افتتاح الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة
تفتتح هذا الأسبوع في مدينة نيويورك أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يتوافد قادة العالم لإلقاء خطابات في حدث بارز تتزايد فيه التساؤلات والانتقادات حول دور المؤسسة على المسرح الدولي.
اجتماع سنوي في توقيت بالغ الحساسية، مع مخاوف داخلية متنامية بشأن تمويل لا يستفيد الاستدامة، وغضب متصلّب بسبب الحرب المستمرة في غزة، وضغط متزايد من دول غير غربية للمطالبة بدور أكبر في صنع القرار.
خلافات دبلوماسية وظفت غضباً مبكراً
أثار قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب حفيظة مسبقة بإجراء رفض أو سحب تأشيرات مسؤولين عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لحضور الاجتماع، في خطوة اعتُبرت استفزازية من قبل كثيرين. وفي الوقت نفسه، تستعد فرنسا والمملكة العربية السعودية لاستضافة مؤتمر حول القضية الفلسطينية، مع وعود بالانضمام إلى عدة دول أوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية.
في رأي ريتشارد جووان، مدير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، تأتي الدورة في سنة «تبددت فيها أوهام كثيرة». وقال: «الواقع الآن واضح جداً؛ الأمم المتحدة تواجه أزمات مالية وسياسية هائلة. والسؤال هو: هل ثمة مسار يخرج بها من ذلك؟»
متى تبدأ الأعمال؟
تبدأ الجلسات رسمياً يوم الثلاثاء حين تعرض الرئيسة المقبلة، أنالينا بربوك، أجندتها للدورة التي تستمر حتى 8 سبتمبر 2026. وقد اختير شعار هذا العام: «أقوى معاً: ثمانون عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان».
الأسبوع الأول سيكون إجراءاتياً إلى حد كبير، يلي ذلك أسبوع القمة رفيع المستوى، الذي يبدأ في 22 سبتمبر عند الساعة 9 صباحاً بالتوقيت المحلي (13:00 بتوقيت غرينتش) بجلسة لإحياء الذكرى الثمانين للأمم المتحدة ومناقشة «المسار نحو نظام متعدد الأطراف أكثر شمولاً واستجابة».
في 23 سبتمبر تبدأ «المناقشة العامة» حيث من المتوقع أن تتحدث ما لا يقل عن 188 من رؤساء الدول أو حكومات أو مسؤولين رفيعي المستوى حتى 29 سبتمبر. كما ينعقد طيف من الاجتماعات الموازية المعنية بأهداف التنمية والمناخ والصحة العامة، مع نشاط دبلوماسي محدود على الجوانب.
ما مهام الجمعية العامة؟
الجمعية العامة هي جهاز الأمم المتحدة الأساسي للنقاش وصياغة السياسات، والهيئة الوحيدة التي تمثل فيها جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193. وتتمتع كل من فلسطين والكرسي الرسولي بوضع مراقب غير عضو.
بموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي دخل حيز التنفيذ عام 1945، تُناط بالجمعية العامة معالجة شؤون السلم والأمن الدوليين حين لا تتولاها آليات مجلس الأمن، ذلك المجلس المكوَّن من 15 عضواً ومن بينهم خمس دول دائمة العضوية تملك حق النقض: فرنسا، الصين، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما تناقش الجمعية قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي والتعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية.
على الصعيد التنفيذي، تعتمد الجمعية العامة موازنة الأمم المتحدة السنوية الضخمة، ويدير أحد لجانها الست الرئيسيات تمويلَ إحدى عشرة بعثة حفظ سلام نشطة في العالم.
هل سيزداد الاعتراف بدولة فلسطين؟
شكَّلت حرب إسرائيل في غزة، التي اندلعت عقب هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، محور اهتمام الدورة السابقة، ويُنتظر أن تظل الحرب في مقدمة الملفات هذا العام مع استمرار الهجمات والفظائع. التوقعات تتركز على عدد من الدول التي أعلنت مؤخراً اعترافها أو تعهدت بالاعتراف بدولة فلسطين.
خلال الأسبوع الماضي، تعهدت بلجيكا بأن تعترف بفلسطين على هامش أعمال الجمعية بعد كل من فرنسا ومالطا. كما أعلنت دول مثل أستراليا وكندا والمملكة المتحدة اعترافاً مشروطاً، لكن لم يتضح إن كان ذلك سيُعلن رسمياً خلال الاجتماع.
فيما يتطلب الاعتراف الكامل بفلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة موافقة مجلس الأمن—وهو مسار يُرجّح أن يواجه اعتراضاً من الولايات المتحدة—تظل الزيادات في الاعتراف ذات دلالة رمزية مهمة، بحسب ألانّا أومالي، أستاذة دراسات الأمم المتحدة في لايدن. وقالت إن اعتراف فرنسا مهم لأنه يجعل العضو الأوروبي الدائم في مجلس الأمن من رؤوس الدول المعترفة، لافتة إلى أن 143 دولة كانت قد اعترفت بفلسطين قبل التحركات الأخيرة.
وأضافت: «أعتقد أن ذلك يضغط على الولايات المتحدة، وبذلك يزيد الضغط على إسرائيل. لكنه، بالطبع، يكشف أيضاً أن الدول الأوروبية متأخرة مقارنةً بالعالم الجنوبـي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالعمل الجماعي لمواجهة ما يوصف بأنه إبادة جماعية.»
تحديات للتعددية من الداخل والخارج
على الرغم من محاولات قيادة الأمم المتحدة احتفالاً بمرور ثمانين عاماً على تأسيسها، فإن العقد الماضي كان قاسياً على روح التعاون الدولي التي تضطلع بها المنظمة. في عهد ترامب الأول (2017–2021) انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقد عمد الرئيس السابق جو بايدن إلى عكس تلك القرارات فيما بعد، لكن إدارة ترامب أعادت تكرار انسحابات مماثلة عند استلامها السلطة في يناير من هذه السنة.
كما شرعت إدارة ترامب في خفض واسع للمساعدات الخارجية، بما في ذلك تقليصات مئات الملايين من الدولارات لوكالات أممية وفرض قيود على مزيد من التمويل، ما وضع ضغوطاً مالية إضافية على عمل الأمم المتحدة. الولايات المتحدة لا تزال المصدر الأكبر لدعم الأمم المتحدة، حيث قدّمت قرابة 13 مليار دولار في عام 2023.
«قيود التمويل الأميركية وضعت الأمم المتحدة في وضع مالي بالغ السوء»، قال غوان من مجموعة الأزمات الدولية.
وزادت حالة عدم الاستقرار هذه تساؤلات حول حملة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش لتبسيط المؤسسة وإعادة تركيزها ضمن ما سمّاه «مبادرة UN80». المقترحات المتعلقة بالمبادرة، التي ستُدرَج في مشروع موازنة أولي يُنشر لاحقاً هذا الشهر، واجهت معارضة من بعض الدول الأعضاء وموظفي المنظمة، ومرّ في جنيف سابقاً تصويت بحجب الثقة عن الأمين العام هذا العام.
«غوتيرس سيتحدث عن جهوده لتوفير النفقات»، قال غوان. «لكنني أعتقد أن كثيرين سيسألون عمّا إذا كانت الأمم المتحدة قادرة فعلاً على الاستمرار بهذا النطاق من دون تغييرات مؤسسية جذرية، لأن المال ببساطة لم يعد متوفراً».
فرصة لنفوذ جديد؟
قد تشهد دورة هذا العام أيضاً محاولات من دول كانت هامشية تقليدياً للانفتاح على دور أكبر داخل المنظمة، بحسب أو’مالي من جامعة ليدن. لم تظهر أي دولة استعداداً أو قدرة على تعويض التزامات الولايات المتحدة المالية، لكن الصين سعَت لسنوات لتعزيز نفوذها داخل الأمم المتحدة، ولا سيما من خلال تمويل عمليات حفظ السلام.
دول مثل جنوب أفريقيا وجامايكا لجأت أيضاً إلى آليات الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص محكمة العدل الدولية، للمطالبة بمساءلة بشأن انتهاكات إسرائيل في غزة وقضايا تغيّر المناخ على الترتيب.
«أعتقد أن عدداً كبيراً من دول الجنوب العالمي، خصوصاً دول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وإندونيسيا إلى حد ما، لا ينظرون إلى هذا فقط كأزمة في تعددية الأطراف»، قال أو’مالي. «إنها فرصة لإعادة تشكيل منظومة الحوكمة العالمية بما يخدم مصالحهم بدقة أكبر، ولخدمة شعوبهم بشكلٍ مباشر لأنهم يَمثِّلون غالبية سكان العالم».
وقد أعاد ذلك بدوره دفع زخم نحو إصلاحات طال انتظارها، بما في ذلك توسيع عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، حسبما أشار أو’مالي، مع الإقرار بأنّ طريقاً واضحاً لمثل هذا الإصلاح لا يزال غائباً.
لحظات تصنع التاريخ؟
أسابيع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأولى تشتهر بلحظات صنعت التاريخ: هوجو تشافيز ينعت جورج إتش. دبليو. بوش بـ«الشيطان»؛ معركة خطابية طويلة لم يُنسب تاريخها بدقة ألقى فيها معمر القذافي في 2019 هجوماً دامِياً ضد «إرهاب وعقوبات» مجلس الأمن؛ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرسم حرفياً خطاً أحمر تحت البرنامج النووي الإيراني؛ وخطاب دونالد ترامب الافتتاحي عام 2017 حين صعَد المنبر مهدداً بـ«تدمير تام» لكوريا الشمالية.
التصريحات العدائية قابلتها ضحكات من الوفود، لكن النبرة قد تكون مختلفة هذه المرة، إذ بدا قادة العالم أخيراً أكثر ميلاً للتودّد إلى القائد الأميركي المتقلّب الطباع.
وفي الوقت نفسه، ومع تردّد أنباء عن انخفاض الحضور بسبب قيود ترامب على السفر إلى الخارج، ليس من المستبعد أن يكون حدث هذا العام وداعية لتقليد طويل الأمد يقيم انطلاقة الجمعية العامة في الولايات المتحدة، كما قال غوان.
«أعتقد أنه، على المدى البعيد، عندما ينظم الناس فعاليات عالمية كبرى حول الأمم المتحدة، سيقولون: ‹هل نُقيمها في جنيف أم في فيينا أم في نيروبي؟›»، قال غوان. «إذا لم تكن الولايات المتحدة ستمنح التأشيرات، فما الجدوى من استضافة الاجتماعات العالمية هناك؟»