في الثاني من سبتمبر، شنت الولايات المتحدة ضربة عسكرية مدوية على زورق سريع في جنوب البحر الكاريبي، في انتهاك صريح لكل من القانون الدولي وقوانين الولايات المتحدة. الهجوم الباهظ أودى بحياة أحد عشر مدنياً كانوا على متنه، والذين ادّعى دونالد ترامب—بقدر من الحدس تقريباً—أنهم مهربو مخدرات ينتمون إلى عصابة “ترين دي أراجوا”.
جاء هذا العرض المسرحي في ظل انتشار سفن حربية أميركية قبالة السواحل الفنزويلية بذريعة محاربة ما يسمّى “الإرهابيين المخدرّين”، الذين تصوّر السردية الترامبية الراهنة زعيمهم بأنه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو—وليس ببعيد عن المتوقّع لبلدٍ لطالما شكّل شوكة في جانب الإمبريالية الأميركية.
وحذّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من استمرار مثل هذه الهجمات، موضحاً أن اعتراض قوارب مزعومة محمّلة بالمخدرات “ببساطة لا يجدي”: «ما سيوقفهم هو حين تفجرهم، حين تتخلص منهم».
ومن جهته لفت ترامب إلى تراجع حركة القوارب قرب موقع الضربة، ربما لأن صيادي السمك الذين يعيلون أسرهم صاروا الآن يخشون على حياتهم: «لا أدري حتى عن الصيادين. قد يقولون: ‘لن أركب القارب. لن أغامر.’»
كما في معظم الحالات التي تزعم فيها واشنطن أنها تحارب الإرهاب، بدا هذا الحدث أقرب إلى عمل إرهابي بامتياز—خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان insinuation الرئيس نفسه بأن الصيادين أو أي شخص على متن قارب قد يُستهدف عشوائياً في أي وقت.
في الخامس من سبتمبر، وقع القائد العام للهيمنة الدولية أمراً تنفيذياً قضى بإعادة تسمية وزارة الدفاع الأميركية لتصبح “وزارة الحرب”. هذا من رئيسٍ حمل شعارات تجنّب الولايات المتحدة الحروب خلال حملته الانتخابية.
وبالبلاغة المألوفة لديه، أعلن ترامب أن تغيير التسمية سيجرد الولايات المتحدة من ما سماه التوجّه “الواعي سياسياً” الذي حال دون تحقيق انتصارات حاسمة، ويفتتح عهد الانتصار العسكري: «كنا قد ربحنا كل حرب، لكننا اخترنا أن نكون شديدي الحساسية سياسياً أو ‘ووك-يين’.»
ولا يغيب عن البال أن عبارة “سياسياً صحيح” ليست الوصف الأول الذي يطرأ على الأذهان حين يُستحضر مجازر القوات الأميركية الواسعة في أفغانستان والعراق وما بعدها. ووافق وزير الدفاع بيت هيغسيث—الذي سيُطلق عليه من الآن فصاعداً لقب “وزير الحرب”—على أن إعادة تسمية الهيكل ضرورية لـ”استعادة أخلاقيات المحارب”.
فلماذا إذن حاجة ترامب المفاجئة إلى ترويج صورة المحارب عبر تفجير زورق في الكاريبي؟ باختصار، يخدم ذلك كتشتيت مريح عن إخفاقاته البائسة في جبهات أخرى لم تستجب لصورة الرجل المتشدد التي يرسمها لنفسه.
فإنذاراته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء الحرب في أوكرانيا لم تُثمر. والمطالبات المتقطعة لممارسة الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء المجزرة في قطاع غزة لم تُفلح أيضاً؛ ففي أقل من عامين، قتلت إسرائيل رسمياً أكثر من 64,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
فلمَ لا يصقل “أخلاقيات المحارب” ضد أهداف أسهل—قد تشمل، أو لا تشمل، صيادي الكاريبي؟
وليس هذه المرّة الأولى التي يجعل فيها ترامب فنزويلا هدفاً. ففي 2019، خلال ولايته الأولى، اعتَرَفت إدارته بخوان غوايدو، الشخصية اليمنية الضعيفة المشهورة نسبياً التي أعلنّت نفسها رئيساً مؤقتاً لفنزويلا كبديل افتراضي لمادورو. لم تسر الأمور كما خطط لها فانتهى الأمر بغوايدو في ميامي—لكن ربما تسرّع السفن الحربية الأميركية محاولات التغيير بالنظام.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الولايات المتحدة لم تكن تبطئ في استخدام “حرب المخدرات” ذريعةً لقتل مدنيين في الخارج من قبل، وهو تناقض نفاقي ذو أبعاد خطيرة بالنظر إلى تورط الولايات المتحدة الطويل في تجارة المخدرات العالمية منذ زمن بعيد.
أما مفهوم “الإرهاب المخدِّر” الذي يستحضره ترامب حالياً، فله جذور تعود إلى تجديد قانون باتريوت في 2006، عندما اقترحت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية—وهي تخشى فقدان صلتها بعصر “الحرب على الإرهاب”—تصنيف الجريمة الجديدة كـ”تهديد فائق للوطن”.
إذاً، فإن مواجهة ترامب في الكاريبي ليست خروجاً جذرياً عن سياسة أميركية سابقة، لكن هوسه بصقل انحرافه التام يجعل من الاستعراض أمراً فريداً إلى حد ما.
حتى الآن امتنعت إدارة ترامب عن تقديم أي دليل يربط مادورو بتجارة المخدرات المزعومة. لكن، هيا، الدليل مجرد أمر “ووك-ي”، أليس كذلك؟
وفي نهاية المطاف، فالمسأله ليست حقاً عن مادورو أو فنزويلا؛ إنها عن حاجة ترامب إلى إظهار القوة عبر تفجير الأشياء.
في أغسطس جمع ترامب قمة في ألاسكا مع بوتين، ظاهرياً لإنهاء الحرب في أوكرانيا لكن في الواقع لتشتيت الانقسامات داخل تيار “اجعلوا أميركا عظيمة”—ومن بينها موضوع إصرار نتنياهو على مواصلة التفجيرات في غزة.
والآن، صارت فنزويلا هي الملهى المختار لتمويه فشل الرئيس إزاء كل من بوتين ونتنياهو، وكذلك ساحة لاستعادة ما يملؤه التستوستيرون من “أخلاقيات المحارب”.
ومع بَدْءِ وزارة الحرب الجديدة في تفجير القانون الدولي والمحلي جنباً إلى جنب مع زورقٍ كاريبي صغير، فالأمر لا يقتصر على أن الصيادين وحدهم من عليهم القلق.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي المؤلف وحده، ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لصحيفة الجزيرة.