات من فتح مراكز الاقتراع. صورة التقطت قبل انتخابات 2020 تُظهر رجال شرطة وهم يعتقلون متظاهراً احتجاجاً على قرار الرئيس أواتارا الترشح لولاية ثالثة.

يقرأ  إسرائيل تخفّض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع البرازيل إثر خلاف

أُدينت آنا غباليه وسُجنت مرتين في السابق؛ المرة الأولى في 2020 عندما احتجزت ثمانية أشهر بعد دعوتها إلى احتجاجات سلمية ضد محاولة أواتارا للتمديد. أُفرج عنها بكفالة في أبريل 2021، ثم وُضعت قيد الاحتجاز مرة أخرى في 2022 بعد اتهامات من السلطات بالتواطؤ مع جهات أجنبية.

رغم أن التهديدات ليست جديدة على حياتها، فإن تصاعد التوترات قبيل هذا الاقتراع أخذ منحى أكثر حدة ودفعها للاختفاء داخل البلاد، حيث تواصل تحدي السلطات من مكان آمن. وقالت غباليه، البالغة من العمر 52 عاماً ورئيسة منصة المجتمع المدني “البديل المواطن الإيفواري”، لقناة الجزيرة: «هم يفتشون عني. أتلقّى تهديدات. أُلاحق». وأضافت: «لكن إذا لم نوقف كل شيء فلن يسمعوا لنا».

وبالرغم من أنها لا تخرج إلى الشوارع خوفاً من الاعتقال، فإن صوتها ما يزال حاضراً؛ تدين التعديلات الدستورية للرئيس وتعبر عن استياءها من التضييق المتزايد على الحيز الديمقراطي في البلاد. بالنسبة إليها، التصويت القادم يفتقر إلى الشرعية، وولاية رابعة لأواتارا ستكون مخالفة للدستور. في تسجيل مصوّر نُشر في 12 أكتوبر، وهي تقف أمام العلم الوطني، نادت المواطنين قائلة: «لا تشاركوا في أي نشاط يتعلق بهذا المسرحية الانتخابية التي نعرف نتيجتها سلفاً». وهي مقتنعة أن العملية مُعدّة مسبقاً لصالح الرئيس الحالي.

«أجبرهم على الاستسلام»

نداء غباليه للدعوة إلى إغلاق شامل لم يلقَ تجاوباً واسعاً، لكن في هذه الأجواء المتفجرة، تكثفت المواجهات. وذكرت وسائل إعلام محلية أن ما لا يقل عن خمسة أشخاص لقوا حتفهم في موجة قمع متفرقة هذا الشهر. وقالت الحكومة في بيان أوائل الشهر إنها ستتخذ «كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على النظام والأمن».

ويوضح المحلل السياسي جيفروي كواو أن الانتخابات الرئاسية في ساحل العاج «منذ انطلاق التعددية الحزبية كانت دائماً مصدراً للتوتر». واستعرض أرقاماً مأساوية: في 1995 شهدت مقاطعة نشطة أسفرت عن ثلاث وفيات، وفي 2000 كانت انتخابات عنيفة أسفرت عن حوالي 300 قتيل، وفي 2010 أدت نتائجها رسمياً إلى نحو 3000 وفاة في أعقاب العنف والحرب الأهلية، وفي 2020 سُجلت 85 وفاة.

ويضيف كواو أن المشكلة تكمن في طبقة سياسية لم تتغيّر جذرياً منذ التسعينيات، حيث لم يلتزم العديد من القادة بالمبادئ الديمقراطية بل انشغلوا بتصفية المنافسين السياسيين. ويصف ناشط حقوقي إيفواري، بوغا ساكو جرفيه، حكم أواتارا بأنه «قاسٍ إلى حد أن الديمقراطية فقدت جوهرها»، مشيراً إلى أن الرئيس يهيمن على السلطة التنفيذية والبرلمان وحتى على الجهاز القضائي، ويستعمل القوانين لتضييق الحريات العامة. ويقول جرفيه، المتحدث من منفاه، إن حريات الرأي والتعبير «أصبحت مُجرَّمة منذ 2011» وإنه صار من المحظور توجيه نقد لرئيس الدولة وإن «النظام انزلق نحو ديكتاتورية».

يقرأ  ما مدى أهمية مدينة غزة بالنسبة لحركة حماس؟

من جهتها أكدت وزارة العدل في بيان ناشر في 17 أكتوبر أن القيود المعلنة «محدودة زمنياً» طوال فترة الانتخابات وأنها «تستهدف نوعاً محدداً من الاحتجاج» أي المخالف لحظر التظاهر القائم. وأضاف البيان أن حرية الاحتجاج السلمي «قد تخضع لبعض القيود وفق القانون، ومتى ما كانت ضرورية للمصلحة الوطنية أو الأمن العام أو النظام العام».

مع اقتراب موعد الاقتراع، يعكس نداء غباليه للإغلاق الشامل إحباطاً واسعاً. قالت بحزم إنها تريد إجبار الحكومة على إلغاء الانتخابات وتنظيم حوار سياسي مع المعارضة. وقالت إحدى المُقرَّبات منها إن النداء «الخيار الوحيد لإجبار السلطة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات». وخلص دونالد غاهي، عضو منصتها المدنية، إلى أن هذا النداء جاء نتيجة «رفض السلطات السماح للإيفواريين بالتظاهر سلمياً» وأن الحكومة «صمّت آذانها رغم النداءات من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وحتى الأمم المتحدة».

«عدوا إلى طاولة المفاوضات»

بينما يميل بعض عناصر المجتمع المدني إلى التصعيد، يبدي كثير من الإيفواريين موقفاً أكثر اعتدالاً. تحدثت أدرين أماني، 40 عاماً، للجزيرة قرب مركز للخدمات الاجتماعية في يوبوغون، قائلة إنها تدعو القادة السياسيين إلى «العودة إلى طاولة التفاوض». «نحن بحاجة للتفاوض من أجل إحلال السلام. إن لم تنعم البلاد بالسلام فلن تذهب الشعوب إلى صناديق الاقتراع».

في 2020 كان الإقبال منخفضاً نسبياً (فقط أكثر من 53 بالمئة). وما يزيد القلق هو أن ذكرى العنف الانتخابي لا تزال حيّة في الذاكرة الجماعية، فبعض الإيفواريين اتخاذوا احتياطات خوفاً من تصعيد؛ تشير تقارير إلى أن ما يصل إلى 1500 شخص فرّوا فعلاً عبر الحدود إلى غانا المجاورة، فيما يكدّ آخرون على تخزين المواد الغذائية والوقود وتقليص نشاطات الأعمال المحلية.

في سوق للصحف بكوماسي، أحد أحياء أبيدجان، أعرب رائد أعمال ومؤيد للحكومة، يو مامادو (42 عاماً)، عن خيبة أمله من تصاعد التوترات. قال: «كنت أتمنى أن تجرى الانتخابات في أجواء هادئة واحترام حكم القانون. لكن للأسف شهدنا اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة. الخيار الوحيد أمامنا الآن هو التوجه للتصويت». وفيما كان يخصّب حديثه، قاطعه ماريوس بائع الساعات والميداليات على قارعة الطريق… «هل أنتم متأكدون حتى من أن هذه الانتخابات ستُجرَى؟ هذا ما علينا أن نسأله لأنفسنا»، قال البائع المتجول، الذي لم يرِد أن يذكر اسمه الاخير.

«المعارضة تريد تعطيلها والحكومة مصممة على المضي قدماً مهما لم تُتح الشروط»، قال الرجل الثلاثيني بغضب. «إذا أُجريت الانتخابات فقد تكون وصفة لسفك دما، وعلينا أن نتجنّب ذلك.»

نُشر هذا المقال بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق