المعارضة الإيرانية تسعى للحصول على خبرات إسرائيلية خلال زيارة استعدادًا لإيران ما بعد النظام

زار وفد إيراني معارض رفيع المستوى اسرائيل هذا الأسبوع لحضور مؤتمر “ما وراء الأفق” والالتقاء بوزيرة الابتكار والعلم والتقانة جيلا غاملئيل، في خطوة تمثل تصعيداً ملموساً في تواصل المعارضة الإيرانية مع الدولة العبرية بعد زيارة تاريخية للأمير رضا بهلوي قبل عامين.

قاد الوفد المكون من سبعة أعضاء، الدكتور سعيد قاسمينجاد ـ الاقتصادي ومستشار أقدم في شؤون الاقتصاد المالي لدى مؤسسة دفاع الديمقراطيات ـ، وبالمبادرة والتكليف من الأمير رضا بهلوي. يندرج هذا اللقاء ضمن مسار مشروع “ازدهار إيران”، وهو مخطط شامل لإعادة إعمار البلاد بعد سقوط النظام الحالي، ويضم أكثر من مئة مستشار وخبير أعدّوا كتيباً طارئاً من 170 صفحة يغطي quinze مجالاً حيوياً، من الانتقال السياسي والإصلاحات الأمنية إلى تحديات تقنية كأمن الطاقة وإدارة المياه واستعادة البيئة.

قال غاسمينجاد في مقابلة مع صحيفة The Jerusalem Post خلال انعقاد الوفد في تل أبيب: “لقد جئنا إلى اسرائيل لمعرفة نوع الخبرات والحلول التي لدى الخبراء الإسرائيليين لمشكلات إيران، على سبيل المثال أزمة المياه.” وأضاف أن أعضاء المشروع استشاروا خبراء داخل إيران للحصول على آرائهم وتعليقاتهم، وأن “انّ الكتيب أصبح محور النقاش في إيران خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية.”

لاقى الوثيقة تجاوباً غير مسبوق، بحسب الفريق. فقد أثارت ملايين التعليقات على منصات التواصل ومئات الساعات من النقاش التلفزيوني داخل إيران، وتلقّت منصة المشروع أكثر من خمسة آلاف ردّ من مواطنين إيرانيين قدموا اقتراحات ونقداً ورؤى لمستقبل بلادهم.

أكد قاسمينجاد أن الأمير وقيادة المشروع يعتبران أن الإيرانيين عموماً ينظرون إلى إسرائيل كشريك استراتيجي محتمل للشعب الإيراني ولحكومة ما بعد النظام الحالي، وأن التعاون سيعود بفوائد متبادلة كبيرة.

من جهتها، شددت الوزيرة غاملئيل، التي تربطها علاقة وثيقة بالأمير، على مكانة إسرائيل كطرف قادر على تقديم حلول لأزمة المياه الطارئة في إيران. وقالت للصحيفة: “إسرائيل هي الحل للمشكلة. إن ما يفعله هذا النظام يضاعف معاناة الناس داخل إيران: معاناة من نقص المياه، ومن تلوث هواء كبير، ومن مشكلات الطاقة والكهرباء. ونحن نملك الحلول لكل ذلك.”

يقرأ  علماء الآثار يعثرون على فسيفساء قديمة تكشف عن أزياء تبدو عصرية بشكل مدهش

تأتي زيارة الوفد في وقت تتصاعد فيه أزمة المياه في إيران إلى مستويات لم تشهدها الذاكرة الحية للبلاد؛ إذ أعلنت الحكومة مؤخراً عطلة طارئة في محافظة طهران بسبب نقصٍ حادّ في المياه وأزمة طاقة، مصحوبتين بموجات حرٍّ قياسية أنهكت البنى التحتية القديمة. وحذّر الرئيس مسعود بيزشكيان خلال اجتماع لمجلس الوزراء من أن أزمة المياه أخطر مما يُناقش علناً، وأن التأخر في اتخاذ إجراءات عاجلة سيؤدي إلى “وضع مستقبلي لا يمكن تداركه.”

أعلنت مرافق المياه في طهران أن مخزون السدود الرئيسية في العاصمة تراجع إلى أدنى مستوياته منذ قرن. وتشير بيانات إلى أن البلاد تعاني من جفاف استمرّ خمس سنوات مع هطول أمطار قياسي الانخفاض، ما جعل إجهاد المياه في المحافظة في أشده منذ ستة عقود. ووفقاً لمؤسسة الموارد العالمية، تحتل إيران المرتبة الرابعة عشر عالمياً من حيث إجهاد المياه الأساسي، ويتزايد الحديث عن احتمال بلوغ “اليوم صفر” الذي تنفد فيه الإمدادات تماماً.

من الأمثلة الملموسة على التراجع في المخزونات أن سعة سدّ لاتيان قرب طهران تقلّصت من حوالي 95 مليون متر مكعب إلى نحو 9 ملايين متر مكعب.

رأى القادة المشاركون في الحوار أن ثمة تشابهاً تاريخياً بين المبادرة الحالية والتعاون الإيراني ـ الإسرائيلي قبل ثورة 1979، حين ساهمت إسرائيل في بناء بعض البنى التحتية داخل إيران. ولذلك سُمّيت الرؤية المشتركة بـ”اتفاقيات قورش”، إشارة إلى الملك الفارسي القديم الذي حرر اليهود من السبي البابلي قبل نحو 2500 سنة، ومحاولة لإيجاد إطار تعاون شامل يشبه إلى حد ما “اتفاقيات إبراهيم”.

وأعربت الوزيرة عن ثقتها بقيادة المعارضة، لا سيما الأمير رضا بهلوي، وقالت: “أنا مؤمنة جداً به، وبأنّه سيكون القائد القادم لإيران.” خلال العقدين الماضيين تراجع مستوى المياه الجوفية في طهران بنحو اثني عشر مترًا، ما ساهم في هبوطٍ أرضي وهدد استقرار البنى التحتية الحضرية.

يقرأ  الدول العربية والإسلامية تُدين تصريح نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى»أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

وقد أدت أوجه القصور الكبيرة في الشبكات والمنشآت إلى هدر مياه كان من الممكن تجنبه؛ فالتقديرات تشير إلى أن نحو 25% من مياه طهران تضيع نتيجة سوء إدارة المنشآت.

«نعلم أن مخزون المياه في إيران يتناقص بسرعة بسبب سوء الإدارة والفساد، ولأن النظام لم يستثمر في إدارة الموارد المائية. بدلًا من ذلك يُجمَع المال ويُصَرَّف على حماس وحزب الله وغيرهما»، شرح غسمنينجاد.

كما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساعدة اسرائيلية لإيران في أزمة المياه بشرط إسقاط النظام الحالي من قبل شعبه.

«العطش إلى الماء في إيران لا يقل عن العطش إلى الحرية. سيهرع أفضل خبراء المياه إلى كل مدينة إيرانية حاملين تكنولوجيا متقدمة ومعرفة عملية. سنساعد إيران على تدوير المياه وسنساندها في تحلية المياه»، قال نتنياهو في رسالة مصوّرة نُشرت في الثالث عشر من أغسطس.

الوفد الحالي الزائر لإسرائيل، في ظل غموض مستقبل النظام، يقدم للمعارضة في الجمهورية الإسلامية رؤية مختلفة للتحول الإقليمي. وأكدت غامليئيل على إمكانية أن يستفيد البلدان من شراكة استراتيجية.

«لدينا رؤية لكيفية أن يشترك هذان الكيانان القويان، إيران وإسرائيل، في موارد ومعرفة تجعل الوضع فوزًا متبادلًا لشعبيهما»، قالت غامليئيل للصحيفة.

مع ذلك يعترف قادة المعارضة الإسرائيليون والإيرانيون بأن التغيير لا بد أن ينبع من الداخل الإيراني نفسه.

«نحن نؤمن بعلاقات مستقبلية، لكن التغيير يجب أن يأتي من الداخل؛ على الإيرانيين أن يقوموا بالخطوة الأولى، وبعدها سيحظون بالدعم الدولي»، اختتمت غامليئيل.

وأضاف المعارض أن «العمل جارٍ الآن مع خبراء إسرائيليين لنتعلّم منهم، وعندما نحضر الحلّ وبمغادرة النظام نأمل أن نتمكّن من استقدام خبراء وشركات إسرائيلية لمساعدتنا في إدارة المشكلات القائمة».

أضف تعليق