العنصرية: ليست مجرد كراهية

عندما تصوّر النُّخبن الإعلامية والسياسية العنف العنصري على أنه مسألة كراهية فردية أو مرض نفسي، فإنها تُعمِي عن طبيعته البنيوية وعن امتداده العالمي. إن اختزال العنصرية في مجرد كراهية ليس أمراً قاتلاً فحسب؛ بل هو ذريعة تخدم أصحاب السلطة وتتيح للاعتماديات والهيكليات العنصرية أن تتفشّى بلا نهاية.

تغطية حادثة روبن ويستمان، المرأة المتحوّلة البيضاء البالغة من العمر 23 عاماً التي انتحرت في 27 أغسطس بعد ارتكابها إطلاق نار جماعي في مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مثال صارخ على هذا الانحراف التحليلي. فتحت نوافذ كنيسة على أرض مدرسة إعلان البشارة الكاثوليكية أُطلقت النار، وأُصيب 17 شخصًا (منهم 14 طفلاً وثلاثة مصلين مسنين) وقتِل طفلان.

من البديهي ألا تتطابق هوية الشخص الجندرية بالضرورة مع رؤاه السياسية أو الإيديولوجية. فالنساء المتحوّلات البيض مثل ويستمان قد ينجرّرن إلى أيدولوجيات تفوقٍ أبيض، تماماً كما يعتنقها ذوو الهوية الجنسية المغايرة والرجال والنساء البيض السيسجيندر. ومع ذلك، في افتتاحية لصحيفة نيويورك بوست ردّت الكاتبة كارول ماركوفيتز بنبرة متحاملة وعُنفية ضد المتحوّلِين ومأسة ذهنية، قائلة: «لو أن حالة عقلية أخرى أنتجت نمطاً من القتل، لكنا ناقشنا جميعاً وقرّرنا استراتيجيات لمساعدة المرضى. لكن لا يُسمح بالنقاش عمّا نفعل عندما يعلن طفل أنه متحوّل جنسياً». ولم تقدم أي دليل يربط اكتئاب ويستمان أو أفكارها الانتحارية أو هوسها بجرائم إطلاق النار الجماعية بهويتها الجندرية، وفي الوقت نفسه أعادت تسمية الراحلة باسمها السابق (deadnaming).

النتائج المترتِّبة على مواجهة العنف العنصري واضحة: كثيراً ما لا تتعامل وسائل الإعلام الواسعة الانتشار إلا مع العنصرية كعيب فردي، كتعبير عن كراهية أو مرض، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. لكن فرضية «العنصرية = الكراهية» لا تملك قدرة على إنهاء العنصرية النظامية أو الهياكل الواسعة من عدم المساواة القاتلة التي تولّدها. ما تُمحى في مثل هذه التغطية هو العنصرية الهيكلية التي تضطهد مليارات البشر حول العالم.

تغلب على تغطية الحوادث العنيفة التي يهاجم فيها فرد من عرقٍ آخر أفرادًا من عرقٍ مختلف مناقشات الصحة النفسية أو لمحات قصيرة عن محو الكراهية. انفجار إطلاق النار الذي نفّذته ويستمان و«بيانها» الذي بدا كتدفّق فكرٍ متواتر وقابل للقراءة انسجم مع هذا النمط المؤسف. بعباراتٍ مكتوبة مثل «6 million wasn’t enough» و«kick a spic» وسِبَات عنصرية أخرى (مع أن السلطات لم تتوسع في التفاصيل)، سمحت كلمات ويستمان بانتشار ableism وبسردية «العنصرية ككراهية» عبر أفواه المسؤولين. كما قال قائد شرطة مينيابوليس برايان أوهارا: إن ويستمان «احتوت في صدرها قدراً هائلاً من الكراهية تجاه طيف واسع من الناس والمجموعات… وكانت لديها هوس مريضي بسوابق مطلقي النار الجماعيين». وأضاف المدعي الأمريكي بالوكالة لمنطقة مينيسوتا جو طومسون: «المهاجم عبّر عن كراهية تجاه السود، عبّر عن كراهية تجاه المكسيكّيين، عبّر عن كراهية تجاه المسيحيين، عبّر عن كراهية تجاه اليهود. باختصار، بدا أن المهاجم يكرهنا جميعاً».

يقرأ  اشتباكات في ملبورن إثر تجمع آلاف المعادين للهجرة— أخبار العنصرية

الواقع أن العنصرية ليست بالأساس مسألة كراهية. فكل أشكال العنصرية—البنيوية والمؤسسية والشخصية والمستبطنة—تهدف إلى تعظيم السلطة والثروة من خلال ضمان حرمان ضحاياها من الموارد والآليات الضرورية للمقاومة. في عام 2014 فسّر المعلق الثقافي ومقدم البرامج جاي سموز في سلسلة فيديوهات لمنظمة Race Forward ماهية العنصرية بكل تنوّعاتها. وبيّن مكوّنَي العنصرية النظامية: العنصرية المؤسسية، وهي «السياسات العنصرية والممارسات التمييزية في المدارس وأماكن العمل والوكالات الحكومية التي تنتج نتائج ظالمة بانتظام تجاه الأشخاص الملونين»؛ والعنصرية الهيكلية، وهي ذات «الأنماط والممارسات العنصرية» التي تعمل «عبر» مؤسسات المجتمع المتعددة. لكن تركيز وسائل الإعلام الغربية والأمريكية والشخصيات القوية على «القصص الفردية» يشوّه فهمنا لكيفية عمل العنصرية، ويمحو العلاقة الترابطية بين الأشكال الفردية والنظامية للعنصرية. وهذا يدفع الملايين إلى رؤية العنصرية كنتاج لأفعال فردية متعمدة وظاهرة—مثل روبن ويستمان—أشخاص يمكن (أو لا يمكن) «إصلاحهم بمجرد فضح عيوبهم الفردية وتصحيحها».

بالتأكيد توجد كراهية عنصرية على مستوى الأفراد، ويمكن وأن تؤدي إلى عنف عنصري و«إرهاب داخلي أبيض» ويقظة عنصریّة وقتل على يد الشرطة. لكن كقَـاصٍّ للتاريخ ومُعلِّم، من الجنون المتعمد الاعتقاد بأن العنصرية نتاجٌ أساسي للكراهية. العنصرية مُخططَـة للغاية: من العبودية وتفرقة جيم كرو إلى تمييز الإسكان، وإزالة الشعوب الأصلية، ونظام المحميات، وسياسات لا تُحصى. كما أخبرت آلاف الطلبة منذ 1993: «لو أمكنني موجة عصا سحرية لمسح الكراهية العنصرية من قلوب وعقول الجميع في الولايات المتحدة، فستبقى كل الأنظمة التي تحافظ على التمييز العرقي مكانها». مجرد ميل مفاجئ لدى البيض نحو الإعجاب بالسود والشعوب الأصلية لن يمحو الفجوات الضخمة في الثروة ومتوسط العمر وفرص التنقل الاجتماعي التي تراكمت على مدار أربعة قرون. الكراهية ليست آلية عمل العنصرية، وإنهاء الكراهية العنصرية لا يساوي إنهاء العنصرية، مهما عقد الأكاديميون أمثال روبن ديانجيلو وإبراهام كندي ورش عمل مناهضة للعنصرية. لأسخر من كلمات أسطورة الموسيقى الراحلة تينا تورنر: ما علاقة الكراهية بالأمر؟

يقرأ  شهود يروون تفاصيلالحادث المميت لتلفريك لشبونة

في إحدى محاضراتي في دراسات إفريقيا والأفروأمريكيين بجامعة بيتسبرغ عام 1990 شاهدنا مقطعًا لمقابلة بين الصحفي لويس لوماكس ومالكوم إكس. كان ذلك جزءًا من الفيلم الوثائقي عام 1959 The Hate That Hate Produced، برنامج عن صعود القومية السوداء في الولايات المتحدة وخارجها. شارك لوماكس في إنتاج الفيلم مع الراحل مايك والاس، الذي أصبح لاحقاً مراسلاً رئيسياً لبرنامج 60 دقيقة من 1968 إلى 2006. ما أثار دهشتي آنذاك كان الإطار المستمر—القول بعظمة السود وكراهية مضادة—كمحاولة من والاس ولوماكس لشرح صعود جماعات مثل أمة الإسلام. كما قال والاس: «هؤلاء المتعاظمون السود، المسلمون والوطنيون الأفارقة الموحدون، ليسوا ممارسين للكراهية لمجرد الكراهية… بل هي كراهية أحدثتها الكراهية: الكراهية التي يرد بها بعض السود على الكراهية التي تعرّض لها جميع السود خلال الثلاثمئة سنة الماضية». قام وولاس ولومكس بتضخيم هذا الادعاء بالكراهية بصورة درامية لتلبية النظرة البيضاء العنصرية لدى جمهور تلفزيوني غالبه أبيض.

سواء في عام 1959 أو في 2025، هذا الإطار التحليلي يُجْمِع كل أشكال العنصرية تحت عنوان واحد — الكراهية — ويُختزل بها الخطاب العنيف والأفعال القاتلة التي قد تترتب عليها. هذا التبسيط يُعمِي عن القوة الهائلة للعنصرية المؤسسة التي تحافظ على تفاوتات ضخمة في الثروة والسلطة لصالح البيض الميسورين، وخصوصًا الرجال البيض الأثرياء، أمام الآخرين بما في ذلك البيض الأقل حظًا. كراهية فرد أسود تجاه شخص أبيض على المستوى الشخصي لا تقترب من مفاعيل شبكة من القوانين والسياسات والممارسات المصممة لحرمان ملايين الناس من حقوقهم المدنية والإنسانية عبر اجيال.

ينتشر نمط مساواة العنصرية بالكراهية أيضاً خارج الولايات المتحدة. فلا غرو أن من يستفيدون من الاضطهاد الممنهج يحرفون فكرة العنصرية على أنها مجرد كراهية لخدمة أغراضهم. جماعات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا واستراليا لطالما وصمت أي معارض للصهيونية بأنه “معادٍ للسامية”، لا سيما في ظل ما تُرتكَب إسرائيل من عمليات يمكن وصفها بجرائم إبادة في غزة. وفي الهند، يسعى أنصار الهندوتفا وحلفاؤهم إلى تشويه صورة الناشطين الذين يعارضون العنف المعادي للمسلمين في كشمير ووصمهم بأنهم “رهِبَةٌ من الهند” أو معادون للهند؛ وقد كرّس رئيس الوزراء ناريندرا مودي هذا الإطار بتصوير المنتقدين على أنهم معادون للهند أو مضادون للوطن. وفي المقابل، تكابد الأقلية المسلمة في الهند عقودًا من الاحتلال العسكري والقمع السياسي وتكرار عنف الهندوتفا، وهو دليل واضح على اضطهاد ديني وعنصري مؤسس على مستوى الأنظمة.

يقرأ  صديقته وعائلته يكرّمون ليام باين بإشادات مؤثرة في عيد ميلاده

عبارة متداولة على مواقع التواصل تقول: «إذا كانت جرائم الكراهية تُطبَّق على البيض، فهي تُطبَّق على السود. لا ينبغي التسامح مع العنصرية مهما كان لونك.» هذه التعليقات تُبرِز كيف يلطخ المستفيدون الأكبر من العنصرية الصورة بافتراض أن الجميع متساوون في العنصرية، فاتحين الباب أمام جعل العنصرية المؤسسة غير ذات صلة وغير مرئية في الولايات المتحدة وحول العالم. ومع ذلك، فإن تجسيد العنصرية أساسًا أو حصريًا على أنها كراهية شخصية لا يُساعد في مواجهتها عمليًا. المنطق الافتراضي في هذا الإطار ينكر كون العنصرية جزءًا مركزيًا من بناء الدولة القومية الأميركية ومن هيمنة الغرب في الثقافة العالمية. وحتى تتبنَّى الإنسانية أولوية مواجهة العنصرية كنظام للسلطة والربح بدلًا من اعتبارها مجرد عداء فردي، ستظل العنصرية تُنظِّم عدم المساواة والعنف على نطاق عالمي.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق