انتصار على مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية يمنح الفلسطينيين بارقة أمل أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

بيت لحم والمخرور، الضفة الغربية المحتلا — بالنسبة لأليس كيسيا، ناشطة مسيحية فلسطينية من بيت جالا في الضفة الغربية، هذا الموسم الميلادي له دلالة خاصة.

يوم الثلاثاء الماضي استطاعت كيسيا، وللمرة الأولى منذ عام 2019، أن تطأ أرض عائلتها في قرية المخرور بعدما أصدرت محكمة إسرائيلية في يونيو حكماً قضى بإجبار مستوطنين على مغادرة الأرض وتفكيك مخيم استيطاني غير قانوني.

انتصار قضائي يؤكد الاستمرار
«هذا النصر الذي أجبر المستوطنين على تفكيك مخيمهم تمهيداً للمغادرة نهائياً، يؤكد لي أنه لا ينبغي أبداً أن يكلّ المرء من مواصلة النضال، مهما استخدموا من أساليب للضغط عليّ وعلى عائلتي لترك الأرض»، قالت كيسيا للجزيرة.

وأضافت: «غادروا أرض عائلتنا بعد أربعة أشهر وانتقلوا إلى بناء مخيم استيطاني على أرض تخص أقرباء لنا. ومع ذلك انتصرت من جديد، لأن كل مرة رأتهم فيها على أرضي كانت تقوّي عزيمتي في متابعة المسار القانوني».

نزاع قانوني طويل
امتدت معركة العائلة القانونية طويلاً وشابها صراع مرير بعد أن ادعت منظمة استيطانية أنها اشترت الأرض من «مالكين آخرين» ورفعت مستندات تملّك. وبعد سنوات من الدعاوى والإجراءات، رفضت المحكمة الإسرائيلية أخيراً مزاعم المستوطنين وقررت أن الوثائق المقدمة مزوّرة. واعتبرت المحكمة أن لعائلة كيسيا حق الملكية على خمسة دونمات في المخرور ولهم الحق في العودة إليها.

أثّنت كيسيا على أهمية الحكم: «حكم المحكمة الإسرائيلية مهم جداً لأنه يثبت حقوقي وملكيتي للأرض ويكشف زيف سياسة الاحتلال وتلاعب المستوطنين بمستندات الملكية بطريقة غير قانونية، إذ زوّرت لأغراض سياسية وشخصية». تجدر الإشارة إلى أن كيسيا اعتقلتها القوات الإسرائيلية في 2024 أثناء احتجاجها على مصادرة الأراضي من قبل المستوطنين.

خطر مستمر يمنع العودة الدائمة
رغم النصر القضائي، لم تستقر كيسيا بعد على أرضها؛ فهي تخشى الاعتداءات العنيفة المتكررة من المستوطنين، والتي أصبحت سمة يومية في الضفة الغربية المحتلة. «حكم المحكمة منح عائلتي وليّ الحق في العودة إلى الأرض والمنزل والمطعم الذي هدمه الاحتلال، لكننا نتجنب التواجد الدائم خوفاً من عنف المستوطنين المدعوم من حكومة يمينية ووزرائها، بيزاليل سموتريش وإيتامار بن غفير»، قالت كيسيا.

يقرأ  ترامب يعلن صفقة مع الصين تسمح لتطبيق «تيك توك» بالاستمرار في العمل بالولايات المتحدة — أخبار دونالد ترامب

على مر سنوات، وبعد أن هدم الجيش منزلهما حين كانت طفلة، تحوّلت كيسيا إلى رمز مقاومة داخل مجتمعها المسيحي وبين الفلسطينيين، بعدما قادت حملات مدنية وقانونية وشعبية لمواجهة سياسات الاحتلال وتوسعات المستوطنات غير القانونية.

دفع متواصل للاستيطان غير القانوني
يشكّل انتصار كيسيا بصيص أمل، لكن توسع الاستيطان الإسرائيلي مستمر في مسعاه لربط مستوطنات شرق القدس غير القانونية مع كتلة غوش عتسيون جنوب الضفة، في إطار ما يعرف بمخطط «القدس الكبرى». الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو تدفع لمصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المزيد من المستوطنات.

في تدوينة على وسائل التواصل قال سموتريش، وهو من المستوطنين: «نواصل كتابة التاريخ في البناء الاستيطاني وفي دولة إسرائيل… قمنا بتقنين 69 مستوطنة خلال ثلاث سنوات. نمنع قيام دولة فلسطينية على الأرض. نواصل التطوير والبناء والاستيطان في أرض آبائنا وأجدادنا، مع الإيمان بعدالة قضيتنا».

بموجب حكومة الاحتلال الحالية ارتفع عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة بنحو 50 في المئة — من 141 مستوطنة في 2022 إلى 210 الآن. والتمييز بين مصطلحي «بؤرة استيطانية» التي تُبنى دون تفويض حكومي، و«مستوطنة» التي تمنحها الحكومة تصاريح رسمية، لا يغيّر حقيقة أنهما كلاهما غير قانونيين بموجب القانون الدولي لأنهما مبنيان على أرض محتلة.

وتشير الأرقام إلى أن نحو عشرة بالمئة من يهود إسرائيل البالغ عددهم حوالي 7.7 مليون نسمة يعيشون في هذه المستوطنات. كما تنوي السلطات المضي قدماً في خطط لبناء 9000 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة على موقع مطار قلنديا المهجور في القدس الشرقية المحتلة، في محاولة أخرى لعزل الأراضي الفلسطينية بعضها عن بعض وقطع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة.

منطقة «آتاروت» في شمال القدس الشرقية، التي توحي بمخطط E1 الذي هُوِيَ بمسعى لتقويض قابلية قيام دولة فلسطينية، من المقرّر أن تُناقش مخططاتها وتُعرض ملامحها للموافقة على لجنة التخطيط والبناء الإقليمية، بحسب مجموعة «السلام الآن».

يقرأ  الرئيس السيسي يعفو عن الناشط المصري البارز عبد الفتاح

الفلاحة شكل من أشكال المقاومة
الفلسطينيون لا يقفون مكتوفي الأيدي، بل يجدون وسائلهم، ولو كانت محدودة، لإحباط مساعي مصادرة الأراضي. من هؤلاء المزارع بشير السوس، البالغ من العمر 60 عاماً، الذي لم يتوقف عن زراعة وتأهيل أرضه في المخرور رغم خطط الاحتلال لمصادرة نحو 2800 دونم من الأراضي الزراعية.

روى السوس للجزيرة أن قريته كانت هدفاً منذ تسعينيات القرن الماضي حين شُق الطريق الاستيطاني رقم 60 الذي قسم الأرض نصفين، وأنها اليوم تواجه جيلاً جديداً من مخططات المصادرة. ويشكو الفلاحون من رفض السلطات الإسرائيلية المتكرر لطلبات توصيل المياه والكهرباء وإصدار تراخيص البناء.

يقول السوس: «أريد أن أكسر الرواية الإسرائيلية التي تقول إن لا فلسطينيين على الأرض. أعتقد أننا نستطيع حماية أرضنا بالحضور الدائم على مدار الساعة وزراعتها بالكروم والزيتون». ويضيف: «الوجود المرئي يزيح الادعاءات بأن هذه الأراضي بلا ملاك»، مشيراً إلى اعتماد الفلاحين على الآبار التاريخية والهياكل الزراعية القديمة التي تمكنهم من الاستمرار في الزراعة. «لن نترك أرضنا».

مخاوف من التملص القانوني
حذر خبراء قانونيون فلسطينيون من الإفراط في الفرح بالنصر القضائي، مشيرين إلى أن مسؤولين إسرائيليين وقادة مستوطنين قد يتملّصون من أحكام المحاكم أو يلجؤون إلى أساليب تتجاوز الإطار القانوني لمنع تنفيذها. التصاعد الواضح في التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية يفرض استمرار اليقظة القانونية والمجتمعية لحماية الحقوق والأراضي. «ما يجري جزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى إلغاء مفهوم الدولة الفلسطينية»، قال حسن بريجية، رئيس قسم القانون الدولي في لجنة مقاومة الاستيطان والجدار.

وأضاف أن «الإجراءات الإسرائيلية تتنصل من احترام القوانين والأحكام القضائية، وخصوصًا في المناطق الاستراتيجية التي تشكل محور الخطة لربط القدس بمستوطنات غوش عتصيون ضمن ما يُسمى بالقدس الكبرى».

يقرأ  «فوضى عارمة»: شهود يروون مشاهد الفوضى بعد تفجير انتحاري في إسلام أبادأخبار الجماعات المسلحة

وأشار بريجية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى مواصلة مشروع الاستيطان الكاسح بدعم ورعاية الولايات المتحدة.

رسالة إلى العالم المسيحي

تقول كيسيا إن هذه المخاوف قائمة وواقعية، لكنها ترى في نصرها القانوني بصيص أمل، جاء في توقيت مهم بالنسبة للمسيحيين.

بالنسبة إلى كيسيا وأسرتها، يحمل هذا الميلاد معانٍ من القوة والثبات.

«أدعو الله أن يعزّز إيماننا ويثبت أقدامنا في أرضنا»، قالت لموقع الجزيرة. «المسيحيون الفلسطينيون جزء لا يتجزأ من النضال الوطني، وهم يواجهون تهجيرًا ممنهجًا يهدف إلى تصوير الصراع على أنه صراع ديني بحت».

وأضافت: «أريد للعالم أن يعرف أننا كمسيحيين لسنا منفصلين عن القضية الفلسطينية؛ نحن جزء أساسي منها إلى جانب إخوتنا وأخواتنا المسلمين. نتعرّض لحملة اضطهاد ممنهجة تستهدف إفراغ الأرض المقدسة من المسيحيين وإجبارهم على النزوح، حتى تتمكن إسرائيل من تصوير الصراع على أنه بين إسرائيل والمسلمين».

قالت كيسيا إنها تتطلع إلى قادة العالم المسيحي، وعلى وجه الخصوص رؤساء الكنائس وزعماء الطائفة المسيحية، كي يقفوا إلى جانب السكان المسيحيين الأقدمين في فلسطين.

«آمل أن يتدخل قداسة البابا وكل قادة ورجال الدين بشكل أوسع لحماية الوجود المسيحي في مدينة بيت لحم وفي أرجاء فلسطين»، ختمت قائلة.

«نحن جزء من النضال ومن بناء دولة فلسطين.»

أضف تعليق