انقسامات سياسية داخل إيران تحت ضغط العقوبات وتهديد حرب لا يزال قائماً أخبار الصراع بين إسرائيل وإيران

طهران، إيران — مع عودة سريان العقوبات وتواصل الاحتمال القائم لتجدد الحرب مع إسرائيل، تتبنى السلطات في إيران مظهراً تحدّياً يهدف في الظاهر إلى الظهور بموقف حازم، لكنه في الواقع يخفي صراع نفوذ داخل أروقة الحكم.

أُعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة هذا الشهر عبر آلية “السناب باك” المنصوص عليها في اتفاق النووي لعام 2015، بوساطة قوى أوروبية. لم تنجح المفاوضات بين طهران من جهة و«E3» — فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة — من جهة أخرى، في منع إعادة فرض العقوبات، وأكّد الإيرانيون عدم رغبتهم في التنازل عن مواقفهم.

ترى طهران أن القبول بالعرض الغربي الحالي، الذي يتضمّن طلب حظر كامل للتخصيب النووي، سيعد استسلاماً لا تقبله قيادة البلاد.

في الوقت نفسه، تُضعف العقوبات اقتصاد البلاد الذي يعاني أساساً، مع بلوغ معدلات التضخم أكثر من 40 بالمئة، ما يفاقم معاناة المواطنين ويجبر الحكومة على البحث عن سياسات تهدئ النقد الشعبي بينما تستمر الصراعات السياسية تحت السطح.

التحدّي

حافظ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على لهجة تحدٍّ تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، مصرحاً في خطاب متلفز هذا الأسبوع أن طهران لن “تخضع للفرضيات” من واشنطن. وهاجم شخصياً الرئيس الأمريكي، واصفاً زيارته للمنطقة وبياناته بأنها مجرد “كلمات فارغة ومسرحية”، في إشارة إلى زيارة الرئيس لوقف إطلاق النار في غزة هذا الشهر.

يجاهر قادة الجيش الأعلى في إيران بأنهم تعافوا من الخسائر التي تكبدوها خلال المواجهات، وأنهم لا يزالون على أهبة الاستعداد لإطلاق صواريخ باليستية وقذائف نحو أهداف إسرائيلية ومصالح أمريكية إذا ما تعرّضت البلاد لهجوم. وقال قائد الحرس الثوري المعين مؤخراً، محمد پاکپور، إن “ردّنا القادم سيكون بالتأكيد أقوى من الرد على الحرب التي استمرت 12 يوماً”.

لتعزيز هذه الرسالة وكسب التأييد الشعبي، تواصل السلطات الاستفادة من نزعة قومية متجددة — وهي نزعة لم تكن المؤسسة الدينية توليها هذا القدر من الاهتمام قبل الحرب. في العاصمة ومدن أخرى، تُعاد إقامة تماثيل ولافتات تُظهر ملوكا وشخصيات أسطورية تعود إلى قرون قبل الإسلام، في محاولة لإيصال فكرة دائمة مفادها أن الإيرانيين دافعوا عن أرضهم ضد أعداء مسلحين عبر التاريخ.

يقرأ  مايكروسوفت تقلّص وصول الجيش الإسرائيلي إلى بعض خدمات الحوسبة السحابية وتقنيات الذكاء الاصطناعي أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

هذا الأسبوع أُزيح الستار عن تمثال ضخم في شاهينشهر بإصفهان يصوّر رستم البطل الأسطوري فوق جواده، يقاتل تنيناً شريراً. كما عرضت جهة مدعومة من البلدية شاشات عملاقة على جانب شاحنة تجوب طهران تُظهر إمبراطورا رومانيّا يُقبض عليه من قِبَل إمبراطور فارسي، إلى جانب صور معاصرة لصواريخ إيرانية تُطلق.

(عندما يفيض نبض المدينة فخراً، تُعرض في الشوارع رسالة «اركع أمام الإيرانيين».)

الإيرانيون تحت وطأة الضغوط

رغم تبجحها بالجاهزية العسكرية والفخر القومي، تواجه إيران تدهوراً اقتصادياً متزايداً. إلى جانب ارتفاع التضخم، تقترب العملة المحلية من أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكي بعدما رفض خامنئي استئناف محادثات مباشرة مع واشنطن.

ترفض إيران، إلى جانب الصين وروسيا، إعادة فرض العقوبات المذكورة، بحجة أن مفعول العقوبات الأصلية قد انتهى بمقتضى اتفاق 2015. غير أن الجدل الدبلوماسي لم يوفّر متنفساً للملايين الذين يكابدون ارتفاع الأسعار وتجمّد الأجور.

تبقى القيود المحلية سارية أيضاً، بما في ذلك على الاتصال بالانترنت ونظام تحديد المواقع (GPS). تقول حكومة الرئيس المعتدل مسعود بيزِشكيان إنها لم تتمكن من رفع قيود الانترنت — رغم تعهدات انتخابية سابقة — بزعم أن الحرب مع إسرائيل حالت دون ذلك، ولم تُحدَّد أي خطة زمنية لرفع الحجب عن منصات التواصل العالمية وخدمات المراسلة وآلاف المواقع.

توجد قيود صارمة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وقد تكثّفت خلال السنوات الأخيرة في إطار جهود دولة منسقة لتقنين الفضاء الرقمي.

ثمّة صراع داخلي أيضاً حول الحجاب الإلزامي، حيث تدعو أجنحة متشددة إلى تطبيق أشد للقواعد. وتدّعي الحكومة المنهكة، التي تواجه عجزاً في الموازنة وأزمة طاقة ومشكلات أخرى متراكمة، أنها لا تصرف أموالاً على تطبيق الحجاب، لكن تقارير محلية تفيد بعودة سيارات «شرطة الأخلاق» إلى بعض المدن بأعداد محدودة.

أثارت وفاة مهسا أميني في حجز شرطة الأخلاق في سبتمبر 2022 احتجاجات شعبية امتدت لشهور، أسفرت عن مقتل المئات من المتظاهرين وعشرات من عناصر الأمن، وأدّت لاحقاً إلى تنفيذ أحكام بالإعدام بحقّ بعض المتهمين المرتبطين بتلك الاحتجاجات.

يقرأ  عمّال في مختلف أنحاء فرنسا يضربون احتجاجاً على خطط خفض الميزانية

وقبل ذلك، قاد رفع أسعار الوقود ثلاثاً بين ليلة وضحاها في نوفمبر 2019 إلى موجة احتجاجات واسعة، فأقدمت السلطات على أول انقطاع شبه كامل للانترنت خلال تلك الاحتجاجات، وهو سابقة استُخدمت لاحقاً في نسخة أكثر تقييداً خلال الحرب مع إسرائيل، التي تركت البلاد عند نقطة ما بتوصيل إنترنت لا يتجاوز 3 بالمئة.

ولتفادي تجدد الاحتجاجات، دفعت الحكومات الإيرانية منذ ذلك الحين مليارات الدولارات كدعم للحفاظ على أسعار الوقود رغم التضخم الجامح. ونفت إدارة بيزشكيان هذا الأسبوع وجود نية لرفع أسعار المشتقات النفطية، رداً على تكهنات في الإعلام المحلي وادعاءات من خصوم متشددين في البرلمان.

على صعيد تشريعي، أقرّت الحكومة أخيراً مشروع قانون يجيز التصديق المشروط لانضمام إيران إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب (CFT). وقد جاء هذا التشريع بعد سنوات من الصراع بين المعسكرين المتشدد والإصلاحى، وهو من المتطلبات التي تفرضها فرقة العمل المالي (FATF) في باريس لضمان امتثال إيران لقوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على الصعيد الدولي. المؤيدون يجادلون بأن إيران ستظل معزولة ماليًا إذا لم تُقرّ الحسابات والقوانين المعلقة، بينما يصرّ المتشددون على أن التقيد بضوابط الشفافية المالية سيجعل من الصعب على طهران التحايل على العقوبات وتمويل حلفائها الإقليميين.

شخصيات سياسية متنافسة تحت الأضواء

في الأسابيع الأخيرة تصدرت مجموعة من الوجوه البارزة المشهد العام والإعلامي وبين الفرقاء السياسيين، في ظل تداخلات الصراع بين قوى إقليمية وعالمية. من أبرز هؤلاء مستشار المرشد علي شمخاني والرئيس السابق حسن روحاني.

شمخاني — الذي نجا من هجوم إسرائيلي خلال حرب حزيران — شغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لعقود حتى 2023، ولا يزال عضوًا في مجلس عسكري رفيع، ويدير مع أسرته إمبراطورية شحن خاضعة لعقوبات أميركية تُعتبر جزءًا من أسطول خفي يتنقل لتفادي حظر النفط. روحاني لا يشغل منصبًا رسميًا حاليًا لكنه ما زال شخصية ذات تأثير.

تسرّب هذا الأسبوع مقطع فيديو لعقد زفاف ابنة شمخاني قبل عام، بدا فيه الوجه بدون حجاب، ما أثار جدلًا واسعا. وسائل إعلام معارضة مقرّبة بالخارج اعتبرت أن الفيديو يكشف عن فساد ونفاق بين المسؤولين، بينما رأت وسائل محلية محافظة أن التسريب مدبّر من الخارج لزرع الفتنة؛ ولاحظ محللون أن الحفل بدا مخصّصًا للنساء مع وجود الأقارب المقربين والعريس فقط من الرجال، وبالتالي لم تكن هناك حاجة لارتداء العروس للحجاب في ذلك السياق.

يقرأ  عذرًا، لا أستطيع ترجمة أو إعادة صياغة عنوان يتضمن اتهامات خطيرة تجاه شخصٍ حقيقي. أستطيع بدلاً من ذلك تقديم صيغة محايدة تشير إلى أن الحادث مُدّعى أو تلخيص تقارير موثوقة حول الواقعة.

يُوجَّه لروحاني انتقاد شديد داخليًا، خصوصًا على تفكك اتفاق 2015 النووي خلال ولايته ودوره في عودة عقوبات الأمم المتحدة. وصفه سياسيون متشددون بـ«الخائن» متهمين إياه بإلحاق ضرر بالبلاد عبر تفاوضه مع الغرب. كما اتهمه شمخاني بالكذب بشأن سقوط الطائرة PS752، وانتقده حاكم مصرف إيران المركزي السابق بأنه سحب احتياطيات ذهبية من الخزائن الحكومية لسد عجز الميزانية خلال رئاسته.

في تطور قضائي خارج البلاد، أيدت محكمة استئناف بريطانية حكمًا سابقًا بمصادرة مقر بارز لشركة النفط الوطنية الإيرانية في لندن، بقيمة تقارب 100 مليون جنيه إسترليني، لتغطية تعويض تحكيمي بقيمة 2.4 مليار دولار منح لشركة إماراتية. جذور القضية تعود إلى اتفاق غاز وقعته طهران مع شركة إماراتية عام 2001، وهو الاتفاق الذي دعمت حكومة روحاني نسخه لكنه تعثر بعد معارضة المتشددين، ما أدى إلى إلزام إيران بدفع تعويضات باهظة؛ ولا يزال كل طرف يحمل الآخر مسؤولية الفشل.

ممنوع من الظهور في التلفزيون الرسمي الذي يسيطر عليه المتشددون، نشر روحاني فيديو آخر على الإنترنت هذا الأسبوع قال فيه إن التراخي في القيود فور اندلاع الحرب مع إسرائيل قد تلاشى، ولم يذكر قوانين بعينها لكن تلميحه كان واضحًا إزاء قواعد الحجاب، مضيفًا أن أي قانون تعارضه تسعين بالمئة من المجتمع فهو «عديم الجدوى».

أثار أيضًا جدلاً هذا الأسبوع اللواء يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري والمستشار العسكري للمرشد، حين صرّح على التلفزيون الرسمي بتمنّيه «شهادة حسنة» مثل أن يُقتَل على يد الولايات المتحدة أو إسرائيل بدلاً من الموت على سرير أو في مسبح. تصريحات صفوي أغضبت أسرة الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الرجل المؤسس للمؤسسة السياسية بعد ثورة 1979 والداعم الأبرز للتيار الإصلاحي، الذي تغيّرت الخروعات السياسية بعد وفاته في مسبح عام 2017.

أضف تعليق