التفكيرُ النقديُّ: نَمَطٌ ذِهْنِيٌّ

بقلم تيري هايك

من حين لآخر أعود لأقرأ مقالات تدور حول فكرة أن التفكير النقدي ليس مهارة واضحة ولا يمكن تعليمه. ولأن هذا النوع من التفكير يصعب قياسه، وفي عصر التعليم العام الحديث تُحدد الأولويات بحسب ما يُقاس، فإن التفكير النقدي يظل غالبًا هامشياً، منفصلاً ساكتًا في زاويةِ المدرسة.

غالبًا ما ترتبط هذه الكتابات بمناظرات أو أبحاث يجريها علماء نفس مثل دانيال ويلينغهام، الذي تُنسَب إليه أحيانًا تلك الدعوى. وعلى الرغم من أن غريزتي تدفعني للاعتراض، إلا أن خبرته في الموضوع أكبر من خبرتي، لذا لا أهدف هنا إلى مناقشة صواب أو خطأ هذا القول بقدر ما أود تفسير الفكرة بطريقة قد تُسهِم في فهمها بشكل أفضل.

أعتقد أننا ربما نسيء فهم ما نعنيه بـ«التفكير النقدي». سبق أن كتبت عن هذا الموضوع مرارًا: التفكير النقدي هو إحدى الأسباب الأولى للتغيير—شخصيًا واجتماعيًا—ورغم ذلك يُعامل كمنبوذ في المدارس، لأنّه يعلّم العقل أن يشك في الشكل والوظيفة لكل ما يراه، بما في ذلك الفصل الدراسي والمناهج نفسها. وطبعًا التفكير النقدي بلا معرفة يبدو ترفًا فارغًا، كما لو كان مزارعٌ بلا حقل؛ ف الفكر والمعرفة يحتاجان بعضهما بعضًا، وقد يندمجان أثناء العمل. عندما ندرك أن هذين العنصرين منفصلان وقابلان للاندماج ويحتاج كل منهما إلى الآخر، نفهم جوهر ومصدر الخوف من هذا الموضوع.

مع تتبع أثر التضليل المعلوماتي في الأحداث الوطنية والدولية الأخيرة، تبدو لي الفكرة أن التفكير النقدي أقل كونه «مهارة» وأكثر كونه «استعدادًا» أو «عادة». باختصار، التفكير النقدي حالة ذهنية. كما قلت سابقًا عن القراءة: لا يكفي أن يكون الطالب قادرًا على القراءة، بل الأهم أن يقرأ فعلًا. بالمثل، من المهم أن يكون الطلاب قادرين على التفكير النقدي، لكن الأهم أن يمارسوه فعلاً.

يقرأ  ملصقات صفّية مجانيةلتعزيز قدرة الطلاب على إدارة التوتر

التفكير النقدي يجب أن يكون حالة ذهنية.

التفكير النقدي حالة ذهنية

ناقشت مقالة في Arstechnica كيف أن الثبات في نمط التفكير يحرِم من قدرات التفكير، خاصة في سياقات مثل فهم الاحتمالات والبديهة الإحصائية. تمامًا كما يمكن اعتبار الرياضيات لغة واعتبار العلم طريقة تفكير، فكذلك التفكير النقدي—إلى جانب كونه نوعًا من التفكير—هو أولًا واستمرارًا حالة ذهنية: استعداد للشكّ والتمحيص، مصحوب بمجموعة من الافتراضات والميول والنمطيات الإدراكية التي تظهر عندما تقرأ كتابًا أو تخوض نقاشًا أو تطّلع على عنوان خبر أو تبحث في فكرة ما.

كمهارة، للتفكير النقدي تعريفٌ وطرائق؛ لكن عندما يتحوّل إلى حالة ذهنية—إلى استعداد لطيف ومتواضع—يتبدّل من عمل رتيب إلى فن. يسأل الشخص: هل هذا صحيح؟ بحسب أي معيار؟ من قد يعارض ولماذا؟ ما تاريخ هذه المسألة؟ ما الذي أفتقده؟ أي أنواع من المعرفة تنقصني لكي أفهم هذا الموضوع عن كثب، وكيف أكتسبها؟

كمهارة، يسعى التفكير النقدي إلى الفهم.
كحالة ذهنية، يقرأ ويصغي كشاهد، يطارد ما لا يعرفه ويستشعر حدود فهمه، ومن هناك يبدأ عملية العقلانية: أن يكون ويصبح عقلانيًا.

لا يرتبط التفكير النقدي بالعاطفة حين تدور هويته حول آراء ثابتة؛ وقبولُ الخطأ قيمة لأنه يقربنا من الصواب. كما أنه من الصعب تطبيق التفكير النقدي دون تحيّز على الأقل، لكن كحالة ذهنية يراقب المرء تحيّزاته—مثلما يراقب الحارس الغرباء—ويتعلم أن يشكك في أوهام التأكيد والميول الشخصية.

التفكير النقدي بطيء في اتخاذ القرار، وربما لا «يقرر» إطلاقًا لأنه يعلم أنه أمام دليل جديد قد يعيد التفكير مرارًا وتكرارًا. وكحالة ذهنية، يصبر على مشقّة ذلك لأنّه يقدّر العقل والمنهجية فوق السعي وراء رضا الجماهير؛ يفضّل الدقة على المظاهر، ويواجه أي موقف بعينين واسعتين، متواضعتين وفضوليتين، باحثًا عن الفهم وخائفًا من التحيز والمعرفةة الناقصة والمغالطات المنطقية وغيرها من الأخطاء الإدراكية التي قد تضلله.

يقرأ  أمطار تثير الفوضى... اختناقات مرورية هائلة تعطل ضاحية دلهي

إذًا، هل التفكير النقدي مهارة؟ نعم. هل هو ما يزال نزعة وميول وأداة لإشراق النور في الظلام؟ أيضًا نعم—بل هو حالة ذهنية: طريقة للمعرفة وطريقة للوجود.

وهنا يكمن جزء من تحدينا في التعليم: تعليم التفكير النقدي كمهارة بحتة—كما نعلّم الطلاب «كيف» يقرؤون دون أن نزرع فيهم حبّ القراءة—يجعلنا نطرح الأسئلة الخاطئة. علينا أن نسعى لتشكيل عقلية، لا لتعليم خطوات جامدة، لأن العقلية وحدها ستجعل المهارة حية ومستدامة.

أضف تعليق