بات طيّارو الطائرات المسيرة الأوكرانيون أهدافًا استراتيجيةً عليا لدى روسيا، التي تصعّد حملاتها لاستهدافهم بشكل متزايد.
يؤكد جنود أوكرانيون ومشغّلو طائرات مسيرة أن سبب هذا التركيز هو الدور الحيوي الذي يلعبه الطيارون ميدانيًا، سواء في جمع المعلومات الاستخبارية أو في تنفيذ ضربات دقيقة تغيّر مجرى المعارك.
تكشف هذه الجهود عن مدى تأثير الطائرات المسيرة على قرارات القادة في ساحات القتال، إذ صُنِّف مشغلوها كتهديدات ذات قيمة عالية يستوجب تحييدها.
أبلغ عدد من المشغّلين الأوكرانيين أنّ روسيا تلاحقهم باستخدام صواريخ وقنابل وسلاحاً آخر، مستهدفةً مواقع يُشتبه باختباء الطيارين فيها، وأشار أحدهم إلى أنّهم صاروا «الهدف رقم واحد» لقدرتهم على إفشال مهمات العدو.
الحرص المتزايد على القضاء على مشغّلي الطائرات المسيرة يعود إلى كونهم مضاعفات قوة قادرة على شنّ عشرات الهجمات خلال فترة الانتشار الواحدة، مما يبرِز الأثر الهائل لهذه الطائرات، من جمع المعلومات الحرجة إلى تنفيذ ضربات دقيقة بتكلفة زهيدة مقارنةً بالذخائر التقليدية.
آرتم، ضابط في الفيلق الثالث الأوكراني وطلب أن يُشار إليه باسمه الأول لأسباب أمنية، قال إن حصيلة القتلى بين طياري المسيرات قفزت بصورة حادة خلال السنوات القليلة الماضية.
في بدايات الحرب كان نادراً ما يُستهدف الطيار ويُقتَل، أما اليوم فالاستهداف بات أكثر تكرارًا، حسب آرتم، الضابط السابق الذي شغل منصب نائب قائد كتيبة في اللواء الثالث الهجومي النخبوي.
أصبحت الطائرات المسيرة، لا سيما تلك المحمّلة برؤوس متفجرة صغيرة، القاتل السائد في ساحات القتال بأوكرانيا، وتُعزى إليها نسبة كبيرة من الضحايا على جانبي النزاع، وفق تقييمات حديثة.
تقود شبكة لامركزية تضم وحدات عسكرية ومصنّعين خاصّين صناعة المسيرات في أوكرانيا، وتعمل هذه الشبكة كسوقٍ يربط بين الطلب والعرض والمواهب الميدانية.
الطائرات المسيرة المحمّلة والمتاحة بتكلفة متواضعة — طائرات رباعية يشترى بعضها بمئات الدولارات — استطاعت تدمير دبابات ومركبات مدرعة تُقدّر بملايين الدولارات، وساهمت في إفساد أعداد كبيرة من العتاد المدرَّع خلال الحرب.
ولا تقتصر وظائف المسيرات على إيصال الموت؛ فهي تُستغل أيضًا للقيام بمهمات الاستطلاع من الجو ومساعدة التهديف، ما يسهل توجيه نيران المدفعية وأسلحة أخرى بدقّة أعلى.
ترى موسكو في مشغلي المسيرات خطراً بالغًا؛ فكلما ارتفعت مهاراتهم وتضاعفت فعاليتهم القتالية، ازدادَت أهمية إخراجهم من المعادلة بالنسبة لها. قال آرتم ان وتيرة استهدافهم ازدادت في الربيع والصيف الماضيين، وفق ملاحظات باحثين غربيين واستخبارات ميدانية.
يركّز الجنود الروس جهودهم على تحديد مواقع الطيارين ثم قصفها، ويستخدمون في كثير من الأحيان قنابل وصواريخ مكلفة بغية الإبادة الشاملة لمواقع يُشتبه بأنها تضم فردًا أو اثنين من المشغّلين — سياسة مبالغ فيها تعكس مدى التهديد الذي تمثّله هذه الفئة لدى العدو.
وليس الطرف الروسي وحده من يرى في مشغلي المسيرات أهدافًا عالية الأولوية؛ فالجانب الأوكراني بدوره يسعى لاستهداف نظرائه الروس. قال طيّار من قوات الأنظمة غير المأهولة الأوكرانية، شارك في طلعات هجومية واستطلاعية، إنهم يعتبرون نظيرَهم الروسي «هدفًا ذا قيمة عالية» حال تعرّفهم على موقعه.
وينطبق ذلك خصوصًا على المشغلين الروس لمنصات استطلاع ثابتة الجناح، الذين يمكن لتنسيقهم واستطلاعهم أن يزيدان فاعلية النيران المعادية بشكل كبير.
اتخذ الأوكرانيون سلسلة تدابير لحماية أنفسهم، من بناء ملاجئ أكثر تماسكًا والعمل من أعماق تحت الأرض، إلى تبديل مواقعهم باستمرار لتجنّب البقاء في نفس المكان فترة طويلة، بل وابتكار مواقع وهمية لخداع العدو.
الحرب سريعة التطور وتكتيكاتها تتبدّل من زمن إلى آخر؛ ما يُعتمد هذا العام قد لا يشبه ما سيُعتمد في العام المقبل، بحسب آرتم.