سورت، الهند — في عام 2018 سجّل ألبش باي ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات في مدرسة خاصة تُدرّس بالإنجليزية في سورت. أمرٌ لم يكن يتخيله وهو يكبر في قريته بولاية جوجارات الهندية، حيث كانت أسرته تكسب قوتها من حقول صغيرة للشمار (الشومر)، والكسافا والكمون، تكاد عائداتها لا تغطي الاحتياجات الأساسية.
تعلم في مدرسة حكومية، حيث يتذكر أن «المعلّمين كانوا نادرين، والإنجليزية كانت شبه منعدمة».
«لو كنت أعرف الإنجليزية، ربما كنت أصبحت موظفًا حكوميًا. من يدري؟» قال ذلك وهو يشير إلى حلم شائع لدى الكثير من الهنود، إذ أن الوظائف الحكومية تمنح أمانًا ووظيفة دائمة ومزايا.
تحسّن وضعه المالي عندما التحق بصناعة قطع ألماس في سورت، المدينة المطلة على بحر العرب والتي تُقطّع فيها نحو 80 في المئة من ألماس العالم. دخل شهري قدره 35,000 روبية (حوالي 390 دولارًا) منح ألبش شعورًا بالاستقرار، وبموجبه استطاع أن يؤمّن لأولاده تعليمًا خاصًا لم ينله هو.
«كنت مصممًا أن يحصل أطفالي على التعليم الخاص الذي حُرمت منه على الأقل»، قال.
لكن هذا الحلم لم يستمر. جاء الاضطراب الأول في الأعمال مع الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022. العقوبات على روسيا ألمّت بسلاسل الإمداد، إذ كانت الهند تستورد على الأقل ثلث خامات الألماس من روسىا، ما أدّى إلى تسريح عمال.
هبطت أجور ألبش إلى 18,000 روبية (حوالي 200 دولار) شهريًا، ثم إلى 20,000 روبية (222 دولارًا). سرعان ما أصبح قسط المدرسة السنوي البالغ 25,000 روبية (280 دولارًا) عبئًا لا يُطاق. عندما وصلت ابنته الكبرى إلى الصف الثالث، وفي الوقت نفسه بدأت الصغرى الدراسة، أصبح الضغط لا يُحتمل.
في وقت سابق من هذا العام، أخرج ألبش طفليه من المدرسة الخاصة وسجّلهما في مدرسة حكومية قريبة. وبعد بضعة أشهر، ومع تشديد التعريفات الأميركية التي عمّقت الأزمة وهبوط الطلب أكثر، قلّصت وحدة التلميع التي يعمل بها ألبش النسبة الأكبر من عمالها فسُرّح هو مع 60 في المئة من العمال.
«يبدو أنني عدت إلى حيث بدأت»، قال.
سورت، مركز الألماس في الهند، توظف أكثر من 600,000 عامل وتضم 15 وحدة تلميع كبيرة تحقق مبيعات سنوية تفوق 100 مليون دولار. لعقود، قدّمت صناعة تلميع الألماس في سورت للعمال المهاجرين من ريف جوجارات، كثيرون منهم محدودو التعليم أو بلا تعليم، دخولًا أعلى — في بعض الحالات تصل إلى 100,000 روبية (1,112 دولارًا) شهريًا — وطريقًا للخروج من الفقر الزراعي.
لكن الصدمات الأخيرة كشفت هشاشة هذا السلم الاقتصادي، إذ واجه ما يقرب من 400,000 عامل تسريحات أو تخفيضات في الأجور أو تقليل ساعات العمل.
حتى قبل اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير 2022، كانت صناعة الألماس في سورت تواجه تحديات متعددة: تعطّل الإمدادات من مناجم أفريقية، تراجع الطلب في الأسواق الغربية الرئيسية، وتصدّعات في الصادرات إلى الصين، ثاني أكبر زبائنها. ومع اندلاع الحرب، انخفضت صادرات الهند من الألماس المقطوع والمصقول في السنة المالية المنتهية في 31 مارس 2024 بنسبة 27.6 في المئة، مع تراجعات حادة في أسواقها الكبرى — الولايات المتحدة، الصين، والإمارات العربية المتحدة.
التعريفات الجمركية البالغة 50 في المئة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب زادت من تفاقم التراجع.
يعمل ألبش الآن في تحميل وتفريغ شحنات منسوجات مقابل نحو 12,000 روبية (133 دولارًا) شهريًا، ما بالكاد يكفي للطعام والإيجار.
«لو بقيت أطفالي في المدرسة الخاصة، لا أدري كيف كنت سأبقى على قيد الحياة» قال ألبش. «هناك من انتحروا بسبب الديون ورسوم المدارس. عندما لا تملك ما يكفي للطعام، كيف تفكّر في تعليم أبنائك جيدًا؟»
ابنته وبناته ما زلن يتأقلمن. «أحيانًا يقلن لي: ‘بوبّا، الدراسية ليست كما كانت قبل’»، قال ألبش. «أخبرهن أننا سنعيدهن إلى المدرسة الخاصة قريبًا، لكنني لا أدري متى سيحصل ذلك».
«هجرة جماعية»
عاد بعض العمال إلى قراهم، إذ لم تعد كثير من الأسر المهاجرة في سورت قادرة على تحمل الإيجار أو العثور على عمل بديل.
شيام باتيل، 35 عامًا، كان واحدًا منهم. عندما تراجعت الصادرات وفرضت التعريفات الأميركية في أغسطس، أغلقت وحدة التلميع التي كان يعمل بها. ومع عدم توفر عمل آخر، عاد إلى قريته في منطقة باناسكانثا في الشهر التالي.
«ما خيار آخر كان متاحًا؟» قال. «في المدينة، هناك إيجار يجب أن يُدفع حتى عندما لا يكون هناك عمل».
يعمل الآن أجيرًا يومي الأجر في حقول القطن بقريته. ابنه، الذي كان في السنة النهائية من المدرسة الثانوية، ترك الدراسة بعد أربعة أشهر من بدء العام الدراسي الجديد.
«سنُعيده إلى المدرسة العام المقبل»، قال شيام. «قالت المدرسة الحكومية إنها لا تستطيع قبول طلاب جدد في منتصف الفصل. حتى ذلك الحين، يساعدني في الحقول».
في أنحاء المدينة، تبدو الاضطرابات واضحة في بيانات الحكومة. أكثر من 600 طالب تركوا المدرسة في منتصف العام الدراسي العام الماضي بعدما فقد آباؤهم أعمالهم أو عادوا إلى قراهم، معظمهم في سوراشترا وشمال جوجارات.
«معظم المهاجرين يأتون إلى سورت للاستقرار — المدينة تضم أحياء ومجمعات سكنية بُنيت لعمال الألماس»، قال بهافيش تانك، نائب رئيس اتحاد عمال الألماس في جوجارات. «هجرة جماعية منتصف العام أمر غير مسبوق، والانخفاض في الالتحاق بالمدارس يشير إلى أن كثيرين لن يعودوا قريبًا».
يقدّر الاتحاد أن نحو 50,000 عامل غادروا سورت خلال الاثني عشر إلى الأربعة عشر شهرًا الماضية.
تنظر فيشوا الهندو باريسناد (VHP)، وهي مجموعة قومية هندوسية قريبة من حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، باهتمام إلى أزمة صناعة الألماس في سورت.
«عدد المتسربين وصل إلى حدّ أن حتى المدارس الحكومية تكافح لقبول طلاب جدد»، قال بورفيش توغاديا، ممثل الـ VHP في المدينة. «رداءة جودة التعليم تجعل عملية الانتقال أكثر إحباطًا للأسر».
رداءة جودة التعليم في المدارس الحكومية مثبتة. في 2024، لم يستطع سوى 23.4 في المئة من طلاب الصف الثالث القراءة بمستوى الصف الثاني، مقارنة بـ 35.5 في المئة في المدارس الخاصة. وبحلول الصف الخامس، استمر الفارق — 44.8 في المئة في المدارس الحكومية مقابل 59.3 في المئة في المدارس الخاصة.
قال كيشور بهمري، مدير في منظمة براثام (Pratham) العاملة في حقوق الأطفال في مجالي التعليم والعمل، إن الانتكاسة ليست أكاديمية فقط بل نفسية أيضًا.
«الأطفال الذين ينتقلون من مدارس خاصة إلى حكومية يفقدون البيئة التي نشأوا فيها — أصدقاءهم، معلميهم المألوفين، والإحساس بالمجتمع.» «بالنسبة لكثيرين، يعني ذلك أيضاً الانتقال من بيئة حضرية إلى ريفية، ما يجعل عملية التأقلم أكثر صعوبة ويؤثر على تحصيلهم الدراسي»، قال ذلك.
تواصلت «الجزيرة» مع بلدية سورات ووزير التعليم في الولاية للتعقيب، إلا أنها لم تتلق ردًا.
مساعدة محدودة
طالبت نقابة عمّال الألماس مراراً حكومة الولاية بتقديم حزمة مساعده اقتصادية ومراجعة الأجور لتتماشى مع التضخم، ودعت السلطات أيضاً إلى التصدي للمشكلة الملحة المتمثلة في تزايد أعداد الأطفال المتسربين من المدارس بين عائلات العمال.
وفي مايو، طرحت حكومة غوجارات حزمة مساعدة استثنائية لعمال الألماس المتضررين — وهي خطوة نادرة في هذه الصناعة. وبموجب البرنامج، التزمت الولاية بتغطية رسوم سنة دراسية واحدة لأبناء الصقّالين في مصانع الألماس، بحد أقصى 13,500 روبية سنوياً (نحو 150 دولاراً). وللتأهل، كان على العامل أن يكون عاطلاً عن العمل خلال السنة السابقة وأن يملك خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات في مصنع للألماس. وسيتم تحويل الرسوم مباشرة إلى المدارس.
استلمت الحكومة ما يقرب من 90,000 طلب من عمال الألماس على مستوى غوجارات، من بينها نحو 74,000 طلب من سورات وحدها. وبعد انطلاقة بطيئة — إذ قدمت مساعدة لـ170 طفلاً فقط بحلول يوليو — أفاد المسؤولون أنهم صرفوا 82.8 مليون روبية (نحو 921,000 دولار) كرسوم مدرسية لـ6,368 طفلاً لعائلات عاطلة عن العمل في سورات بحلول منتصف سبتمبر.
لكن نحو 26,000 متقدّم رُفضت طلباتهم، أُشير إلى أن السبب يتعلق بـ«بيانات غير صحيحة واردة في النماذج»، ما أثار إحباط وغضب العمال. وخلال الأيام القليلة الماضية، قدّم نحو ألف من صقّالي الألماس شكاوى إلى الحكومة المحلية مطالبين بمعرفة من رفض نماذجهم ولأي أسباب، ومتهمين العملية بالغموض.
كما استبعدت شروط الأهلية الصارمة العديد من العمال. وقال «تانك»: «يغطي البرنامج فقط من فقدوا وظائفهم تماماً، لكنه يترك خارج دائرة الدعم كثيرين يواجهون تخفيضات جزئية أو تقليص ساعات العمل. هم يكافحون بقدر معاناة الآخرين ويحتاجون إلى مساندة مماثلة».
وأضاف «تانك» أن التعليم يبقى واحداً من أبرز هموم العمال التي ترد عبر خط مساعدة منع الانتحار الذي أطلقته نقابة عمّال الألماس، بعد أن سجلت سورات حتى نوفمبر 2024 ما لا يقل عن 71 حالة انتحار بين عمال الألماس. وتلقّى الخط أكثر من 5,000 مكالمة حتى الآن.
قصة فردية
فقدت ديفيابن ماكوانا، البالغة من العمر 40 عاماً، ابنها كيوالبهاي البالغ 22 عاماً، الذي عمل صقّال ألماس لمدة ثلاث سنوات. في 14 يونيو، انتهى به الأمر إلى الانتحار. وقالت والدته للجزيرة إن ابنها كان يعاني ضغوطاً نفسية هائلة بعد فقدانه عمله في سوق الألماس.
«كان يكسب نحو 20,000 روبية (حوالي 220 دولاراً) شهرياً، وعندما انهار ذلك الدخل أيضاً، أنهى حياته»، قالت الأم. «ذهبنا به إلى المستشفى وفعلنا كل ما نستطيع. اقترضت 500,000 روبية (حوالي 5,560 دولاراً) من الأقارب والأصدقاء، لكن لم نستطع إنقاذه. الآن لم أعد أملك ابناً — بل ديناً».
تعيش مع زوجها، الذي يعاني من مرض مُطوَّل يمنعه من العمل، وابنها الأصغر كارمديب، 18 عاماً، في سورات. وبلا وسيلة للعودة إلى قريتهم في سوراشترا، بدأت ديفيابن العمل كعاملة منزلية لتدبر أمور المعيشة. وتوقّف كارمديب عن الدراسة بعد الصف الحادي عشر، وهو الآن يتردد على مركز تحضير محلي يتعلم فيه شغل وجه الألماس بينما يبحث عن عمل.
قالت ديفيابن: «أصبح التعليم مكلفاً للغاية. على الأقل عبر الكورس التدريبي سيتعلم مهارة. وبحلول وقت تعافى السوق، إذا تدرب كحرفي قد نتمكن من سداد بعض ديوننا».
توقفت لحظة، وصوتها خافت: «لا أعلم إن كان التعليم، سواء اقترضناه أم نُقدّم لنا مجاناً، قادراً حقاً على تغيير مصيرنا. أملنا الوحيد لا يزال الألماس».
إن كنت أو كان هناك من تعرفه معرضاً لخطر الانتحار، فربما تستطيع هذه المنظمات المساهمة في المساعدة: https://findahelpline.com/i/iasp
خط مساعدة نقابة عمّال الألماس متاح على الرقم: +91-92395 00009