شؤون آسيا: العلاقات بين القدس وبنكوك مفيدة للطرفين، بحسب ما كشفه السفير التايلاندي لبونياريت فيتشينبونتو في مقابلة حصرية مع صحيفة The Jerusalem Post.
بعد عامين من تعليق برنامج الطلبة الزراعيين التايلانديين إثر مجزرة السابع من أكتوبر، وصلت يوم الثلاثاء دفعة جديدة تضم 73 طالباً من بانكوك إلى إسرائيل. سيقضون العام الدراسي في كلية كينيرت الأكاديمية، حيث يجمع البرنامج بين المقررات النظرية والعمل الميداني العملي في مزارع إسرائيلية.
قُتل 39 مواطناً تايلاندياً على يد حركة حماس في 7 أكتوبر، في حين اختُطف 25 آخرون إلى قطاع غزة؛ وقد أعيد مؤخراً جثمان سونثايا أوكّهاراسري إلى تايلاند بعد تسلمه من قبل الجماعة المسؤولة.
ترجع العلاقات الدبلوماسية بين تايلاند وإسرائيل إلى عام 1954، وميّزتها شراكة وثيقة في مجالات الزراعة والتعليم والتكنولوجيا والتبادل الثقافي. ووصف السفير فيتشينبونتو العلاقة بأنها «حقيقية ومتماسكة بفضل محبة المسافرين الإسرائيليين والعمال التايلانديين».
يعمل نحو 46 ألف تايلاندي في إسرائيل، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 60 ألفاً بنهاية العام، وهم تشكّل العمود الفقري للقطاع الزراعي الإسرائيلي. كما اختار المئات منهم الإقامة الدائمة في الأرض المقدسة، حيث أقاموا أسرًا وبدأوا مسارات مهنية في الأعمال والطب وطب الأسنان والصحافة وغير ذلك.
يزور آلاف الإسرائيليين تايلاند سنوياً، وسجلت زيادات حديثة بلغت نحو 60% في أعداد الزوار؛ كما استقرّ عدد متزايد منهم في المملكة. مع ذلك، برزت تقارير عن سلوك غير لائق من بعض السياح الإسرائيليين في وجهات شعبية مثل باي، ما دفع هيئة السياحة التايلاندية ومجموعات محلية للتحذير من ضرورة احترام العادات والتقاليد والقوانين المحلية، لا سيما أثناء فترة الحداد الوطني المعلنة عقب وفاة والدة الملك، الملكة الأم سيريكِيت.
قال السفير: «لا عيب في أن لا يعرف المرء ثقافة تايلاند، لكن من الصواب أن يعتبرها وطنًا مع الالتزام بالقوانين»، مضيفاً أنه لا يرى في القضايا الناشئة أزمة بقدر ما هي فرصة لتعميق التواصل وزيادة التعاون.
تتسم العلاقات بفوائد عملية متبادلة؛ فمثلاً تشهد تايلاند إقبالاً على دورات الطهي، وهناك فرص لإسرائيليين يتعلمون الطبخ التايلاندي في جامعاتٍ متخصصة لنقل المهارات إلى إسرائيل. ومع وجود عشرات المطاعم التايلاندية في البلاد، فإن تدريب طهاة محليين على إعداد المأكولات التايلاندية الأصيلة سيساعد في دعم هذه الصناعة، لا سيما إذا رافقه استيراد مكونات أصلية ذات جودة عالية.
نظّم السفير مؤخرًا عرضًا للطعام التايلاندي في فندق جورج بتل أبيب حضره دبلوماسيون وشخصيات أخرى؛ ولا يزال الفندق يقدم قائمة طعام خاصة بالتاي حتى الثامن من ديسمبر، وقد تلقّى رئيس الطهاة تدريبًا مباشراً من رئيس طهاة الإقامة التايلاندية في هرتسليا.
هناك تعاون ابتكاري قائم بالفعل بين البلدين؛ في أغسطس من العام الماضي زارت 11 شركة ناشئة إسرائيلية المملكة لعرض تقنياتها أمام جمهور حكومي وخاص ومستثمرين مهتمين، لبحث سبل الشراكة في مجالات الزراعة التقنية، تكنولوجيا الغذاء، تكنولوجيا المناخ، إدارة النفايات، التكنولوجيا البيئية، وفرص الاستثمار. كما يستمر التعاون الزراعي التقني بين منظمة «مشاف» الإسرائيلية ووكالة التعاون الدولي التايلاندية.
تشهد منظومة الشركات الناشئة التايلاندية ازدهاراً متوقعاً أن تبلغ قيمته نحو 33 مليار دولار بنهاية العام. وقد حازت بانكوك على مراكز متقدمة ضمن أفضل 100 مدينة عالمياً في مؤشر تنافسية المواهب العالمية عدة مرات، وتحتضن نحو 300 شركة ناشئة تمثل حوالي 84% من مجموع الشركات الناشئة في البلاد، إضافة إلى أربعة شركات وصلَت إلى مرتبة «يونيكورن».
قالت د. بون-أارج تشيراتانا، المديرة التنفيذية السابقة لوكالة الابتكار الوطنية في تايلاند، إن المشهد الريادي يقوده في الأساس الابتكار في التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والتقنيات الطبية والسفر وغيرها. وفي 2016 أسست الحكومة لجنة وطنية للشركات الناشئة لتطوير سياسات وتحسين النظام البيئي الريادي، بالتوازي مع إنشاء وزارة الاقتصاد الرقمي والمجتمع وإطلاق منصة «Start-up Thailand» الوطنية. وقدمت اللجنة حوافز وبرامج دعم للشركات المحلية، فيما يتولى صناديق رأس المال المخاطر المحلية رعاية الشركات في مراحلها الأولى لتنويع الاقتصاد الرقمي.
تتضمن جهود التنوع أيضاً دمج ودعم مجتمع الميم (LGBT) في المشهد الريادي، بالإضافة إلى نمو واضح في قطاعات الفضاء والصناعات الدفاعية المحلية. لعب معهد تكنولوجيا الدفاع التابع للدولة دوراً محورياً في التعاون مع شركات القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية لتطوير مركبات مدرعة محلية وطائرات دون طيار وصواريخ وتقنيات دعم قائمة على الواقع الافتراضي.
وفي إطار سعي آسيا لتعزيز قدرات الإنتاج المحلي في مجال الدفاع، وافقت تايلاند مؤخراً على إنشاء إدارة للدفاع والعلوم والتكنولوجيا لإدارة أبحاث موجهة للأمن وتقليل الاعتماد الكبير على الواردات. أُنشئت هذه الإدارة بعد اجتماع مجلس سياسة التعليم العالي الوطني والعلوم والبحث والابتكار، وستعمل ضمن وزارة الدفاع التي تملك الكوادر ومرافق البحث والتطوير والدعم التنظيمي اللازمين.
ستشمل مسؤوليات الإدارة أبحاثاً أساسية وصولاً إلى التطبيقات التجارية والاجتماعية لتقنيات الأمن، مع تركيز على البحوث غير المصنفة والبحوث مزدوجة الاستخدام. ووفقاً لتقارير محلية، ستكون الإدارة مركزية في تنسيق أبحاث الأمن لضمان توافق نتائج البحث مع احتياجات القوات المسلحة، في محاولة لدمج جهود البحث وتقليل التكرار وتطبيق نهج إداري شامل. الهدف المعلن هو تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد شبه الكلي—البالغ نحو 98%—على تكنولوجيا السلاح والأنظمة المستوردة.
ختاماً، بينما يراها البعض مجرد وجهة عطلات مثالية، تقدم تايلاند أكثر من بسمة وطقس جيد: جامعات رائدة، خبراء دوليون، وفرص تعليمية واقتصادية وصناعية تجعلها شريكاً استراتيجياً لطموحات التعاون مع إسرائيل.