اتفاقية «دولة ثالثة آمنة» بين الولايات المتحدة وبليز
وقّعت الولايات المتحدة وبليز اتفاقية تصنّف بليز كـ«دولة ثالثة آمنة»، ما يمكّن إدارة الرئيس دونالد ترامب من نقل طالبي اللوجوء إلى الدولة المركزأمريكية الصغيرة. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة محاولات إدارية للحد من طلبات اللجوء في الولايات المتحدة وتنفيذ سياسة ترحيل واسعة النطاق.
ردود رسمية وتصريحات
وصفت حكومة بليز الاتفاق بأنه تجسيد «لالتزام الدول بالتعاون بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن وضع اللاجئين»، مؤكدة أن الاتفاق يعزّز التزام البلاد بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية مع ضمان ضوابط وطنية قوية. وفي الوقت نفسه، شكر مكتب شؤون نصف الكرة الغربي بوزارة الخارجية الأميركية بليز عبر منصة X، واعتبر الاتفاق «معلمًا مهمًا» في جهود مكافحة الهجرة غير النظامية وحماية نظام اللجوء من الاستغلال.
مفهوم «الدولة الثالثة الآمنة» ومآخذ عليه
تُعدّ اتفاقيات «الدولة الثالثة الآمنة» وسيلة مثيرة للجدل تُستخدم لتقييد حق تقديم طلبات اللجوء؛ إذ تحدّد دولاً يمكن إعادة طالبي اللجوء إليها بغض النظر عمّا إذا كانت تلك الدول مقصودهم الأصلي أم لا. ورغم أن الهدف المعلن هو ضمان حقوق ورفاهية الأشخاص، إلا أن النقاد يرون أن الاتفاقيات لا تكفل دائماً سلامة المنقولين، خصوصاً حين تُعادهم إلى دول مجاورة لبلدان فرارهم حيث قد يظلّون عرضة للاضطهاد.
تفاصيل الاتفاق وملف الحوافز
لم تُكشف جميع بنود اتفاقية يوم الاثنين، لكن بليز أفادت بأنها ستستقبل طالبي لجوء أميركيين مقابل «مساعدات مالية وفنية لتعزيز سياسات إدارة اللجوء والحدود». ونفت حكومة بليز أي استخدام بوصفها «مكب نفايات» للمهاجرين، مشددة على أنها تحتفظ بحقّ النقض المطلق على عمليات النقل، وتفرض قيوداً على الجنسيات وحدّاً أعلى لعدد المنقولين وفحوصات أمنية شاملة: «لن يُسمح بدخول أو بقاء أي شخص يُعتبر تهديدًا للأمن العام أو للأمن القومي».
الانتقادات والاعتبارات القانونية والإنسانية
منذ عودة ترامب لفترة ثانية، ضغطت إدارته مرارًا على دول ثالثة لقبول عمليات ترحيل، واتّفق نحو اثنتي عشرة دولة — من بينها كوستاريكا والسلفادور والإسواتيني والمكسيك وبنما ورواندا وجنوب السودان وأوغندا — على استقبال مرحّلين من الولايات المتحدة لا تربطهم بها أصول واضحة. وفي أكتوبر استقبلت غواتيمالا أول رحلة ترحيل تحمل مهاجرين من دول ثالثة. ولقيت سلامة بعض هذه الوجهات تشكيكًا، إذ حذّر النقاد من احتمال تعرض المرحّلين لظروف سجن مسيئة أو غياب الضمانات القضائية في بلدان مثل جنوب السودان، الذي تنصح فيه وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها بتجنّب السفر خشية الصراع المسلّح. وقد ادّعى محامون عن خمسة رجال رحّلوا إلى إسواتيني أنهم سُجنوا وحرّموا من جلسات استماع قانونية.
ويرى خبراء حقوق الإنسان أيضًا أن مثل هذه الاتفاقيات قد تُستغل لتقويض الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، مما يمكّن دولاً غنية مثل الولايات المتحدة من التملّص جزئياً من مسؤولياتها القانونية تجاه طالبي اللجوء.
الإجراءات البرلمانية والمعارضة المحلية
يحتاج الاتفاق إلى موافقة مجلس الشيوخ في بليز قبل دخوله حيز التنفيذ. وعلى الصعيد المحلي، أعربت شخصيات معارضة عن رفضها؛ فقد تردّدت ترايسي تيغر بانتون، زعيمة المعارضة، في أن تُصنّف بليز كـ«دولة ثالثة آمنة» مشددة على أن ذلك يتطلب قدرة مثبتة على ضمان حقوق الإنسان وتقديم مستوى رعاية مرتفع يشمل السكن والرعاية الصحية والتمثيل القانوني والخدمات الاجتماعية — لكنها حمّلت النظام الواقع بأن «أنظمة الهجرة واللجوء لدينا تعاني من نقص في الكوادر والتمويل ومرهقة». وأضافت أن الاتفاقية تتجاوز قدرة البلاد على التنفيذ: «لا يمكن لبليز ولا يجب أن تُستخدم كمكبٍ للمُنفذين الذين ترفضهم دول أخرى».
مآلات متشعبة ونقاش مستمر
تُقدّم الإدارة الأميركية مبررات بأن الاتفاقيات مع دول ثالثة ضرورية في حالات لا يستطيع فيها المهاجرون العودة إلى أوطانهم، مع الإشارة إلى حالات يرى فيها الجانب الأميركي أن دولاً معينة رفضت استقبال مواطنيها. غير أن وقائع حديثة تضع هذا الطرح موضع تساؤل: رجل رحّل إلى إسواتيني أعيد لاحقًا إلى جامايكا، ورحلات ترحيل حديثة إلى غواتيمالا شهدت إعادات إلى هندوراس. بعض الدول تتذبذب في مواقفها من قبول رحلات الترحيل؛ ففنزويلا مثلاً رفضت ثم قبلت ثم أعادت موقفها، وكانت قد احتجّت على ترحيل مواطنيها إلى السلفادور حيث نُقل أكثر من 200 شخص إلى سجن شديد الحراسة يعرف باسم «مركز احتجاز الإرهاب» (CECOT). وفي يوليو توصلت واشنطن وكاراكاس إلى صفقة سمحت بعودة فنزويليين محتجزين في السلفادور إلى بلادهم مقابل إطلاق سراح أمريكيين وسجناء سياسيين لدى فنزويلا، ولكن العلاقات بين البلدين توتّرت مجدداً مما أبقى مستقبل رحلات الترحيل إلى كاراكاس في حال من الغموض.
خلاصة
فيما تواجه بليز إمكانية استقبال طالبي لجوء لا يمكنهم العودة إلى أوطانهم، يستمر النقاش حول مدى قدرة الدول الصغيرة على تحمل تبعات مثل هذه الاتفاقيات، وبينما تَعِد التصريحات الرسمية بضمانات وإجراءات رقابية، يظل الشك القانوني والإنساني يكتنف فعالية وسلامة تنفيذ نمط من الترتيبات الدولية قد يغيّر بشكل عميق مسؤوليات الدول تجاه الأشخاص الفارين من الاضطهاد والمخاطر.