التحول الرقمي نجاحه مرهون بكفاءة العنصر البشري

الكفاءة: محرك التحوّل

اليوم تتحدث معظم المؤسسات عن المهارات الرقمية والمرونة والاستعداد للذكاء الاصطناعي. لكن تحت واجهات التقارير والمنصات ثمة حقيقة قاسية — الكثيرون رقمنوا المحتوى وليس القدره الحقيقية على الإنجاز. في عملي الاستشاري، عند مساعدة مؤسسات على إطلاق نظم التعلم الرقمية، تكرّر المشهد: بوابات تعليمية تُفتَح، دورات تُحمّل، ونسب إنجاز تُحتفل بها، بينما يبقى التغيير القابل للقياس في سلوك وأداء الناس ضئيلاً.

وهم التحوّل الرقمي

التحوّل الرقمي الحقيقي لا يبدأ بالتقنية، بل يبدأ بالناس، وبالتحديد بالكفاءات التي تمكّنهم من التعامل مع التغيير بثقة. هنا تأتي أهمية التعلم القائم على الكفاءات، الذي يحوّل معيار النجاح من عدّ ساعات التدريب إلى قياس اتقان المهارات فعلياً. بدلاً من كتالوج دورات جامد، يبني هذا النهج محرك قدرة حيّ يتطوّر مع احتياجات العمل.

أظهر تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن التحوُّل إلى نهج “المهارات أولاً” عبر القطاعات يؤكد ضرورة الاستثمار في كفاءات القوى العاملة وليس فقط في الشهادات أو التكنولوجيا، باعتباره عاملًا أساسيًا للنمو المستدام والتنافسية في العصر الرقمي.

ما الذي يتطلّبه التحوّل الرقمي فعلاً؟

التحوّل الرقمي ليس تبنّي منصات فحسب؛ إنه إعادة تشكيل طرق التفكير والتعاون وتقديم القيمة. وهو يتطلّب موظفين قادرين على:

– التفكير النقدي في بيئات معقّدة وسريعة التغيّر.
– التعاون عبر أدوات رقمية وفرق موزّعة جغرافياً.
– التكيّف المستمر مع الحفاظ على توافق الأهداف مع استراتيجية العمل.

النماذج التدريبية التقليدية تخبر الناس بما يجب معرفته؛ لكنها لا تبني لديهم القدرة على الأداء. يجسر التعلم القائم على الكفاءات هذه الفجوة عبر ربط كل تجربة تعلم بنتيجة قابلة للقياس، سواء في محو الأمية البياناتية، التعاون الرقمي، أو التفكير التصميمي.

مثال تطبيقي
في مشروع عملت عليه، أطلقت وحدة أعمال أداة تحليلية جديدة. كان التركيز في التدريب على “كيفية استخدام المنصة”. بعدما أعِدّت برامج التعلم حول كفاءات مثل تفسير لوحات البيانات لاتخاذ قرارات أعمال والتعاون في استخلاص الرؤى، شهدنا تبنّياً أسرع، مشاركة أعلى، وتحسّنات أداء قابلة للقياس.

يقرأ  مستقبل أفريقيا مرهون بالمياهتعاملوا معها كبنية تحتية حيوية

من الدورات إلى القدرات

لعقود، كانت فرق التعلم والتطوير تحتفي بانتهاء الدورات واستطلاعات الرضا. هذه المقاييس لا تثبت استعداد الموظفين للتحوّل الرقمي. يبدأ التعلم القائم على الكفاءات بسؤال واحد: “ماذا يجب أن يستطيع هذا الشخص أن يفعل بطريقة مختلفة بعد التعلم؟” هذا السؤال الواحد يغيّر كل شيء: تصميم التعلم، طرق تقديمه، وأساليب القياس. بدلاً من دورات عامة مثل “القيادة 101″، نركّز على كفاءات دقيقة مثل تيسير التعاون الافتراضي أو القيادة في ظل الغموض. خطوات ثلاث لبناء نضج القدرة المؤسسية:

1) تحديد بنية كفاءات رقمية — خرائط المهارات الحرجة، سلوكية وتقنية، المتوافقة مع أهداف التحوّل.
2) التصميم بالعكس بدءاً من اتقان المهارة — مسارات تعلم، محاكاة، ودورات تغذية راجعة تؤدي إلى أداء عملي.
3) قياس الإتقان وليس الدقائق — استبدال “الوقت المقضى” بـ”إثبات الكفاءة” عبر مهام تطبيقية، تغذية زملاء، أو اعتماد من المدير.

عندما يُبنى التعلم بهذه الصورة، لا يكتسب الموظف معرفة فحسب، بل يحسّن أداءه فعلاً.

ميزة البيانات في التعلم القائم على الكفاءات

منصات التعلم الحديثة تولّد بيانات، لكن ليست كل البيانات تقود إلى رؤى ذات قيمة. نسب الإنجاز وحدها لا تكفي لمعرفة ما إذا كان شخص ما مستعداً لمستقبل العمل. ينظّم نهج الكفاءات بيانات التعلم حول مؤشرات أداء واضحة، فتصبح صورة القدرة المؤسسية أوضح. عند دمج هذه البيانات مع الذكاء الاصطناعي وتحليلات التعلم، يمكن للمؤسسات أن:

– تحدّد فجوات المهارات في الوقت الحقيقي.
– تخصص مسارات التطوير تلقائياً.
– تربط استثمارات التعلم بنتائج أعمال قابلة للقياس.

بهذه الطريقة تغلق فرق التعلم والتطوير الحلقة بين التعلم والأداء والنتائج — وهو الهدف الأسمى لأي مبادرة تحوّل رقمي.

البُعد الإنساني: الكفاءة تبني الثقة

يقرأ  بدائل لتصنيف بلوم— أُطر ومقارِبات تربوية مبتكرة

وراء كل لوحة بيانات إنسان. الناس نادراً ما يقاومون التغيير لمجرد كراهية التكنولوجيا؛ إنما لأنهم يشعرون بأنهم غير مستعدين. يعيد التعلم المرتكز على الكفاءات ذلك الإحساس بالجاهزية. عندما يفهم الموظف ما المتوقع منه، يرى مسارات واضحة ويتلقى تغذية راجعة مخصصة، تحلّ الثقة محل القلق.

في تصميمي وتسهيلي لبرامج القيادة الرقمية شهدت هذا التحوّل مراراً. حين يفهم المتعلّم سبب دراسة موضوع ما وكيف يربطه بتطوره المهني، يرتفع مستوى الاندماج بشكل ملموس. ومع تفشّي الذكاء الاصطناعي، يصبح هذا البعد الإنساني أكثر أهمية: فمع تولّي الأتمتة للمهام الروتينية، ستزداد قيمة كفاءات مثل:

– القابلية للتكيّف.
– الذكاء العاطفي.
– الحكم والإبداع.
– القيادة الذاتية والمرونة.

ينبغي أن توصل المؤسسات رسالة واضحة: الذكاء الاصطناعي لا يحلّ مكانك؛ بل يعيد تشكيل ما تحتاج أن تتقنه. التعلم القائم على الكفاءات يجعل هذا الانتقال شفافاً ومُمكّناً.

نحو مستقبل تكيفي

مع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف مستقبل العمل، سيتحول التعلم القائم على الكفاءات إلى منظومات تعلم تكيفية، تقيم ما يعرفه المتعلم وتتنبّأ بما سيحتاجه لاحقاً. للبقاء في المقدمة، يجب على المؤسسات أن:

– تجدد الكفاءات باستمرار مع بروز تقنيات ونماذج أعمال جديدة.
– تدمج بين رؤى البشر والآلات، مستخدمة التحليلات لتوجيهي التعلم والمديرين لتوجيهه.
– تُرسّخ ثقافة قدرة مستمرة حيث لا يكون التعلم حدثاً لمرة واحدة بل دورة حياة مهنية مستمرة.

هذا التحول يغيّر طبيعة التحوّل الرقمي نفسه — من مشروع تقني إلى حركة لتعزيز القدرة البشرية.

الخاتمة

“القيادة والتعلم لا غنى لأحدهما عن الآخر.” — جون ف. كينيدي

التحوّل الرقمي دون تحوّل في الكفاءات يشبه ترقية العتاد دون تحديث نظام التشغيل. يمنح التعلم القائم على الكفاءات المؤسسات خارطة طريق لتوسيع القدرة البشرية بسرعة تتوافق مع وتيرة التغيير التكنولوجي. في المستقبل سنستكشف كيف نصمم منظومات تعلم تكيفية وشخصية تجعل اتقان الكفاءات عملياً، قابلاً للقياس وملهماً — ترقّبوا المزيد.

يقرأ  ابن الزوجين البريطانيين اللذين احتجزتهما طالبان «مَسْرور» بعودة والديه إلى المملكة المتحدة

أضف تعليق