اليابان: ثلاثة رؤساء وزراء خلال خمس سنوات

شيغيرو إيشيبا يعلن الاستقالة بعد أقل من عام في السلطة، عقب خسارتين ساحقتين في انتخابات نصف الولاية. جرى الإعلان قبيل يوم من تصويت متوقع داخل حزب الحزب الليبرالي الديمقراطي قد كان سيقوده إلى الإطاحة به، ما يمهّد لساحة منافسة قيادية جديدة للحزب الحاكم في طوكيو — الثالثة خلال خمس سنوات، إلى جانب دورتين انتخابيتين وطنيتين لم يكمل فيهما الفائزان ولايتهما.

المغادرة تضع أمام القائد القادم مهمة عسيرة: تحقيق توازن في العلاقات المتوترة بين طوكيو وواشنطن، احتواء تضخّم متصاعد وأزمة غلاء معيشة، والعمل ضمن حكومة فقدت غالبيتها في مجلسي البرلمان.

لماذا استقال؟
خلال السنوات القليلة الماضية شهدت اليابان تبدّلات متسارعة في قيادتها. بعد استقالة شينزو آبي لاعتبارات صحية تولى يوشيهيدي سوغا رئاسة الحزب ثم الحكومة عام 2020، لكنه تنحّى بعد عام بسبب تراجع شعبيته، فحلّ محله فوميو كيشيدا الذي فاز لاحقاً في انتخابات 2021. لم تدم رئاسة كيشيدا طويلاً بسبب تداعيات فضائح فساد ضربت الحزب وتفاقم الضغوط الاقتصادية وتراجع قيمة الين، ما مهّد لإيشيبا كي يتقدم ويطيح به في 2024 مدعياً أن إجراء انتخابات مبكرة سيمنح الشعب فرصة الحكم على إدارته الجديدة سريعاً.

ردّ الناخبين كان حاسماً: استجابوا للغضب المتراكم جراء الفضيحة السياسية وتأثيرات ارتفاع تكاليف المعيشة، فمنحوا الحزب أسوأ نتيجة له منذ أكثر من عقد وخسّر الحزب الغالبية الفردية في مجلس النواب، ثم تلاه خسارة مماثلة في مجلس الشيوخ. رفض إيشيبا في البداية الدعوات للاستقالة مبرزاً استعداده لتحمّل المسؤولية والتعامل مع اتفاق تجاري مع واشنطن، لكنه في نهاية المطاف انسحب قبل تصويت داخلي كان من الممكن أن يطيحه. كما وصف توموهكو تانيغوتشي، أستاذ خاص ومستشار سابق، تصاعد الأصوات داخل الحزب التي طالبت بمحاسبة رئيس الوزراء قائلاً إن «الكتابة كانت على الجدار»، وأن إيشيبا اختار التنازل عن المنصب بدلاً من الخضوع لإذلال علني.

يقرأ  انقلاب قارب إنقاذ يودي بحياة خمسة أشخاص خلال فيضانات في باكستان

من المرشّح لخلافته؟
الاقتراع الحزبي متوقع في أوائل أكتوبر، والفائز به مرجّح بقوة لأن يصبح رئيساً للوزراء. لم يعلن أحد ترشحه رسمياً بعد، لكن ثلاثة أسماء برزت كمرشحين محتملين: شينجيرو كويزومي وزير الزراعة وابن رئيس وزراء سابق يتمتع بشعبية كبيرة؛ يوشيماسا هاياشي، الأمين العام للحكومة ووجهها الإعلامي الأبرز؛ وسناي تاكاييشي، التي قد تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في اليابان لو انتُخبت.

تكايتشي، البالغة من العمر نحو 64 عاماً، معروفة بمواقف محافظة شديدة ومعارضتها للزواج من نفس الجنس، وتتوافق آراؤها بشأن قضايا المرأة مع نهج الحزب القائم على أدوار تقليدية. من جهة أخرى، كويزومي (44 عاماً) يحظى بجاذبية شبابية، وظهوره الإعلامي ووجوده على منصات التواصل — حيث ينشر صوراً لقططه — ساعداه على بناء قاعدة شعبية رقميّة. أما هاياشي فيجسّد المرشح الأكثر خبرة واختباراً، مؤدّياً دور المتحدث الرسمي للحكومة بكفاءة.

ترددت أيضاً أسماء أخرى كمرشحين محتملين، بينها توشيميتسو موتيغي وزير الخارجية السابق وتاكايكي كوباياشي وزير الأمن الاقتصادي السابق.

ما التحديات الكبرى؟
التحدي الأول للقائد المقبل هو توحيد صفوف حزب أضعفته الهزائم وإعادة استقطاب الناخبين الذين ابتعدوا عنه. اليابان تشهد حالياً انزياحاً نحو أقصى اليمين، حيث برز حزب «سانسيتو» القومي كأحد كبار المستفيدين في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، مستقطباً شريحة واسعة من الناخبين المحافظين الذين كانوا سابقاً تمثل قاعدة للحزب الليبرالي الديمقراطي.

في ظل هذا المشهد، سيحتاج الزعيم الجديد إلى مزيج من الخبرة السياسية والقدرة على التواصل مع الجمهور واستراتيجية اقتصادية قادرة على معالجة ضغوط التكلفة والضغط على العملة، فضلاً عن مقاربة حكيمة للعلاقات الدولية للحفاظ على استقرار موقع اليابان إقليمياً ودولياً. قال جيفري هول، محاضر في جامعة كاندا للدراسات الدولية، لهيئة الإذاعة البريطانية إن “رئيس الوزراء إيشيبا اعتبره كثيرون من مؤيدي آبي غير محافظ بما يكفي”. وأضاف: “هم يرون أنه لا يحمل نفس النظرة القومية للتاريخ، ولا يمتلك المواقف الحادة ضد الصين التي كان يتمتع بها آبي”.

يقرأ  نيجيريا:مقتل 35 مقاتلاً في غارات جوية قرب الحدود مع الكاميرون

نتيجة لذلك اتجه كثيرون إلى أحزاب مثل حزب سانسيتو.

وشرح الدكتور تانيغوتشي أن “نجاحهم في جذب مزيد من الأصوات يعكس إحباط ناخبين كانوا ليؤيدوا عادة الحزب الليبرالي الديمقراطي، لكنهم اختاروا المغادرة والانضمام إلى حزب حديث التأسيس لم يُختبر بعد. أكبر مهمة للزعيم المقبل للحزب ستكون استعادة هؤلاء الناخبين”.

أسعار المواد اليومية ما زالت مرتفعة في اليابان في ظل استمرار ضغوط التضخم، ويأتي ذلك أيضاً مع أزمة تزايد تكاليف المعيشة وضعف الين.

يقول البروفيسور جيمس براون من جامعة تيمبل في اليابان: “الشعب الياباني غير معتاد على التضخم، لذلك حتى ارتفاع طفيف يبدو صادماً. بالنسبة لعديد من الناخبين العاديين، تشعر اليابان وكأنها تصبح دولة افقر — الأسعار ترتفع والأجور لا تواكب، ومع ضعف الين يجد المسافرون إلى الخارج كل شيء مكلفاً جدا”.

على الجانب الخارجي، سيضطر رئيس الوزراء القادم إلى موازنة علاقات طوكيو المعقدة مع جيرانها. فقد احتفلت الصين الأسبوع الماضي بمسيرة “يوم النصر” بمناسبة مرور ثمانين عاماً على هزيمتها لليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، وحضرها زعماء مثل كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين.

ويرى براون أن “اليابان تواجه ثلاثة جيران مهدِّدين، منهم دولة نووية، وفي المقابل شهدنا احتفالاً صينياً بارزاً بنصرها على اليابان”. ويضيف لايف-إريك إييسلي، أستاذ بجامعة إيوا في سول، أن “سواء أتى الزعيم القادم بميول قومية مثل تاكايتشي أو بذهنية جيلية جديدة مثل كويزومي… فاستمرار التعاون الثلاثي بين طوكيو وواشنطن وسيول سيكون تحت المراقبة بعد العرض الواضح للتضامن بين شي وبوتين وكيم في بكين”.

حتى علاقة اليابان بحليفها القديم الولايات المتحدة قد تشهد توترات. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالَب في وقت سابق هذا العام طوكيو بدفع المزيد لقاء تمركز القوات الأمريكية على أراضيها.

يقرأ  من المرجح ألا تدوم الخطوة الكبرى لتركيا بقطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل

ويعقب براون: “في ظل كل ذلك ثمة شعور بقدر من اليأس لدى الرأي العام. لا أمل كبير بأن يقود زعيم مختلف إلى تغيير جذري. بالنسبة لكثيرين، القصة نفسها القديمة لكن بوجه مختلف للحزب الليبرالي الديمقراطي”.

لماذا تتعاقب رؤساء الوزراء بهذا العدد في اليابان؟

شهدت اليابان خلال العقدين الماضيين أكثر من عشرة رؤساء للوزراء، ويعزو براون ذلك جزئياً إلى كونها “ديمقراطية أحادية الحزب”. فالحكم عملياً كان من نصيب الحزب الليبرالي الديمقراطي، ما يجعل المنافسة السياسية الحقيقية تنشأ داخل أروقة الحزب أكثر منها من أحزاب خارجية. وداخل الحزب تنشب صراعات عنيفة بين الفصائل التي تسعى كل منها لوضع مرشحها على رأس السلطة. ولهذا، حتى لو تم اختيارك زعيماً، ما أن تتسلم المنصب حتى يتآمر العشرات لإخراجك.

ومن يعتلي منصب القيادة يكاد يشرب من “كأس مسمومة”، كما يقول براون.

ومع تحول الأنظار الآن نحو من سيخلف إيشيبا، ينتظر الكثيرون ما إذا كان القائد القادم سيستطيع كسر حلقة تبادل رؤساء الوزراء قصيري الأمد في اليابان.

أضف تعليق