الانتقام منا في الحادي عشر من سبتمبر — في ذكراه أرفض المسامحة

سُئِلت لسنوات إن كنت قادراً على الغفران لأولئك الذين سجَنوني وعذَّبوني ونزعوا مني إنسانيتي. سؤال مثقل بالمعاني؛ فهو لا يسأل عن غفران شخصي فحسب، بل يدعوك أحياناً إلى التكلّم نيابة عن جميع المساجين في غوانتنامو. عادةً ما أجيب بأن الغفران ليس أمراً بسيطاً، خصوصاً حين لا تزال العدالة غائبة.

احتُجزت في غوانتنامو لما يقرب من خمسة عشر عاماً بلا تهمة، وتعرّضت لمعاملة لا ينبغي أن تحتملها أي بشر. كنت واحداً من آلاف الأبرياء الذين اختُطفوا خلال الحملة العالمية للانتقام والإرهاب التي شنَّتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001، وبُسّرت من خلالها الغزوات غير القانونية لأفغانستان والعراق، وشرعنّت برامج للتعذيب في مواقع سرية تديرها وكالة الاستخبارات، وأُحيل سجن غوانتانامو إلى مختبر لتجريد البشر من كرامتهم.

في زنزانتي فتحت مرة وجبة معلبة فوجدت داخل الغطاء عبارة مكتوبة بخط خشن: «لن ننسى أبداً، ولن نغفر أبداً». كتبت ردّاً: «لن ننسى ولن نغفر، سنكافح من أجل عدالتنا». بسبب ذلك علَّق عليَّ إداريو المعسكر عقوبة «عن طريق حرمان الطعام» ووضعوني في الحبس الانفرادي، وادّعوا أن عبارتي تشكّل تهديداً بالقتل.

اليوم، في الذكرى الرابعة والعشرين لهجمات 11 سبتمبر، تتردّد مرة أخرى صيحات «لن ننسى، لن نغفر». تُعرض هذه الكلمات أحياناً في قالب حداد أو رغبة في إكرام ذكرى الضحايا، لكنها تحمل أيضاً أبعاداً أكثر ظلمة عندما تُستخدم كصيحة دعائية للانتقام والردّ أو القصاص، بدلاً من أن تكون نداءً مدروساً للعدالة والمحاسبة والتأمل العميق. يعود نقاش الانتقام والغفران إلى التداول العام باستمرار، دون أن يتوقف كثيرون ليسألوا عمّا يعنيه الغفران حقاً.

في حالات مثل المواقع السوداء التابعة لوكالة الاستخبارات، وغوانتانامو، وسجن أبو غريب، وغيرها من الفظائع المرتكبة باسم محاربة «الإرهاب»، لا يمكن اختزال الغفران في فعل فردي. الضرر كان له امتداد عالمي، وصل أثره إلى عشرات الملايين: من تعرّضوا للتعذيب، ومن قُتلوا بضربات الطائرات بدون طيار، ومن تركتهم الحرب بلا معيل، ومن دُمّرت مجتمعات بأسرها في أفغانستان والعراق واليمن والصومال، على سبيل المثال لا الحصر. أنا ممتنع عن أن أقدّم تصريحاً أحادي الجانب قائلًا «أغفر»، لأن الغفران ليس ملكي وحدي؛ كي يكون ثقيلاً المعنى يجب أن يُمنَح جماعياً، من الضحايا والناجين وحتى من لا يمكنهم أن يغفروا لأنهم ماتوا.

يقرأ  قُتل ما لا يقلّ عن 14 شخصًا في فيضانات مفاجِئة بإندونيسيا؛ الغالبية على جزيرة بالي — أخبار المناخ

ورغم ضخامة المآسي، ظهرت أصوات تدّعي الغفران عما ارتُكِب في غوانتانامو. قد يبدو الأمر نبيلاً ظاهرياً، لكن التعامل مع الغفران كخيار شخصي بحتٍ يتجاهل الضرر الكارثي الذي لحق بعشرات الملايين خلال ما يسمى «الحرب على الإرهاب». وبعبارة أخرى، عندما يُمدَّ الغفران لأغراض شخصية — من أجل الشهرة أو الاعتراف أو الربح — يتحوّل إلى فعل خيانة.

أسأل من يعرضون مثل هذا الغفران: من بالضبط تغفرون له؟ للمعلّبين بالتعذيب الذين لم يُقدّموا اعتذاراً؟ للحكومات التي تنكر جرائمها؟ هل هناك من طلب غفرانكم أصلاً، أم أنكم تمنحونه مجاناً لمن يصرّون أنهم لم يفعلوا شيئاً خاطئاً؟ هل فكّرتم بعائلاتٍ طُمرت تحت ضربات الطائرات الأمريكية، أُزيلت ومُحي ذكرها في لحظة؟ هل تذكّرون أولئك الذين لم يغادروا المواقع السوداء — الذين بقيت أسماؤهم مجهولة، ومَن مات منهم لم تُسجّل وفاته، ولم تُعاد جثته؟ إذا بقيت آلية العنف كما هي من دون محاسبة، فبماذا يختلف الغفران عن مواساة المذنب ومحو معاناة المظلوم؟

تشير هذه الأسئلة إلى مشكلة أعمق: لماذا يُطالَب المظلوم دائماً بالغفران؟ لماذا يقع عبء الشفاء الأخلاقي على من تعرّضوا للإساءة، ليبرئوا عالماً لا يزال يبرحهم؟ قبل أي تحقيق أو مساءلة أو حتى اعتراف بالضرر، يُطالَب الظلم بهمّة أن «يتجاوزوا» من أجل السلام وراحة غيرهم. هذا النمط واضح في سلوك الولايات المتحدة، التي تمضي قُدُماً مكلّلة بلغة الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما يُطلب من ضحايا وحشيتها أن ينتظروا ويصبروا ويغفروا.

هذا المعيار الأخلاقي المزدوج يبيّن تماماً من يُعترف له بالإنسانية ومن لا يُعترف له. عندما تقتل الولايات المتحدة أو تعذّب أو تُخفي أشخاصاً، تُصوَّر هذه الأفعال على أنها ضرورية أو استراتيجية أو بطولية. أما حين يصرخ الناجون ويطالبون بالمحاسبة أو يرفضون الغفران، فيُصوَّرون على أنهم مرّون، ثأريون، أو جاحدون. النفاق هذا ليس صدفة؛ إنه مُضمّر في هندسة القمع نفسها.

يقرأ  بحسب مسؤولين: رضيع من بين قتيلين في هجوم بطائرة روسية مسيّرة على كييف

لا يمكن فتح نقاش جاد عن الغفران قبل أن تأتي العدالة أو التعويضات. الحديث عن الغفران في هذا الإطار ليس إلا محاولة لتلميع وتبرير الجرائم المرتكبة. الغفران ليس فعلاً أحادي الجانب، هبةً يقدّمها المظلوم للذي أساء دون أي توقع للمحاسبة. الغفران الحقيقي لا ينفصل عن العدالة. الإصرار على الغفران قبل تحقيق العدالة ليس طريقاً للشفاء؛ إنه استراتيجية لمحو الحقيقة. يطالب بالصمت بدل الذاكرة، والخضوع بدل المقاومة. يحوّل نقاش الغفران إلى وسيلة تحكّم أخرى، تهدف إلى تبرئة المذنب وإحراج الناجي.

لا يمكن منح غفران حقيقي طالما أن أدوات القمع قائمة. الولايات المتحدة لم تُعلِن رسمياً نهاية «الحرب على الإرهاب». غوانتانامو ما زال مفتوحاً، وآلية الاحتجاز والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء مستمرة بأشكال مختلفة. الحكومة لم تتحمل مسؤوليتها تجاه الأذى الذي تسبّبت به، ولا أقرت بالضحايا والناجين. لم يحصل تعويض جوهري، ولا جهد حقيقي للتكفير أو الإصلاح.

كيف نتحدث عن الغفران بينما نفس القوة الإمبريالية التي ادعت حماية الأبرياء بعد 11 سبتمبر تُسهِم اليوم في قتل عشرات الآلاف في غزة وتشارك في سياسات تجويع ومجزرة؟ الإخفاقات الأخلاقية التي سمحت بوجود غوانتانامو تنعكس اليوم في دعم سياسات تُعرّض الفلسطينيين للمجاعة والذبح الجماعي. الغفران ليس تبرئة شاملة للظلم المرتكب. قد تكون بعض الجرائم خارج نطاق أي غفران ممكن. وربما تكون الاستجابة المبدئية الوحيدة لمثل هذه الفظائع أن نرفض الغفران ونرفض النسيان. لا تغفروا. لا تنسوا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لـ«الجزيرة».

أضف تعليق