محمود شُرّاب كان هدفه دائماً أن ينشر السعادة. صفحاتُه على وسائل التواصل الاجتماعي كانت شائعة في غزة منذ زمن، عرفه الناس بمنشوراته الطريفة، ومشاهدَه الكوميدية عن حياة الناس اليومية، وبتمثيله في إنتاجات محلية.
«اعشق الإبداع، مهما كان، ومهما سيكون» — هكذا علّق في أعلى صفحته على فيسبوك.
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة تأجلت العديد من أحلام محمود، لكن فيديوهاته استمرت؛ كان يبتسم فيها دائماً، ويطلق النكات، إلا أن محورها تغيّر ليصبح العمل الإنساني.
أصبح محمود من الوجوه المألوفة في مخيمات النازحين: يحمل صناديق الماء والزيت، يوزع حليب الأطفال، يشارك في نصب الخيام لأسر فقدت كل شيء. واستعمل منصاته لجمع الدعم من متبرعين في الخارج.
تنقّل بين مناطق تتعرض للقصف، يقوده قناعة واحدة: «الناس بحاجة إليّ، لا أستطيع التوقف».
في 21 حزيران/يونيو استهدف هجوم جوي إسرائيلي الخيمة التي كان يتحصن فيها محمود في المواصي، ما يُسمّى «المنطقة الإنسانية» غرب خان يونس في جنوب غزة. قُتل محمود في الغارة.
ترك وراءه زوجته لـمَى شُبّير وابنتهما دلال ذات الأربع سنوات. في بداية الحرب رأى محمود فرصة لإرسالهما إلى مصر بحثاً عن الأمان، بينما بقي هو ليُقدّم المساعدة لأهل غزة.
«أرسَلنا ليحمي حياة ابنته»، قالت لـمَى لقناة الجزيرة. «كان خائفاً عليها كثيراً، يريدها أن تعيش كأي طفل في العالم بسلام. كان يحلم بأن تكبر دلال في أمان. لم أتخيل أبداً أن نفترق عامين ونصف دون أن نراه مرة أخرى.»
شغف بالعطاء
ولد محمود ونشأ في خان يونس، فقد والده خميس وهو في التاسعة من عمره. كان والده معروفاً محلياً بأعماله الخيرية، فغدت الأعمال الخيرية واحدة من شغف محمود إلى جانب الكوميديا والتمثيل.
كلُّ ذلك انبثق من رغبته في «إسعاد الناس»، كما تقول لمى.
تقابلا أول مرة عام 2010 خلال رحلة ترفيهية، وتزوّجا عام 2019.
«كان محمود يحب إدخال الفرح إلى النفوس»، تقول لمى. «كل ما كان يحلم به أن يبني لنا حياة سعيدة. أحبّه الناس لبساطته واستعداده الدائم للمساعدة.»
لا عجب إذن أنه اختار البقاء في غزة مع اندلاع الحرب رغم المخاطر.
«كلما تواصل المتبرعون معه لدعم عمل خيري… لم يتردد أبداً»، تقول لمى. «كنت أخشى تحرُّكه أثناء القصف، لكنه كان يقول: ‹الناس بحاجة إليّ، لا أستطيع التوقف›.»
مع انطلاق الحرب ركّز محمود جهوده على مشاريع الإغاثة، من بينها توزيع المياه.
لم يكن محمود مجرد مشهور محلي في خان يونس؛ بل كان جزءاً من نسيج المجتمع، يشاركه أفراحه وأتراحه.
«كان محمود طيباً، طويل القامة، وابتسامته جميلة»، يقول موسى عواد (27 عاماً) من خان يونس. «وجوده كان يبعث على الضحك. رأيته في كل مخيم نزوح. عندما احتجنا ماء شرب اتصلت به… جاء في صباح اليوم التالي. كان يبدو عليه التعب، لكنه كان يتحدث دائماً عن لقائه بابنته قريباً.»
حب العائلة
كان يشتاق إلى ابنته دلال، وكان يتصل بها كل صباح ومساء إذا لم تُقَطَع خطوط الاتصال. كان يطمئن حين علم أنها بدأت الروضة ودروس السباحة — بعيداً عن الرعب الذي يعيشه في غزة.
قبل ساعتين فقط من استشهاده تحدّث طويلاً في مكالمة استمرت خمسين دقيقة وهو يشاهد دلال تتناول فطورها مع أمها. اضطر لإنهاء المكالمة ليتفرّغ لحملة توزيع مياه كان يعدّ لها.
لمى تكافح لتقبل رحيله.
«أُخذ منا — منّي ومن دلال»، قالت. «قضيت نصف عمري معه — في الفرح وفي الشدة. كان يحب ابنتنا حباً عظيماً. كان يحلم بأن نعود ونبني غزة من جديد ونبدأ حياة جديدة.»
«لا أملك كلمات للعالم. لا أدري سوى أن أدعو لانتهاء هذه الحرب.»