انقسام بين مسؤولي الاستخبارات حول نية روسيا في إرسال طائرات مُسيّرة إلى بولندا — وإجماع على تصاعد عدوانية بوتين

مرَّ أسبوع منذ أن أقلعت مقاتلات الناتو لإسقاط عدة طائرات روسية دون طيّار دخلت المجال الجوي للحلف فوق بولندا، ولا تزال أجهزة استخبارات الولايات المتحدة والدول الغربية عاجزة عن حسم ما إذا كان الخرق عرضياً أم محاولة متعمّدة من موسكو لاختبار دفاعات الغرب وقياس رد فعل الناتو.

حذر مسؤولون من أن الحادثة، بأي حال، تشكل إشارة مقلقة إلى أن استعداد الكرملين لاستفزاز الناتو — حتى لو أدى ذلك إلى تصعيد — قد ازداد.

«هذا لا يعني أنها ليست خطيرة»، قال مسؤول استخباراتي غربي رفيع. «هناك بالتأكيد ما تغيّر في طريقة تفكير الكرملين حيال درجة تحمّله للمخاطر عند الاستهداف».

لكن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالطائرات نفسها — نمط طيرانها ومواصفاتها الفنية — جاءت متباينة وصعبة التفسير.

أوكرانيا وبولندا عبّرتا علناً عن قناعتهما بأن الخرق كان متعمّداً — وتشاركهما في هذا التقييم عدة دول أوروبية. ومع ذلك، وفي محادثات مع نحو عشرات من كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين والدبلوماسيين والنواب الأميركيين والغربيين، بدا واضحاً غياب إجماع داخل حلف الناتو.

قدّر أحد كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين في المنطقة احتمالية أن تكون روسيا قد دخلت المجال الجوي للناتو عن قصد بـ«خمسين في المئة — خمسين في المئة».

خارجياً، قال محلّلون إنه من الصعب للغاية الحسم بقدر كبير من الثقة من دون معلومات واضحة صادرة عن داخل روسيا — وهو من أصعب أهداف مجتمع الاستخبارات. وهذا يضع الناتو في موقف محرج بشأن كيفية الرد على حادثة غير مسبوقة من دون فهم واضح لنية روسيا.

«ليس لدينا معلومات استخباراتية كافية باتجاه أو آخر»، قال مصدر أميركي آخر مطلع على المعطيات.

رغم أن المسؤول الاستخباراتي الغربي رفيع المستوى قال إن نمط طيران الطائرات يشير إلى أنها تائهة وتحاول استعادة إشارة نظام تحديد المواقع (GPS) — ما يعطي دلالة أنها انحرفت عن مسارها بسبب تشويش أو تعطيل أوكراني — فإن مؤشرات أخرى يمكن تفسيرها بطريقتين.

يقرأ  لليلة الخامسة على التوالي… مكاتب حزب الحكم في صربيا تُضرم فيها النيران خلال الاحتجاجات

كون العديد من الطائرات الروسية كانت عبارة عن مجسّمات غير مُسلّحة قد يعني أن روسيا رغبت في اختبار دفاعات بولندا من دون المجازفة بسقوط ضحايا. لكن الخبراء يشيرون إلى أن كثيراً من الطائرات التي تُطلقها روسيا في هجماتها على أوكرانيا تكون مجسّمات مصممة لخداع واستنزاف الدفاعات الجوية، وقد تكون هذه الحالة أيضاً مصادفة.

وكذلك إن العدد الكبير من الطائرات الذي انحرف نحو بولندا ليس حاسماً بالذات، كما قال مسؤولون رفيعو المستوى ومحلّلون خارجيون، لأن هذه الطائرات تُبرمج غالباً دفعة واحدة وفي هجمات بهذا الحجم من المنطقي أن تواجه 19 أو 20 طائرة دفاعات إلكترونية أوكرانية وتستجيب بالطريقة نفسها. كما لفت المسؤول الاستخباراتي الغربي إلى أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها كانت هناك على الأقل أربع دفعات من هجمات روسية على أوكرانيا شملت أكثر من 400 مقذوف جوي في الوقت نفسه.

على الصعيد الخاص، كوّن بعض المسؤولين رأياً شخصياً؛ فالمسؤول الاستخباراتي الغربي قال لشبكة CNN إنه «يميل» إلى تقييم أن الحادث كان غير مقصود، حتى مع إدانته كدليل مقلق على تزايد تهور الكرملين. واتفق مصدر أميركي مطلع على المعطيات مع هذا الميل.

ومع ذلك، قال مسؤول عسكري أميركي آخر وعضو في الكونغرس مطّلع على المعلومات إن الحادث بدا متعمداً.

اعترف مسؤولون أوكرانيون تواصلت معهم CNN بأن كييف تُوظّف الحرب الإلكترونية والتشويش الالكتروني أثناء الهجمات الجوية الروسية، ما قد يدفع الطائرات المعادية إلى الخروج عن مسارها المبرمج. ومرّت طائرة روسية أخرى إلى رومانيا في وقت سابق هذا الأسبوع. لكن مسؤولاً رفيعاً أضاف أنه «لم يشهد مثل هذه الانحرافات الكبيرة» خلال أكثر من ثلاث سنوات من الحرب.

«هذا هو التوازن: هل نتجاهل الأمر أم نعتبره تصعيداً جوهرياً بمعنى أن روسيا باتت تختبر دفاعات خصومها مباشرة؟» قال صامويل بندت، خبير تقنية الجيش الروسي.

يقرأ  المباحثات التجارية الأمريكية — الصينية تدخل يومها الثاني مع اقتراب المهلة النهائية لتطبيق «تيك توك»

جنود بولنديون يطلقون النار من منظومة دفاع جوي محمولة أثناء تدريبات عسكرية مشتركة مع جنود الناتو في ميدان تدريبي في ويرزبيني، بولندا، يوم الأربعاء. — كاسبر بيمبل/رويترز

قلق أوكراني من احتمال تحويل الدعم العسكري إلى أعضاء الناتو

رغم أن المسؤولين الأوكرانيين توقعوا في البداية أن يثير حادث الطائرات الروسية ردة فعل قوية من الحلفاء الغربيين، فقد شدّدت كييف على أن أولوية إرسال مزيد من أنظمة الدفاع الجوي والذخائر إلى البلاد يجب أن تبقى قائمة. وقد ناشدت أوكرانيا بالحصول على مزيد من منظومات باتريوت الأميركية، ويخشى بعض المسؤولين الآن أن تُحوّل هذه العتاد إلى حلفاء الناتو على حدودهم.

إذا كان الخرق متعمداً، قال عضو الكونغرس المطلع على المعلومات، فقد كان يهدف على الأرجح إلى عدة أمور: اختبار دفاعات الغرب لقياس زمن رد الفعل، ومعرفة المزيد عن كيفية استجابة الناتو، ورسم خرائط لمسارات نقل السلاح إلى أوكرانيا لتحديد أهداف مستقبلية — وطبعاً استفزاز الغرب. وربما كانت روسيا تأمل أن إثارة احتمال وقوع ضحايا مدنيين في دولة من دول الناتو قد تثير انقسامات في الدعم الشعبي للحرب في أوكرانيا، بحسب المسؤول الاستخباراتي الغربي.

لكن حتى لو كان غير مقصود، قال المسؤول الاستخباراتي الغربي إن الحادثة توحي بأن روسيا أصبحت أكثر استعداداً للمخاطرة بضربة عرضية للناتو، سواء عبر استهداف غير دقيق أو عبر قصر في الدفاعات الإلكترونية أو لأسباب أخرى. وهذا يزيد من احتمال حدوث حساب خاطئ خطير قد ينتهي بصراع مباشر.

«سواء كان مقصوداً أم لا، فهو طائش تماماً وخطير للغاية»، قال أمين عام الناتو مارك روتي خلال عطلة نهاية الأسبوع، محذّراً في الوقت نفسه من أن التقييم لا يزال جارياً.

وأحد أسباب صعوبة تفسير نوايا روسيا هو أن موسكو كثيراً ما تنفذ أفعالاً استفزازية تحت ستار إنكار معقول. وقد تكون الحادثة مصمّمة لتبدو غير مقصودة، كما قال عدة مسؤولين وخبراء خارجيون.

يقرأ  ٨٠ فكرة زيّ هالووين رائعة للمعلمين في ٢٠٢٥

قال الجيش الروسي فقط إنه «لم تكن هناك خطط لاستهداف منشآت على أراضي بولندا». وبحسب بندت، لاحظ خبير روسي في الطائرات من دون طيار أن الطائرات الروسية المسلحة تمتلك هوائيات ومستشعرات بدرجة عسكرية مكّنتها من التغلب على التكتيكات الأوكرانية في الحرب الإلكترونية، بينما المجسّمات التي طارت إلى بولندا امتلكت أنظمة تحديد مواقع وأجهزة استشعار أرخص فشلت في ذلك.

وقالت بولندا إن بيلاروسيا، التي أُطلِقت منها الطائرات، أرسلت أيضاً تحذيراً يفيد بأن طائرات خارجة عن مسارها متجهة نحو أجوائها.

هاتان النقطتان هما ما يجعلان المسؤول الاستخباراتي الغربي يعتقد أن الحادث كان خطأ.

«عادةً إذا أراد الروس شيئاً كهذا، فهم لا يتحدثون عنه»، قال هذا الشخص.

لكن بالطبع هاتين النقطتين كانتا قد تكونان أيضاً جزءاً من ستار دخاني متقن. قد تكون روسيا تبحث عن «طريقة للاطّلاع على ما يجري بطريقة يسهل التراجع عنها، ونفيها، وجعل الجميع يقولون: لم تكن ضربة مقصودة»، قال بندت — غزوٌ «متعمد ليبدو غير متعمد».

«هذه هي الأسئلة المنطقية والفكرية التي نحاول جميعاً الإجابة عنها»، قال. «الكثيرون داخل الناتو وشرق اوروبا يقولون إن هذا كان على الأرجح عمداً بالذات لأننا كنا جميعاً سنقول: هجوم من 800 طائرة و20 فقط خرجت عن المسار؟ نعم، هذا هامش خطأ مقبول في هجوم بهذا الحجم».

للمزيد من أخبار CNN والنشرات الإخبارية، أنشئ حساباً على موقع CNN.com.

أضف تعليق